الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: المعنى الإجمالي للآيات الرادة على البدع المتقابلة في توحيد الألوهية
.
أختم هذا الفصل بذكرٍ إجمالي للآيات الرادة على الانحراف العقدي في توحيد الألوهية؛ والآيات التالية سيقت على سبيل المثال لا الحصر:
1 -
قال تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} مريم: 65، في هذه الآية رد على المشركين المتخذين وسائط في عباداتهم لله، فأمرهم الله بفاء المباشرة {فَاعْبُدْهُ} ليدل ذلك على أن عبادته سبحانه لا تحتاج وسائط وشركاء. كما أن فيها رداً على الباطنة المعتقدين في بعض أعيان البشر صفة الربوبية فصرفوا لها توحيد الألوهية، فرد الله عليهم هذا بقوله {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} أي شبيهاً ومثيلاً ونظيراً؛ فالطائفة الأولى أقرت بالله ولكنها صرفت العبادة لغيره، والثانية أنكرت الله وصرفت العبادة لغيره.
2 -
قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)} الإسراء: 57، هذه الآية فيها دعوة إلى أن يكون الإنسان في حال سيره إلى الله ما بين الخوف والرجاء {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} ، والسير بهذا المنوال يخرج به الإنسان من طائفتين ضلتا في باب العبادة: فالمرجئة يقولون: لا يضر مع الإيمان شيء، فمن كان راجياً فقط وترك الخوف دخل في طائفة المرجئة؛ ومن أفرط في الخوف دخل في طائفة المعتزلة والخوارج الذين يرون أن مرتكب الكبيرة يكفر ويخلد في النار ما لم يتب قبل أن يموت فضلوا جميعاً في توحيد الألوهية بين إفراط وتفريط، كما أن في قوله تعالى:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)} الرعد: 6، رداً عليهم أيضاً، فجاء الرد على من غلا في عبادة الخوف دون غيرها، بقوله تعالى:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} ؛ وفيها كذلك رد على من عطل الخوف، بقوله عز وجل:{لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} .
3 -
قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} طه: 114، في هذه الآية سدٌ لطريق مخالفة الشريعة وردٌ على المتشاغلين بالعبادات مع الجهل وترك حمل العلم، كالصوفية الذين ينكرون على الناس العلم ويذمونه، بينما يحكمون بالذوق والوجد والكشف، فانتكسوا إلى
حضيض الخرافة والوهم، فدلت الآية الشريفة على طلب الاستزادة من العلم المؤدي لمعرفة الله (1)، ومن ثم إخلاص العبادة له عز وجل على ما يرضيه. كما أن فيها رداً على المعتزلة والجهمية الذين عظموا علم البشر وجعلوه هو المهيمن والحاكم على الشرع، فقدموا العقل على النقل، فضلوا في توحيد الألوهية. فالعلم المطلوب هو ما وفَّق الله له، ودعى له أنبياء الله، وهو العلم الذي يصحح العبادة، ويقرب من الله، وأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بسؤال الزيادة من العلم بقوله:{رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} يقتضي أنه كان عالماً وأنه أمر بطلب المزيد من العلم (2)، والحق أن كل ما خالف الشرع فلا مصلحة فيه مطلقاً، وكل أصل لم يؤخذ من الشرع فهو فاسد الاعتبار.
4 -
قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} آل عمران: 19، في هذه الآية ردٌ على من حادَ عن الإسلام فأصبح مُفْرِطا غالياً في مسألة العبادة دون دليل؛ كما أن فيها رداً على من أصبح منهم مفَرِّطا مضيعاً لما أمره الله به من العبادة، من أصحاب الأديان والمذاهب والتيارات والفرق دون دليل، ولا مخالفة بين هذه الآية التي تثبت دين الحق الذي يريده الله عز وجل والذي عليه أهل الحق، وبين قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الأنعام: 88 - 90. ففي هذه الآية رد على جميع أصحاب البدع، بأنهم مخالفين لمنهج أهل الحق الذين لا يعبدون الله إلا بدليل من الكتاب أو السنة.
5 -
قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} الأعراف: 180، في هذه الآية الرد على من صرف العبادة لغير الله من التوسل بذوات الأموات وغيرهم، فبين الله تعالى أن المشروع هو التوسل بأسمائه الحسنى، فقال:{فَادْعُوهُ بِهَا} ؛ كما أن فيها رداً على من حادَ بها عن معناها الصحيح؛ لأن
(1) "فالعلم الذي أُمِر الرسول صلى الله عليه وسلم باستزادته هو علم الوحي لا علم الكلام والفلسفة والمنطق. قال تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء 166]، أي أنزله وفيه علم لا يعلمه البشر. فالباء للمصاحبة مثل قوله:{فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود 14] أي أنزل وفيه علم الله وذلك من أعظم البراهين على صحة نبوة من جاء به
…
فالمعنى أنزله متضمنا لعلمه الذي لا يعلمه غيره إلا من أطلعه عليه وأعلمه به".
ينظر: الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (3/ 877)
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى (11/ 384).
هذه الأسماء أعظم الأدلة على التوحيد، فمن اعتقد أن الله تعالى لا إله غيره خصه بالإلهية، ومن اعتقد أنه حي لا ينام، قيوم لا يفنى ولا يبيد ولا يكون إلا ما يريد، وأنه الأول والآخر -أزلي لم يسبق بعدم وأنه لا يأتي عليه العدم-، واعتقد أنه موصوف بصفات الكمال ومنزه عن صفات النقص، ساقه ذلك إلى أعلى أنواع العبادة، ودفعه إلى الخوف والرجاء والمحبة، من أجل هذا جاء قوله تعالى:{وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} ، ليبين أن من عبد أو أشرك مع الله غيره فقد ألحد في أسمائه.
وغير ذلك من الآيات، التي هي في الحقيقة أدلة تكشف زيغ أهل البدع المتقابلة في توحيد الألوهية؛ كما أن ردود هذه الآيات وغيرها، تستلزم إثبات المنهج الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة -منهج الوسطية في أبواب الاعتقاد-، من أجل ذلك سَعِدوا بهذا الوصف {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الأنعام:90.
وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الأسماء والصفات؛ لأن من أخلص لله في عبادته لا بد أن يثبت لله جميع الأسماء والصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف أو تعطيل ومن غير تكييف أو تمثيل، وقد ضل في هذا المفهوم كثير من الخلق. وهذا هو موضوع الفصل التالي بإذن الله تعالى.
الباب الثاني:
الفصل 3 الآيات الواردة في توحيد الأسماء والصفات.
وفيه تمهيد ومبحثان:
تمهيد في تعريف توحيد الأسماء والصفات.
المبحث الأول: ما جاء في البدع المتقابلة
في توحيد الأسماء والصفات.
المبحث الثاني: الآيات الرادة على البدع
المتقابلة في توحيد الأسماء والصفات.