الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهلها، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، فالأنبياء أعم، والنبوة نفسها جزء من الرسالة، فالرسالة تتناول النبوة وغيرها بخلاف النبوة فإنها لا تتناول الرسالة (1).
كما أنه لا يصح قول من ذهب إلى أنه لا فرق بين الرسول والنبي، ويدل على بطلان هذا القول ما ورد في عدد الأنبياء والرسل، فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، وعدد الرسل ثلاثمائة وبضعة عشر رسولاً (2)، ويدل أيضا ما ورد في كتاب الله من عطف النبي على الرسول:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} الحج: 52 (3).
وعليه فالنبي والرسول بينهما عموم وخصوص مطلق، وكذا النبوة والرسالة، فالرسالة أعم من جهة نفسها؛ إذ النبوة داخلة في الرسالة، كما أنها أخص من جهة أهلها؛ إذ كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً، والرسالة أفضل من النبوة، والرسول أفضل من النبي (4).
ثانياً: الإيمان بالرسل وما يتضمنه:
وعليه فالإيمان بالرسل: هو الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ ما سواه؛ فقد اتفقت دعوتهم من أولهم إلى آخرهم في أصل الدين -وهو توحيد الله عز وجل بإلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته-، ونفي ما يضاد ذلك أو ينافي كماله، قال عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
(1) ينظر: الإيمان لابن تيمية (ص 6 - 7)، وأعلام الحديث للخطابي (1/ 298)، والمنهاج للحليمي (1/ 239)، والدرة فيما يجب اعتقاده لابن حزم (ص 380)، والفصل له (5/ 119 - 120)، والنبوات لابن تيمية (2/ 714)، شرح الطحاوية (1/ 155)، ولوامع الأنوار البهية (1/ 49)، أضواء البيان (5/ 735).
(2)
رواه أحمد في مسنده برقم (21546، 21552)، أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم (361)، وابن عدي في الكامل (7/ 244)، والطبري في تاريخه (1/ 76)، وهذا الحديث معلول كما ذكر العلماء، قال الذهبي: متروك، وقال ابن باز: ضعيف.
ينظر: الميزان (1/ 72 - 73)، الجرح والتعديل لأبي حاتم الرازي (2/ 142)، واللسان (1/ 122 - 123)، فتاوى نور على الدرب (1/ 79).
(3)
ينظر: شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار (ص 567)، أعلام النبوة للماوردي (ص 70)، غاية المرام في علم الكلام للآمدي (ص 317)، المواقف في علم الكلام لعبدالرحمن الإيجي (ص 337). وشرح العقيدة الطحاوية (ص 167)، ولوامع الأنوار البهية (1/ 49)، والرسل والرسالات للأشقر (ص 12).
(4)
ينظر: الإيمان لابن تيمية (ص 6 - 7)، شرح الطحاوية (1/ 155)، لوامع الأنوار البهية (1/ 49 - 50).
الطَّاغُوتَ} النحل: 36، فنؤمن بمن سمى الله في كتابه منهم، وقص علينا من أنبائهم ونبَّأنا من أخبارهم ما فيه كفاية وعبرة وموعظة إجمالاً وتفصيلاً، ثم قال:{وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)} النساء: 164، وقال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} غافر: 78، فنؤمن بجميعهم تفصيلاً فيما فصل وإجمالاً فيما أجمل، ونؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وإيماننا به غير إيماننا بسائر الرسل (1).
لذلك كان مذهب السلف الصالح رضي الله عنهم في باب الإيمان بالرسل يقوم على أربعة قواعد هي:
الأول: الإيمان بأن رسالتهم حق من الله تعالى.
الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه، ومن لم نعلم اسمه منهم فنؤمن به إجمالاً فإن لله رسلاً وأنبياء لا يعلم عددهم وأسماءهم إلا هو سبحانه.
الثالث: تصديق ما صح عنهم من أخبارهم.
الرابع: العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم، وهو خاتمهم محمد عليهما السلام المرسل إلى جميع الناس (2).
كما أن الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام، يتضمن ما يلي (3):
1 -
يتضمن الإيمان بالرسل إثبات صفة الرحمة لله عز وجل بعباده؛ فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الناس عبثاً، ولم يتركهم سدى، بل بيَّن لهم سبحانه أنه ما خلق الخلق إلا لحكمة
(1) إيمانك بسائر الرسل: إقرارك بهم، وإيمانك بمحمد صلى الله عليه وسلم إقرارك به، وتصديقك إياه، واتباعك ما جاء به. ينظر: تعظيم قدر الصلاة (1/ 393). وينظر للإيمان بالرسل: منهاج السنة (2/ 416) وما بعدها، ومجموع الفتاوى (7/ 313)، وشرح الطحاوية (2/ 423) وما بعدها، ومعارج القبول (2/ 78) وما بعدها.
(2)
ينظر: تعظيم قدر الصلاة لمحمد المروزي (1/ 393)، المنهاج للحليمي (1/ 237 - 238)، شعب الإيمان للبيهقي (1/ 371)، جامع العلوم والحكم (1/ 102)، فتح الباري (1/ 118)، معارج القبول (2/ 677)، فتاوى ابن عثيمين (1/ 124 - 125)، مباحث العقيدة في سورة الزمر لناصر الشيخ (ص 471).
(3)
ينظر: منهج الحافظ ابن رجب الحنبلي (ص 614 - 618)، والتوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق وتذكرة أولي الألباب في طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص 79).
