الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن أشد الناس وضوحاً في رؤيتهم لحقائق وأحكام الدين هم الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام-، ثم الصحابة والسلف الصالح -رضوان الله عليهم- (1)، ثم من اقتفى أثرهم ممن سلك الصراط المستقيم، ولهذا فقد بذلوا لهذا الدين كل غالٍ ونفيس، والتاريخ شاهد بذلك.
ولقد تميزت الوسطية في أخذها بالأصول الاعتقادية، بميزات وخصائص جعلتها تنجو من الحيرة والتناقض والاضطراب الذي وقع فيه من زاغ عن الكتاب والسنة وابتغى الهدى في غيرهما.
-
فمن هذه الخصائص الدالة على وضوح الأصول الاعتقادية:
1 -
الاعتقاد الجازم بأن القرآن الكريم والسنة المطهرة وحي إلهي، وأنهما مصدرا التشريع (2)، فلا يقدم العقل عليهما، ولا تعطل نصوصهما الصحيحة؛ قال الله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} النساء: 65.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس، ولا بذوق ووجد ومكاشفة، ولا قال قط قد تعارض في هذا العقل والنقل، فضلاً عن أن يقول: فيجب تقديم العقل"(3).
2 -
الاعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى له الكمال المطلق في صفاته وأفعاله، وهو سبحانه منزه عن كل نقيصة؛ فلزم من هذا الأخذ بظاهر النصوص (4)،
(1) ينظر: درء التعارض (1/ 277)، مجموع الفتاوى (4/ 2 - 8، 13/ 60)، مختصر العلو للعلي الغفار للذهبي (ص 152)، شرح أصول السنة للالكائي (1/ 29 - 96)، الإبانة لابن بطة (1/ 223 - 269).
(2)
نجد من ينكر القرآن أو السنة، بزعمهم أن الدين ليس داخلاً في كل شؤون الحياة، وأن القرآن ليس صالحاً لكل زمان ومكان، والتشكيك في بعض الأحاديث الثابتة، والتشكيك في عصمة الأنبياء، والنيل والقدح في علماء الأمة.
ينظر: ضعف وضوح الرؤية لحقائق وأحكام الدين (ص 59).
(3)
مجموع الفتاوى (13/ 28 - 29).
(4)
يعتقد أهل السنة أن الله خاطبنا بما نفهم، وأراد منا اعتقاد ظاهر النصوص على الوجه اللائق، فنصوص الصفات مثلاً تجرى على ظاهرها بلا كيف، كما تظافرت عبارات السلف في ذلك.
ينظر: موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة عرضاً ونقداً، د. سليمان بن صالح الغصن (1/ 72).
فلو كان ظاهر النصوص (1) غير مراد لما خاطبنا بها ربنا تعالى، ولما أمرنا بتدبر كتابه، في قوله:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} ص: 29.
3 -
الأخذ بكل ما صح من أحاديث الآحاد في أبواب الاعتقاد، وعلى هذا إجماع السلف رحمهم الله (2).
4 -
الإيمان المطلق بما جاء عن الله ورسوله دون وقفه على معرفة معناه وإدراكه؛ لأن عقول البشر قاصرة عن إدراك جميع المعاني والإحاطة بها؛ ولأن الخبر إذا جاء عن الله ورسوله لم نحتج في إيماننا أن نحيط بمعناه، بل نصدقه ونؤمن به أولاً، ثم نبحث عن معناه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " إن ما أخبر به الرسول عن ربه فإنه يجب الإيمان به، سواء عرفنا معناه أو لم نعرف؛ لأنه الصادق المصدوق، فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به، وإن لم يفهم معناه"(3).
5 -
الاعتقاد بأن أصول التوحيد والإيمان شاملة لكل مناحي الحياة، وكلٌ لا يتجزأ (4)، فلا ينبغي أخذ بعضه واطراح بعضه؛ فلزم العمل بكل نصوصه المقدسة بلا إفراط ولا تفريط (5)؛ قال المولى عز وجل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا
(1) لا يوجد باطن يخالف الظاهر، فالباطن الحق عند السلف موافق للظاهر الحق، وكل معنى باطن يخالف ظاهر الكتاب والسنة فهو خيال وجهل وضلال.
ينظر: درء التعارض (5/ 86).
(2)
ينظر: الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص 72)، ولوامع الأنوار البهية (1/ 19)، مجموع الفتاوى (20/ 259 - 263).
(3)
التدمرية: تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع، لابن تيمية (ص 65).
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى (17/ 443).
(5)
الوسطية هي الحق كله، فليس تقسيم الحق وتبعيضه من الوسطية في شيء، قال تعالى:{وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} النساء: 150 - 151.
ينظر: أسطر من النقل والعقل والفكر (ص 243).