الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
التعصب للآراء والمعتقدات، وسوء الظن بالآخرين واتهامهم، واعتبار من يخالفهم في الدين مبتدعاً (1).
لذا فمفهوم التقليد الأعمى في باب العقائد من أعظم أسباب افتراق الأمة الإسلامية إلى فرق ضالة، وبدع متقابلة؛ ذلك أن الأتباع يقلدون متبوعيهم، وهذا يؤدي إلى آثار خطيرة متعددة، ومعظمها يمس الجانب العقدي، فكل من يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مقلد متبع لمن لا يجوز له اتباعه، كالذي يترك طاعة رسول الله، ويتبع سادته وكبراءه، من أمراء أو مشايخ، أو علماء، أو يتبع غيرهم، أو يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً من غير إيمان في قلبه، وعلى هذا فإن من أطاعهم في معصية الله فقد أشرك مع الله غيره (2).
المعلم الثامن: اضطرابهم في مفهوم الولاء والبراء:
تعرضَ مفهوم الولاء والبراء إلى أنواع من الاضطراب في الاستعمال، وضروب من الفوضى في التوظيف ما بين انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين (3)؛ فأدى ذلك إلى كثير من البلاء والفتن، حيث جعله الغلاة -بصورته المحرَّفة- مناط الإيمان، وشرط الدخول في جماعة الإسلام. وكَفَّرُوا بمقتضاه كلَّ من لم يحرره في عقيدته وتطبيقه، على ما فهموه وقصَّدوه من معنى.
بينما لم يعتبره الجفاة من أصول الدين عندهم، فحاولوا تذويبه، ومهاجمة مظاهره الشرعية الصحيحة -بإشاعة عادات الكفار وتقاليدهم بين المسلمين-، ولم يقف بهم الأمر عند هذا الحد بل قاموا بالمطالبة بإلغاء عقيدة الولاء والبراء المبنية على الأساس الديني، بحجّة
ينظر: الجواب الكافي (ص 34) وما بعدها، المعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع لحامد بن محمد المصلح، والتساهل مع غير المسلمين د. عبد الله الطريقي (ص 36 - 37)، دعوة التقريب بين الأديان دراسة نقدية في ضوء العقيدة الإسلامية، د. أحمد القاضي، التقليد في باب العقائد وأحكامه (212 - 214).
(1)
الغلو في الولاء والبراء للجماعات والأشخاص، كاعتقاد بعضهم أن الجماعة التي ينتسب إليها هي جماعة المسلمين التي من فارقها يكون مرتداً، وكالغلو في محبة وموالاة أئمتهم، ومعاداة المخالفين إلى درجة تكفيرهم.
ينظر: الغلو في الدين، اللويحق (ص 210 - 215)، والافتراق بين وسطية الإسلام وظاهرة الغلو (ص 446).
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى (4/ 197 - 199)، ودرء التعارض (1/ 272 - 273)، وجهود شيخ الإسلام في توضيح توحيد العبادة (2/ 1280).
(3)
جمعوا الجهل بنوعيه: الجهل المنافي للعلم والتحقيق، والجهل المنافي للعقل والحلم وصالح الأخلاق؛ والجهل سبب للخروج برؤى معوّجة.
أنها تؤصّل ثقافة الكراهية للآخرين (1)، وتؤجّج نار التطرُف والغُلُوّ، وجعلوها على أساس الوطنية والقومية.
وهكذا تنتج لنا البدع المتقابلة عقيدة مشوهة المعالم مضطربة المفاهيم غير مقبولة شرعاً ولا عقلاً، مما آلت إليه عقيدة الولاء والبراء بفعل هؤلاء وهؤلاء. ويرجع ذلك إلى الأسباب التالية:
1 -
عدم فهم وضبط الأدلة الشرعية (2).
2 -
ردة الفعل في تطبيق أحكام الولاء والبراء من قبل بعض المنتسبين للإسلام (3).
3 -
تحسين صورة الإسلام المشوهة لدى الكفار (4).
(1) إضعاف مفهوم الولاء والبراء لدى المسلمين وإيقاعهم في مفاهيم مغلوطه، تحت شعارات منها:(المحبة والاحترام المتبادل) و (الأخوة الإنسانية) و (نبذ التعصب الديني) و (ونبذ الشك والارتياب بالآخر)
…
ودعوى (أن التباين بين المسلمين وأهل الكتاب هو نتاج سياسية الملوك والرؤساء) و (أن أحكام الولاء والبراء مأثورات تاريخية لا عقدية، قابلة للتغيير بتغير الزمان والمكان) و (أن أحكام الولاء والبراء ليست من الشرائع الكلية المنصوص عليها والتي لا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة وإنما هي من السياسات الجزئية التابعة للمصالح) ونحو ذلك من المفاهيم المغلوطة مما أضعف هذه العقيدة العظيمة في نفوس المسلمين.
