الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبين ابن القيم رحمه الله: إن الناس قد تنوعت عباراتهم في معنى الصراط المستقيم، وأن حقيقته شيء واحد وهو طريق الله الذي نصبه لعباده موصلاً لهم إليه، ولا طريق إليه سواه، وهو إفراده بالعبودية وإفراد رسوله بالطاعة، فلا يشرك به أحد في عبوديته. ولا يشرك برسوله أحد في طاعته، فيجرد التوحيد، ويجرد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم (1).
يقول ابن تيمية رحمه الله: "ومن تدبر حال اليهود والنصارى مع المسلمين، وجد اليهود والنصارى متقابلين، هؤلاء في طرف الضلال، وهؤلاء في طرف يقابله، والمسلمون هم الوسط، وذلك في التوحيد والأنبياء والشرائع، والحلال والحرام والأخلاق وغير ذلك"(2).
الآية الثالثة: قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} الأنعام: 153
.
أفادت الآية أن طريق الحق واحدة (3)، وأن للباطل طرقاً متعددة، وتعددها لم ينحصر بعدد مخصوص. وهكذا الحديث المفسر للآية، وهو قول جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:"كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فخط خطاً وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده على الخط الأوسط، فقال: هذا سبيل الله، ثم تلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} الأنعام: 153"(4)؛ لذا فالوسطية صراط خطه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر الناس بالسير عليه لا بالبحث عنه، وكذلك فتفسيره صلى الله عليه وسلم يدل على شمول الآية لجميع طرق البدع، فلا تختص ببدعة دون أخرى (5)؛ فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه.
(1) ينظر: بدائع الفوائد (2/ 40).
(2)
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (3/ 100).
(3)
الطريق المستقيم هو أقصر الطرق إلى الله عز وجل؛ كما أن الخط المستقيم هو أقصر خط بين نقطتين، فالمستقيم لا يتعدد، كما يتعدد الخط المنحني والمنكسر والمتعرج.
(4)
أخرجه ابن ماجة في المقدمة باب اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (11)، صححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (11).
(5)
ينظر: الاعتصام للشاطبي (1/ 84).
والسبل الجائرة عن الحق، العادلة عنه، هي طرق أهل البدع والضلالات، الحائدين عن الصراط المستقيم (1)؛ وكفى بالجائر أن يحذر منه، بدليل سياق الآية الدلالة على التحذير والنهي (2).
وقد أوضحت هذه الآية الأمر بالتوسط في باب الأمر والاتباع؛ فأتت بالنهي عن الغلو والجفاء والإفراط والتفريط، والأمر باتباع الطريق المستقيم.
ومذهب أهل السنة والجماعة وسط في كل مسائل الدين؛ فهم كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وسط في النحل، كما أن ملة الإسلام وسط في الملل"(3).
وبمزيد من التدبر والتأمل في آيات الوسطية نجد أنها عندما سَلطتْ الضوء على معنى الوسطية، لم تقف عند هذا القدر، فليس هذا هو كل ما ترمي إليه الآيات الكريمات، بل إنها كما أرادت أن تعطينا هذا الحكم فهي تريد في الوقت نفسه أن تلفتنا إلى وجه حجتها وطرق برهنتها على معانيها، وهذا ما سنجده في المطلب التالي، بإذن الله تعالى.
(1) وليس المراد سبل المعاصي; لأن المعاصي من حيث هي معاص لم يضعها أحد طريقاً تسلك دائماً على مضاهاة التشريع، وإنما هذا الوصف خاص بالبدع المحدثات؛ لأن متعلق البدعة هو الاستدراك على الشريعة ونسبة النقص لها واتهام النبي صلى الله عليه وسلم بعدم إكمالها.
ينظر: شرح العقيدة الطحاوية (2/ 799).
(2)
ينظر: الاعتصام للشاطبي (1/ 84)، وشرح العقيدة الطحاوية (2/ 799).
(3)
الوصية الكبرى (ص 12).