الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبين الجحفة (1) مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً، قيل: سمي الموضعُ بذلك؛ لوبائه، وكان حَقُّه أوباء، لكنه على القلب، وقيل: لأن السيول تَتَبَوَّؤُهُ (2)؛ أي: تحلُّه، وهناك توفيت آمنةُ أمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(بودَّان): -بفتح الواو وتشديد الدال المهملة-: موضع بقرب الجحفة.
(إنا لم نردّه عليك إلا أَنَّا حرم): "إنَّ" الأولى مكسورة؛ لوقوعها في ابتداء الكلام، والثانية مفتوحة؛ لدخول لام التعليل عليها تقديراً؛ إذ الأصلُ: إلا لأَنَّا، وحُرُم: -بضم الحاء (3) المهملة والراء -؛ أي: محرمون، والمشهورُ عندَ المحدِّثين: فتحُ الدال، من "نردَّه"، ومحققو النحاة على خلافه، وذلك أن المختار عندهم الضمُّ، وإن كان الفتح و (4) الكسر جائزين في مثله من المضاعف المجزوم أو (5) الموقوف؛ إيثاراً للاتباع.
* * *
باب: ما يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوابِّ
1045 -
(1829) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ
(1) في "ع": "وبين المدينة لجحفة".
(2)
في "ع": "يعبؤه".
(3)
في "ج": "وحرم بالحاء".
(4)
في "ع": "أو".
(5)
في "ج": " و".
فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ".
(خمسٌ من الدواب كلُّهن فاسق يُقْتَلْنَ (1) في الحرم): قال الزركشي: "فاسق" صفة لكل، ولفظ الكل (2) مذكر، و"يُقتلن" فيه ضمير راجع إلى معنى كُل، وهو جمعٌ، وهو تأكيد خمس (3).
قلت: الصوابُ أن يقال: "خمسٌ" مبتدأ، وسَوَّغ الابتداءَ به مع كونه نكرة وصفُه، و"منَ الدواب (4) "[في محل رفع على أنه صفةٌ بخمس، وقوله: "كلُّهن فاسقٌ" جملة اسمية](5) في محل رفع -أيضاً- على أنه صفةٌ أخرى لخمس، وقوله:"يُقتلن" جملةٌ فعلية في محل رفع على أنها خبر المبتدأ الذي هو خمسٌ، وأما جعلُ "كلُّهن" تأكيداً لخمس، فمما يأباه البصريون، وجعلُ "فاسقٌ" صفة لكل، خطأ ظاهر، والضمير من "يُقتلن" عائد على خمس، لا على كل؛ إذ هو خبرُه، ولو جعل خبر كل، امتنع الإتيان بضمير الجمع؛ لأنه لا يعود عليها (6) الضمير من خبرها إلا مفرداً مذكراً على لفظها (7)، على ما صرح به ابن هشام في "المغني"(8).
(1)"يقتلن" في رواية أبي ذر الهروي وأبي الوقت، و"يقتلهن": في اليونينية.
(2)
"ولفظ الكل" ليست في "ع" و"ج".
(3)
انظر: "التنقيح"(1/ 424).
(4)
في "ج": "وفي الدواب والدواب".
(5)
ما بين معكوفتين ليست في "ع " و"ج".
(6)
في "ج ": "عليه".
(7)
في "ج": "لفظه".
(8)
انظر: "مغني اللبيب"(ص: 263).
وعلى الجملة: فلست على وثوق من نسخة الزركشي، فلعله من أغلاط النساخ.
(الحِدَأة): -بكسر الحاء مهموز (1) -: واحد (2)، والحِدَاءِ: بالهمزة مع القصر، و (3) كذا في بعض الروايات هو؛ أعني: بصيغة الجمع.
* * *
1046 -
(1830) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عبد الله رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ بِمِنًى، إِذْ نزَلَ عَلَيْهِ:{وَالْمُرْسَلَاتِ} [المرسلات: 1]، وَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا، وَإِنِّي لأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا، إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اقْتُلُوهَا"، فَابْتَدَرْنَاهَا، فَذَهَبَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا".