ينظر: موقف الاتجاه العقلي الإسلامي المعاصر من قضايا الولاء والبراء (ص 573).
(2)
الأخذ بإطلاقات بعض النصوص الشرعية دون فهم للمراد منها: لذلك نجد أن الذين غالوا في الولاء والبراء لا يعرفون العام والخاص، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، وهذا الدليل هل هو على إطلاقه، أو ليس على إطلاقه ونحو هذا، وهذا هو السبب الأول الذي يقع فيه المنحرفون.
ينظر: أسباب الانحراف في الولاء والبراء، للدكتور عصام السناني، رابط الموضوع: http://www.assakina.com
(3)
من السنن أنه ما من غلو يظهر إلا وينشأ عنه غلو مضاد، فالدين ظنوا أن مقتضى البراء من الكفار معاملتهم بعنف وغلظة، واستباحة دماء الذميين والمعاهدين واستحلال أموالهم مستدلين على ذلك بنصوص النهي عن موالاة الكافرين وموادتهم.
قابلهم من أَعمل نصوص البر والإحسان بالمخالفين الذين لم يقاتلوا المسلمين وأغفلوا نصوص النهي عن موالاة الكافرين وموادتهم. فقابلوا الغلو بالغلو! . فتجد أن كلاً منهم ينتقي من النصوص ما يوافق هواه.
ينظر: موقف الاتجاه العقلي الإسلامي المعاصر من قضايا الولاء والبراء (ص 110).
(4)
اهتم الغلاة بتحسين الولاء والبراء حسب مذاهبهم ومعتقداتهم، فاعتبروا كل تعامل مع غير المسلم يمثل شكلاً من أشكال المداهنة والتنازلات في دين الله؛ بينما اهتم الجفاة بتحسينه في أذهان الغربيين؛ لأن الغرب يستنكر عقيدة الحب في الله والبغض في الله ويرى أنها من التعصب، فحرص بعض المنهزمين إلى تأويل النصوص وتعسف الأدلة ونفي عقيدة الولاء والبراء، ونسبة ضدها للإسلام؛ وهذا يعتبر من الشرك التشريعي الذي لا يقل خطراً عن الشرك العقدي، ولا شك أن وقوع مثل هذا اللون من الشرك -شرك الحكم والتشريع في الساحة الإسلامية- حق لا ريب فيه وخطورته لا تقل عن خطر شرك القبور والأضرحة.
ينظر: موقف الاتجاه العقلي الإسلامي المعاصر من قضايا الولاء والبراء (ص 105، 576).
4 -
وقوعهم تحت ضغط الهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية (1).
5 -
معالجة الأحداث الطائفية (2).
(1) ظهرت جراء ذلك صور من الولاء الفكري المعاصر: في التعليم، والإعلام، ونشر كتب المستشرقين، والدعوة إلى المذاهب اللادينية، ويجلى في ذلك حب التبعية للغرب، دون نظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد؛ وفي المقابل ظهر الروح الضدية المعاندة للغرب ولكل ما يأتي من الغرب ولو كان واضح المصلحة.
(2)
ولدت الأحداث الطائفية في البلاد الإسلامية في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري إبان الاستعمار الأوروبي النصراني لممالك المسلمين، وتم علاج المشكلة من قبل أصحاب البدع المتقابلة، بنحر أحكام الولاء والبراء، فسلك أصحاب التفريط طريق استدفاع ويلات الفتنة الطائفية وآثارها المدمرة باسترضاء أهل الكفر ولو على حساب دين الله، فأهدروا الأخوة الإسلامية وأحلوا الأخوة الوطنية التي تشمل أهل الكفر، ورأوا أنه أساس في تكونين الأمة وبنائها، وأبطلوا أحكام أهل الكفر وعدوها سبيلاً إلى الشقاق وتمزيقاً لوحدة الأمة، مستدلين على ذلك بنصوص البر والإحسان بالمخالفين الذين لم يقاتلوا المسلمين ولم يخرجوهم من ديارهم ولم يظاهروا على إخراجهم، وأغفلوا النصوص المقابلة.
أما الغلاة فتحزبوا وأخذوا بعقيدة الخوارج، وظنوا أن من مقتضى البراء من الكفار معاملتهم بعنف وغلظة، واستباحة دماء الذميين والمعاهدين واستحلال أموالهم، مستدلين على ذلك بنصوص النهي عن موالاة الكافرين وموادتهم، مغفلين النصوص المقابلة.
ينظر: موقف الاتجاه العقلي الإسلامي المعاصر من قضايا الولاء والبراء (ص 107 - 111)، والجمعيات القومية العربية وموقفها من الإسلام والمسلمين في القرن الرابع عشر الهجري للدكتور خالد الدبيان، الإسلام والحضارة الغربية، د. محمد محمد حسين (ص 202) وما بعدها.