الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لهذا نجد أن الإسلام أبطل الرهبانية؛ ففي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: ((رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا)) (1).
ورغب النبي صلى الله عليه وسلم في عمل الدنيا، فقال:((لأن يحتزم أحدكم حزمة من حطب، فيحملها على ظهره فيبيعها، خير له من أن يسأل رجلاً يعطيه أو يمنعه)) (2).
فالوسطية في الإسلام ترشد المسلم إلى الجمع بين خيري الدنيا والآخرة أي: أن يعمل الإنسان ويتحرى في عمله الأحسن والأفضل ويجعل عمله كله لله تعالى، فهو جاد في عمله في دنياه مستعد لآخرته؛ قال الله عز وجل معلماً لنا:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)} البقرة: 201؛ ونجد أن هذا الدعاء الجامع الصالح للخيرين معاً كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (3).
فيتولد عن هذا الاتزان الجمع بينهما وفق منهج الله، (الاتباع في الدين)، (والإبداع في أمور الدنيا)؛ لأنه لا تعارض بين ذلك. فنجد أن في الوسطية الثبات في الأهداف والمرونة في الوسائل (4).
المعلم الخامس: الشمول:
ليست الوسطية محصورة في جزئية من الجزئيات، ولا ركن من الأركان، وإنما هي منهج متميز بالشمول لحياة الإنسان كلها، بطول امتداده الزمني، وعرض مجالاته في الحياة كلها، وعمق أغواره الحياتية، فهي تشمل الجسم والعقل والروح، وتضم الظاهر والباطن، وتعم القول والعمل والنية (5).
إذن الوسطية ليست مرحلة وإنما منهج حياة شامل مطلوب في كل حين.
(1) أخرجه البخاري كتاب النكاح، باب ما يكره من التبتل والخصاء برقم (5073 و 5074)،
(2)
أخرجه البخاري كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده (2074) و (2374)، ومسلم في كتاب الزكاة باب كراهة المسألة للناس برقم (1402).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:(ربنا آتنا في الدنيا حسنة) برقم (6389)، ومسلم كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الدعاء ب اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، برقم (6781).
(4)
ينظر: الوسطية والاعتدال للدكتور محمد يتيم (ص 67 - 68)، بحوث ندوة (أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو)، المحور الأول: الوسطية والاعتدال في القرآن والسنة، مفهوم الوسطية والاعتدال، (1/ 14).
(5)
ينظر: كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط (ص 24).
لذا فالوسطية بقدر ما هي تثبيت للثوابت وانطلاق من المرجعية، فهي تجديد متواصل في مختلف مظاهر حياتنا الثقافية والفكرية، على اعتبار أن لكل جيل كسبه وتجربته التاريخية الخاصة {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)} البقرة: 134 (1).
فالشمول الذي يجعل الإسلام مهيمنا على الحياة كلها بأنظمتها وأنشطتها المختلفة، وبأعمال الإنسان المتنوعة، لا يشذ عن الدين أبداً، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)} الأنعام: 162.
وقال الحق -جل وعلا-: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} الأنعام: 38، ليدُلنا على أن الإسلام دين شامل لجميع نواحي الحياة، سواء تعلق الأمر بالإنسان في علاقته بربه (فقه العبادات) أم بالإنسان مع بني جنسه (فقه المعاملات)؛ فرسالة الإسلام شاملة في تعاليمها، شاملة في عقيدتها، شاملة في معاملاتها وعباداتها، شاملة في أخلاقها وآدابها.
المعلم السادس: وضوح (2) الأصول الاعتقادية:
من أهم وأبرز معالم الوسطية، وضوحُ أصولها الاعتقادية (3)؛ التي استمدتها من المصادر الربانية المتقنة غاية الإتقان، والصالحة لكل زمان ومكان؛ وهي مع وضوح أصولها الاعتقادية
واضحة الأهداف والغايات والتشريعات والآداب والمناهج والطرق (4)، فكانت بحق منطلقاً لغيرها من الأعمال (5)، وعلامة بارزة على الوسطية الحقة.
(1) ترك القرآن الكريم الحديث عن الوسائل المتجددة للحياة العامة للاجتهاد المطلق، يتصرف الناس في رسمها كما يلوح لهم حيناً بعد حين. بينما ترى الحياة العامة في القرآن الكريم متناولة بأدق بيان وأحكم ميزان، وأن الإسلام تناولها من الناحية الثابتة التي لا يعروها تغير على اختلاف الزمان.
ينظر: نظرات في القرآن، لمحمد الغزالي (ص 69)، مؤتمر الوسطية مختارات من فكر الوسطية، الوسطية منهج استراتيجي للأمة، المهندس مروان الفاعوري (ص 17).
(2)
الوضوح: يعني وضوح أصول الإسلام وقواعده ودعائمه الكبرى وعباداته ومعاملاته.
(3)
وضوح الأصول الاعتقادية: أي الفهم والثقة واليقين التام بثوابت الشريعة المستمدة من القرآن والسنة، كتوحيد الله عز وجل، والإيمان بالرسل والرسالات المنزلة عليهم، والجزاء الأخروي
…
ووضوح الشعائر التعبدية.
(4)
الرسالات السماوية السابقة امتداد أم تقاطع - للدكتور رشيد كهوس - البحث لمشاركة بمهرجان ربيع الرسالة الثقافي العالمي السابع.
(5)
ينظر: بحوث ندوة أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو، المحور الأول: مظاهر الوسطية في الإسلام د. سليمان بن إبراهيم العايد (ص 55).