الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} المائدة: 48، ففي الآية بيان: أن الكتاب الذي هو القرآن مصدق لما قبله من الكتب المنزلة، وشاهد عليها بالحق، فما في الكتب السابقة مما هو في كتابنا فهذا حق؛ لأن القرآن شهد له بذلك، ولذا لم يكن لنا أن نحكم أو نتحاكم إلا إلى كتابنا المنزل علينا، وذلك لأنه مهيمن على الكتب السابقة، ناسخ لها، إذ جعل الله لكل نبي شرعة ومنهاجا، فشرعة أمة محمد صلى الله عليه وسلم القرآن، ومنهجهم الوحي المنزل من الرحمن، فليس لهم أن يلتفتوا إلى غيره.
أما ما في كتبهم مما ليس في كتابنا كأخبار الأمم السابقة، وبعض ملح العلم، مما هو ليس من أساسيات الأديان؛ فهذه قال فيها صلى الله عليه وسلم:(لا تصدقوا أهل الكتاب، ولا تكذبوهم، و {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} البقرة: 136)(1)، وذلك لأن التصديق قد يقع على المحرف، فنكون صدقنا بالباطل، أو يقع التكذيب بالمنزل فنكون قد وقعنا في الحرج (2).
ومن أجل هذا فإن
الانحراف المؤدي إلى الإفراط في الإيمان بالكتب، يأتي من طريقين، هما:
-
أولاً: التبرك بالكتب المنزلة
.
من الإيمان بالكتب الإيمان بأن القرآن كلام الله عز وجل، وبما أن الكتب المنزلة حرفت عدا القرآن الكريم -بحفظ الله عز وجل له-، فإن التبرك يتجه إليه في المقام الأول، لإخبارنا الله عز وجل عنه بأنه مبارك، قال تعالى:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} الأنعام: 92، وقوله:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} ص: 29، إلا أن تبرك أهل السنة والجماعة بالقرآن مقيد بقيود (3)، فعقيدة أهل السنة والجماعة تثبت أن كلام الله تعالى مكتوب في القراطيس، وأن المكتوب في المصاحف التي بأيدي المسلمين اليوم هو كلام الله عز وجل على الحقيقة.
(1) رواه البخاري، في كتاب التفسير، باب (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا)، برقم (4485).
(2)
ينظر: القرآن الكريم ومنزلته بين السلف ومخالفيهم دراسة عقدية (2/ 789).
(3)
بأن يجري التبرك بالقرآن على النحو الذي ورد فيه "وهو طلب البركة من الله عز وجل بذكر القلب، واللسان، والعمل بالقرآن والسنة على الوجه المشروع "، فيكون بتلاوته وتدبره والعمل به؛ لا بجعله تميمة، أو غسل أوراق المصحف وشربها، أو وضعه في البيت أو في السيارة ونحو ذلك.
ينظر: التبرك أنواعه وأحكامه، د. ناصر الجديع (ص 201 - 241)، ونور السنة وظلمات البدعة في ضوء الكتاب والسنة، د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني (ص 72).
ولم يخالف أهل السنة والجماعة في ذلك إلا الكلابية والأشعرية، الذين أنكروا أن يكون كلام الله مكتوباً في المصاحف؛ بناءاً على زعمهم أن كلام الله معنى قائم بالنفس، وأما المكتوب في المصاحف فهو حكاية أو عبارة عن كلام الله (1).
والتبرك عند أهل السنة والجماعة ينقسم من جهة حكمه إلى قسمين (2):
أ- تبرك مشروع: وهو أن يفعل المسلم العبادات المشروعة طلباً للثواب المترتب عليها، ومن ذلك أن يتبرك بقراءة القرآن والعمل بأحكامه، فالتبرك به هو ما يرجو المسلم من الأجور على قراءته له وعمله بأحكامه.
ب- تبرك ممنوع: وهو ينقسم من حيث حكمه إلى قسمين:
1 -
تبرك شركي: وهو أن يعتقد المتبرِّك أن المتبرَّك به - وهو المخلوق - يهب البركة بنفسه، فيبارك في الأشياء بذاته استقلالاً (3)؛ لأن الله تعالى وحده موجد البركة وواهبها، فقد ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(البركة من الله)(4)، فطلبها من غيره، أو اعتقاد أن غيره يهبها بذاته شرك أكبر.
2 -
تبرك بدعي: وهو التبرك بما لم يرد دليل شرعي يدل على جواز التبرك به، معتقداً أن الله جعل فيه بركة، أو التبرك بالشيء الذي ورد التبرك به في غير ما ورد في الشرع التبرك به فيه، وهذا بلا شك محرم؛ لأن فيه إحداث عبادة لا دليل عليها من كتاب أو سنة؛ ولأنه جعل ما ليس بسبب سبباً، فهو من الشرك الأصغر؛ ولأنه يؤدي إلى الوقوع في الشرك الأكبر (5).