(وإني لأتلقاها من فيه): أي أَتَلَقَّفُها وآخذها.
(وإن فاه لَرَطْبٌ بها): الرَّطْبُ: عبارهٌ عن الغَضِّ (4) الطَّرِيِّ، كأَنَّ معناه: لم يجفَّ ريقُه بها.
(وُقِيَت شَرَّكم): -بالنصب- على أنه مفعول ثان، وكذلك:
(كما وقيتم شَرَّها): أي: لم يلحقْكم ضررُها، ولم يلحقْها ضررُكم،
(1) في "ع": "مهموزاً".
(2)
في "ع": "واحداً".
(3)
الواو ليست في "ج".
(4)
في "ع" و"ج": "الغصن".
وهو من مجاز المقابلة (1).
* * *
1047 -
(1831) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْوَزَغ: "فُوَيْسِقٌ". وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ.
(قال: للوزغ: فُوَيْسِق): تصغير فاسق.
قال الزركشي: وهو تصغيرُ تَحقير، ويقتضي (2) زيادةَ الذَّمِّ (3).
وقال الخطابي: أصلُ الفسقِ: الخروجُ عن الشيء، {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50]؛ أي: خرج (4).
قال ابن قتيبة: لا أرى الغرابَ سُمي (5) فاسقاً إلا بخروجه عن أمرِ نوحٍ حين أرسله، ووقوعِه على الجِيفَة (6).
وحكي عن الفراء: أنه قال: ما أحسبُ الفأرةَ سُميت فويسقةً إلا لخروجها من جُحْرِ على الناس.
ولم يُعجب (7) الخطابيَّ واحدٌ من القولين، قال: وإنما أراد بالفسق (8):
(1)"التنقيح"(1/ 425).
(2)
في "ع": "ومقتضي".
(3)
انظر: "التنقيح"(1/ 425).
(4)
انظر: "غريب الحديث"(1/ 603).
(5)
في "ع": "يسمى".
(6)
انظر: "غريب الحديث"(1/ 327).
(7)
في "ع": "تعجب".
(8)
في "ع": "الفاسق".
الخروجَ عن الحرمة، يقول: خمسٌ لا بُقْيا عليهن، ولا حرمةَ لهن على المحرم إذا أصابهن (1).
قال ابن المنير: إذا تعارض الأمرُ في إطلاق اسم الفسق باعتبار (2) أفعال الفاسق، أو باعتبار استباحته، فإطلاقُه (3) باعتبار أفعالهِ؛ لأنه أشبه بالحقيقة، فالأحسنُ أنه سماهن فواسقَ؛ لعدوانهن (4)، وتشبههن (5) بالفُسَّاق من المكلَّفين، ويكون فيه ذكرُ السبب الموجب لقتلهن؛ لأنا إذا استبحنا قتلَ فُسّاق المكلَّفين كالمقتولين بالحرابة ونحوِها من وجوه الفساد في الأرض، فلأن نستبيحَ ذلك من الحشرات والحيوانات أولى.
قال أبو عبد الله: إنما أردنا بهذا: أَنَّ مِنَى من الحرم، وأنهم لم يروا بقتل الحية بأساً، ليس في حديث الأمر بقتل الحية (6) ما يدلُّ على أنه أمرهم بقتلها وهم محرمون؛ لأنه قال: بينا نحن بمنى، فلعل ذلك كان بعد طواف الإفاضة وإحلال المحرمين، إلا أن يكون البخاري يأنس من التواريخ بشيء لم يصح على شرطه، يقتضي أن ذلك كان وهم (7) بمنى يومَ التروية، أو يومَ النحر قبل الطواف.
(1) انظر: "غريب الحديث"(1/ 603 - 604). وانظر: "التوضيح" لابن الملقن (12/ 374).
(2)
في "ع": "باعتبار اسم".
(3)
في "ع": "فإطلاقه عليها".
(4)
في "ع" و"ج": "لعدواتهن".
(5)
في "ع": "ويشبهن".
(6)
في "ع" و"ج": "حديث القتل بأمر الحية".
(7)
في "ع": "كان أمرهم".