الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
ثالثاً: المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان
.
المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان هو اعتقادهم: أنه لا يجتمع في العبد إيمان وكفر، ومنشأ الغلط هذا انبنى عليه عند الوعيدية: جعل الإيمان من المخالفين حقيقة مركبة من اعتقاد وقول وعمل، يلزم بزوال البعض زوال جميع هذه الحقيقة؛ إذ لو فرُض وقوع النقص في هذه الحقيقة مع بقائها، وعدم زوالها لانبنى على ذلك أن يجتمع في الشخص إيمان وكفر، وتوحيد وشرك، وهذا خلاف الضرورة العقلية بزعمهم (1)، لذلك خرجوا على الحكام بالسيف، خشية أن ينقص إيمانهم بتركهم النهي عن المنكر، بعد أن رأوا أن الحاكم أخل بإيمانه، على الأصل الذي اعتمدوه.
أما المرجئة فقد أراحت نفسها بأن أخرجت العمل من مسمى الإيمان، حتى لا يجتمع في العبد إيمان وكفر، لذلك لم تعتبر الأعمال الظاهرة من الإيمان، ومن هنا فرطت في عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
-
رابعا: أثر اجتماع الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد
.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمراتبه وأحواله وأحكامه اختلف فيه الناس، فالمرجئة أهل طريقة التفريط: أدخالوا الأعمال الظاهرة في الإيمان فعطّلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والخوارج أهل طريقة الغلو: رأوا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معناه الخروج على الحكام وسفك الدماء.
وكلا الفرقتين انحرفتا عن الحق، والصواب المحض مع أهل السنة، فهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة لا على ما توجبه أهواؤهم وعقولهم (2)؛ لأن من قواعد أهل السنة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون واجباً إذا غلب على الظن الانتفاع، كما قال الله:{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)} الأعلى: 9.
من أجل هذا كانت هذه الآية الكريمة دالة على منهج أهل السنة والجماعة، رادةً على أهل البدع المتقابلة.
(1) ينظر: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد (ص 129).
(2)
ينظر: العقيد الواسطية (ص 129)، ومجموع الفتاوى (3/ 158).