وصور تبرك المخالفين بالقرآن الكريم كثيرة، والبدع فيها غير محصورة، ومنها:
(1) ينظر: مقالات الإسلاميين (2/ 257 - 258).
(2)
ينظر: مختصر تسهيل العقيدة الإسلامية (ص 288 - 290).
(3)
ينظر: جهود علماء الحنفية لشمس الدين الأفغاني (3/ 1575 - 1578)، وتيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، لسليمان بن عبد الله، باب من تبرك بشجرة أو حجر (ص 148).
(4)
صحيح البخاري، آخر كتاب الأشربة "5639". وروى مسلم في صحيحه، في الصلاة "771" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه في استفتاح الصلاة:" والخير كله في يديك ".
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى (27/ 137)، وتيسير العزيز الحميد (ص 148، 153)، والقول السديد للسعدي (ص 53)، والقول المفيد لابن عثيمين، باب من تبرك بشجرة أو حجر (1/ 194)، وكتاب التوحيد للدكتور صالح الفوزان (ص 112).
كتابة القرآن في الحروز ومعها شيء من الطلاسم الشركية، والحسابات والمبتدعات (1)، والتعاويذ، وتعليقه على الصبيان، والنساء، بل والدواب، وهذا كله زعم منهم أنه من باب التداوي (2)! ! ، فيجعل القرآن تلبيسا، والمقصود الشرك تأسيسا، بل ربما كان فيها نوع استعانة بالجن (3)، قال شيخ الإسلام رحمه الله:" وعامة ما يقوله أهل العزائم فيه شرك، وقد يقرؤون مع ذلك شيئا من القرآن، ويظهرونه، ويكتمون ما يقولونه من الشرك، وفي الاستشفاء بما شرعه الله ورسوله ما يغني عن الشرك وأهله"(4)، كما أن كتابة التمائم من القرآن لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا سائغا شرعاً، ونافعاً كونا، لأرشد إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم (5)، ولا شك أن منع التمائم من القرآن وغيره (6)، فيه سد لباب الذرائع، وهو باب عظيم معمول به في الشرع، وقد حمى النبي صلى الله عليه وسلم جانب التوحيد، فمنع من الألفاظ الموهمة والمؤدية إلى الشرك، فكيف يجيز ما يكون ذريعة إلى الشرك؟ ووسيلة إليه؟ ! .
وقريب من هذا التبرك غير المشروع، ما يفعله بعض أهل البدع من كتابة القرآن على الأثواب، ولبس ذلك لإخراج الجن، أو يكون ذلك تبركا، ولعل هذا كان معروفا في القدم (7)، وهذا يدل أن هناك ثيابا كانت ترقم ويكتب فيها القرآن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن ذلك قراءتهم -تبركا- القرآن على الميت! ! ، ووضع المصحف على القبر، فإن هذا من البدع المنكرة، وليس هذا سبيل التبرك، أو وضع المصحف عند رأس المحتضر تبركاً (8)، قال الشيخ ابن باز رحمه الله معلقاً على ما في الفتح:" الأحكام التي تنسب إلى الدين، لا بد من ثبوتها في نصوص الدين، وكل ما لم يكن في زمن التشريع، وفي نصوص التشريع؛ فهو مردود على من يزعمه، وتقدم قول الإمام الشافعي: ولكننا نتبع السنة فعلا وتركاً"(9).
(1) ينظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر للهيثمي (1/ 274)، وقد بين الشيخ ابن باز رحمه الله أن المعلقين للتمائم إنما يريدون البركة والنفع، ولهذا يعلقون التمائم. ينظر: فتاوى وتنبيهات (ص 253).
(2)
ينظر: التبيان للنووي (ص 159).
(3)
ينظر: معيد النعم ومبيد النقم للسبكي (ص 117)، التمائم في ميزان العقيدة د. علي نفيع العلياني.
(4)
مجموع الفتاوى (19/ 61).
(5)
حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم (ص 86).
(6)
حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم (ص 86).
(7)
ولهذا ذكر البهوتي في كشاف القناع، فقال:" وهل يجوز مس ثوب رقم بالقرآن! ! " كشاف القناع عن متن الإقناع (1/ 125).
(8)
ينظر: بدع الجنائز للألباني (ص 243)، وبدع المقابر والجائز لعلي الطهطاوي (ص 144).
(9)
حاشية الفتح (2/ 555)، الطبعة السلفية.