عظيمة، وغاية جليلة، وهي عبادته سبحانه دون ما سواه، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} الذاريات: 56.
2 -
الإيمان بأن الله عز وجل أرسل رسلاً لكل أمة من الأمم، مبلِّغين توحيده وشرائعه، منذرين عقابه ووعيده، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} النحل: 36 (1)، وهذه المهمة السامية هي المقصود من إرسال الأنبياء والرسل؛ لأن غاية بعثتهم: إخراج الناس من ظلمات الجهل والكفر والمعصية إلى نور العلم والإيمان والطاعة، قال عز وجل:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} إبراهيم: 5، كما أن هداية الرسل للبشر لم تكن بأهواء أنفسهم؛ بل بأمر الله ودينه واتباع مرضاته، قال سبحانه:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} الأنبياء: 73.
3 -
يتضمن الإيمان بالرسل الإيمان بأسماء الرسل الذين سماهم الله عز وجل: آدم وإدريس ويوسف وعيسى وإبراهيم واليسع ذو النون وإلياس ومحمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم من المرسلين الذين ذكروا في القرآن الكريم؛ لأن الله اصطفاهم لحمل رسالته وتبليغ وحيه و {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} الأنعام: 124، قال سبحانه:{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} الأحزاب: 39، وقال جل شأنه:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} الحج: 75.
4 -
يتضمن الإيمان بأن منهم من كلمهم الله عز وجل مباشرة كما حصل مع موسى، ومنهم من كان يرسل إليهم رسولاً ويأتيهم الوحي من السماء، ومنهم من أوحى الله عز وجل إليهم بالإلهام، والنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه بهذه الطرق جميعاً.
(1) لهذا فإن الرسل الذين ذكرهم الله عز وجل في القرآن، هم بعض من الرسل وليسوا كل الرسل، بل إن الله عز وجل أخبرنا أن هناك عدداً من الرسل لم يخبرنا الله عز وجل بخبرهم، فقال:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} غافر: 78.
5 -
ويتضمن كذلك الإيمان بجميع ما جاءوا به عليهم السلام من الكتب والتوحيد، والمعجزات التي جعلها الله لهم علامة على صدقهم فيما يدعونه ويقولونه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:((ما من الأنبياء نبي، إلا أعطي من الآيات، ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا، أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)) (1)، وما أخبروا به مما غاب عنا، وكذلك الملائكة والكتب والأنبياء والبعث والقدر وغير ذلك من تفاصيل ما أخبروا به من صفات اليوم الآخر كالصراط والميزان والجنة والنار.
6 -
أن من أنكر رسالة رسول أو نبوة نبي واحد فقد كفر كفراً مطلقاً مخرجاً من الملة، وكأنه كفر بالجميع، لأن تكذيب واحد منهم يعتبر تكذيباً للكل (2).
7 -
إن الإيمان بالرسل يتضمن محبة الله عز وجل؛ لأن محبته عز وجل لا تتم إلا بطاعته، ولا سبيل إلى طاعته إلا بمتابعة رُسِوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} آل عمران: 31، وباتباعهم ينال الإنسان سعادة الدنيا والآخرة -فمن أحبه الله أسعده-، وبمخالفتهم والعدول عن طريقهم، تتحقق الخسارة والخذلان والعياذ بالله (3).
8 -
يتضمن الإيمان بالرسل الإيمان بالمقصد الأعظم من بعثهم وهو: تحقيق التوحيد والدعوة إليه والجهاد فيه؛ لأن تحقيق عبودية الله لا تكون إلا عن طريق إرسال
(1) رواه البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بجوامع الكلم برقم (7274)، ومسلم كتاب الإيمان باب ما من الأنبياء إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، برقم (152).
(2)
كذلك بقية أركان الإيمان بالرسل، أو الإيمان باليوم الآخر، فمن أنكر شيئاً من ثوابت اليوم الآخر، حتى وإن كان جزئياً، فكأنه ما آمن باليوم الآخر، بل انتقض إيمانه بالدين كله
…
هذه القاعدة قاعدة في كل أصول الدين وثوابته وقطعياته، فهي قاعدة في أركان الإيمان وأركان الإسلام، وفي أصول الغيبيات الأخرى، وفي الأحكام القطعية، أعني: أن قاعدة التسليم لابد أن تكون مطردة، وأن من اختل تسليمه في مسألة من المسائل التي تطرد في قاعدة واحدة فقد هدم دينه، فمثلاً: أول أركان الإيمان: الإيمان بالله عز وجل، فمن أنكر اسماً من أسماء الله، أو صفة من صفاته لا على سبيل التأويل، فإنه بذلك يكون قد وقع في الكفر، وهكذا فيما يتعلق بالإيمان بالملائكة، والإيمان بالرسل. قال الإمام ابن بطة العكبري رحمه الله:" الإيمان والتصديق بجميع ما جاءت به الرسل من عند الله وبجميع ما قال الله عز وجل فهو حقٌ لازمٌ فلو أن رجلاً آمن بجميع ما جاءت به الرسل إلا شيئاً واحداً كان برد ذلك الشيء كافراً عند جميع العلماء"
ينظر: الشرح والإبانة (ص 211)، وشرح التدمرية - ناصر العقل (23/ 4، بترقيم الشاملة آليا).
(3)
ينظر: منهج ابن قدامة في تقرير عقيدة السلف، أ. د. علي الشهراني (ص 297).