الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونافلة من أعمال ظاهرة أو باطنة فهو من الإيمان، فالاعتقاد أصل الإيمان وأساسه، والأعمال فروع الإيمان وبها تحققه (1).
ثم إن الخصومة بين أهل السنة ومخالفيهم في تعريفه وأحكامه طويلة الذيل، قديمة التاريخ؛ لأن مسألة الإيمان من مسائل الأسماء والأحكام (2)، والخلاف فيها أول خلاف عقديٍّ وقع في الأمة (3)، بل ظل من أعظم قضايا الخلاف (4) بين هذه الأمة في عصورها كلها، فقد زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام، وما ذاك إلا للبعد عن هدي السلف فيه، وانتهاج طرق مبتدعة في تقريره وتأصيله، فنشأ عن ذلك معتقدات باطلة، وتصورات خاطئة آلت إلى سفك للدماء، وظهور للبدع والمحدثات، لذلك فقد تصدى أهل السنة والجماعة، لهذه البدع مع بداية ظهورها بالرد والبيان، والحجة والبرهان، ولا عاصم من هذه الانحرافات -بإذن الله- إلا بالالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة.
والوصول إلى تحقيق الإيمان وكماله موقوف على معرفته وضبطه (5)، ولهذا اعتنى علماء أهل السنة والجماعة قديماً وحديثاً بهذا الجانب كل الاعتناء، وخصوه بمصنفات كثيرة، حتى صار منهج أهل السنة والجماعة واضحاً كالشمس في رابعة النهار.
ويحسن قبل الشروع في مباحث هذا الفصل التمهيد بتعريفه.
أ-تعريف الإيمان في اللغة:
المتأمل لما كتبه علماء اللغة، في تعريف الإيمان، يلحظ أن بعضهم يقصر معنى الإيمان على التصديق، والبعض الآخر يُفصِّل، فيجعل الإيمان مشتملاً على معنى أعم من التصديق، وفيما يلي تفصيل ذلك:
(1) زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه، أ. د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر (ص 6 - 7).
(2)
المراد بالأسماء: أسماء الدين، مثل: مؤمن، ومسلم، وكافر، وفاسق.
والمراد بالأحكام: أحكام هؤلاء في الدنيا والآخرة، أي: أحكام أصحاب هذه الأسماء.
ينظر: مجموع الفتاوى (13/ 38).
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى (7/ 479)، وشرح الأصفهانية (ص 137)، وجامع العلوم والحكم (1/ 114).
(4)
قد كان أكبر مسائل الخلاف -حتى ظهر الخلاف في موضوع الصفات.
(5)
ونتج عن الجهل بحقيقة الإيمان ولوازمه ومقتضياته: زعزعة الأصول والثوابت في عقيدة المسلمين، وضياع التمايز والمفاضلة، والولاء والبراء، والوقوع فيما لا تحمد عقباه في الدنيا والآخرة. بل نجد في هذا العصر اللبراليين يسعون جاهدين في إحياء التراث الفلسفي والمعتزلي وتقريبه للناس في قالب جميل مزخرف؛ مما يؤدي عياذاً بالله إلى تقبل هذا التراث المنحرف في ظل الجهل الذي يخيم على كثير من الناس.
1 -
القائلون بأن الإيمان بمعنى التصديق:
الإيمان لغة: مصدر آمن يؤمن إيماناً فهو مؤمن، وأصل آمن: أأمن بهمزتين لينت الثانية، وهو من الأمن ضد الخوف (1).
والإيمان: التصديقُ. والله تعالى المُؤْمِنُ، لأنّه آمَنَ عبادَه من أن يظلمهم. والأَمْنُ: ضدُّ الخوف. والأَمَنَةُ بالتحريك: الأَمْنُ. ومنه قوله عز وجل: {أمَنَةً نُعاساً} والأَمَنَةُ أيضاً: الذي يثق بكلِّ أحد (2).
واستدلوا بقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)} يوسف: 17، قالوا: لَمْ يَخْتَلِفْ أَهل التَّفْسِيرِ أَنّ مَعْنَاهُ مَا أَنت بمُصدِّقٍ لَنَا (3).
2 -
القائلون بالتفصيل في المعنى اللغوي:
الإيمان بمعنى الإقرار لا مجرد التصديق؛ فإن الإيمان يتضمن أمرين: أحدهما: الإخبار. وثانيهما: الالتزام.
والتصديق إنما يتضمن الأول دون الثاني، بخلاف الإقرار فإنه يتضمنهما جميعاً (4).
ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " معلوم أن الإيمان هو الإقرار لا مجرد التصديق، والإقرار يتضمن قول القلب الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو الانقياد"(5)، وقال رحمه الله:" فإن اشتقاقه -أي الإيمان- من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد"(6).
(1) ينظر: تهذيب اللغة (1/ 209)، معجم مقاييس اللغة (ص 88)، الصحاح (5/ 2071)، لسان العرب (13/ 21)، القاموس المحيط (ص 1518).
(2)
الصحاح في اللغة (5/ 2071).
(3)
تهذيب اللغة (15/ 369)، لسان العرب (13/ 23)،
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى (7/ 530 - 531).
(5)
مجموع الفتاوى (7/ 638).
(6)
الصارم المسلول (ص 519).