الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى أن فعلَ القول قد يعمل في المفرد الذي يراد به مجردُ اللفظ، وهاهنا ليسَ المرادُ هذا، وإنما المراد: اجعلْها عمرةً؛ كما (1) اعترف به، فالحكاية متسلطة على مجموع الجملة كما قررناه.
* * *
907 -
(1535) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسىَ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبدِ اللَّهِ، عَنْ أَبيهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّه رُئيَ وَهُوَ فِي مُعَرَّسٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي، قِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَاركَةٍ. وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سالِمٌ، يَتَوَخَّى بِالْمُنَاخ الَّذِي كَانَ عَبْد اللهِ يُنِيخُ، يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ أَسْفَلُ مِنَ الْمَسْجدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي، بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ، وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ.
(يتوخَّى): أي: يقصِد.
(المُناخ): - بضم الميم -: الموضع الذي يُنيخ فيه ناقتَه.
(وسَط من ذلك): - بفتح السين -؛ أي: متوسِّط بين بطن الوادي وبين الطريق (2).
* * *
باب: غَسْلِ الْخَلُوقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنَ الثِّيَابِ
(الخَلوق): - بفتح الخاء المعجمة - طيبٌ يُخلط بالزعفران، قاله القاضي (3).
(1) في "ن": "لما".
(2)
انظر: "التنقيح"(1/ 374).
(3)
انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 238).
908 -
(1536) - قَال أَبُو عَاصِمِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ: أَنَّ يَعْلَى قَالَ لِعُمَرَ رضي الله عنه: أَرِني النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ. قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْجعْرَانَةِ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَهْوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً، فَجَاءَهُ الْوَحْيُ، فَأَشَارَ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى يَعْلَى، فَجَاءَ يَعْلَى، وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم محْمَرُّ الْوَجْهِ، وَهُوَ يَغِطُّ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ:"أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنِ الْعُمْرَةِ؟ " فَأُتِيَ بِرَجُلٍ، فَقَالَ:"اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَانْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كمَا تَصْنعُ فِي حَجَّتِكَ". قُلْتُ لِعَطَاءِ: أَرَادَ الإنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ ثَلَاثَ مَرَاتٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.
(بالجِعْرانة): بكسر الجيم وإسكان العين وتخفيف الراء، هكذا ضبطه جماعة من اللغويين ومحققي المحدثين، ومنهم من يكسر العين ويشدد الراء، وعليه أكثر المحدثين.
قال صاحب "المطالع": أصحاب (1) الحديث يشددونها، وأهل الأدب يغلطونهم (2)، ويخففونها، وكلاهما صواب (3).
(وهو متضمِّخٌ بطيب): أي: متلطِّخ به.
(قد أُظِلَّ به): - بهمزة مضمومة وظاء معجمة مكسورة على البناء
(1) في "ج": "أكثر أصحاب".
(2)
في "ن" و"ج": "يخطئوهم".
(3)
انظر: "التنقيح"(1/ 375).
للمفعول -، والنائب عن الفاعل ضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: جُعل الثوبُ له كالظُّلَّة يستظلُّ به.
(وهو يغِطُّ): - بغين معجمة مكسورة وطاء مهملة مشددة - من الغطيط؛ كغطيط النائم.
(ثم سُرِّي عنه): - بسين مهملة مضمومة وراء مشددة -؛ أي: كُشف عنه شيئًا بعد شيء.
وروي بتخفيف الراء؛ أي (1): كُشف عنه ما يتغشاه من ثقل الوحي؛ يقال: سَرَرْتُ الثوبَ، وسَرَيْتُهُ: نَزَعْتُهُ (2).
(فقال: اغسلِ الطيبَ الذي بك ثلاثَ مرات): الظاهر أن العامل في ثلاث مرات أقربُ الفعلين (3) إليه، وهو اغسلْ، وعليه: فيكون قوله: ثلاثَ مرات من جملة مقولِ النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نص في تكرار الغسل.
ويحتمل أن يكون العاملُ فيه "قال"؛ أي: قال له النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثَ مراتٍ: "اغسل الطِّيبَ"، فلا يكون فيه تنصيصٌ على أمره بثلاث غسلات؛ إذ ليس في قوله:"اغسل الطيب (4) " تصريح بالغسلات الثلاث؛ لاحتمال كونِ (5) المأمور به غسلةَ واحدة، لكنه آكدُ في شأنها.
وعلى الأولى فهمَه ابن المنير؛ فإنه قال: في الحديث ما يدل على أن
(1)"أي" ليست في "ع".
(2)
انظر: "التنقيح"(1/ 375).
(3)
في "ن": "المفعولين".
(4)
"اغسل الطيب" مكررة في "ن".
(5)
في "ج": "أن كون".
المعتبر في هذا الباب ذهابُ الجِزمِ الظاهر، لا الأثرِ بالكلية؛ لأن الصِّباغ لا يزول لونهُ ولا رائحتهُ بالكلية بغسله (1) ثلاث (2) مرات، فعلى هذا مَنْ غسل الدمَ من ثوبه لم يضرَّه بقاءُ طبعه.
قلت: لو كان في الحديث ما يدل على أن الخَلُوق كان (3) في الثوب، أمكنَ ما قاله، ولكن ظاهره: أن الخلوقَ في بدنه (4)، [لا في ثيابه؛ لقوله: وهو متضمِّخٌ بطيب، وإن كان الخلوقُ فى البدن] (5)، أمكن أن تزول رائحته ولونه (6) بالكلية بغسله ثلاث مرات؛ لأن عُلوق الطيبِ بالبدن أخفُّ من عُلوقه بالثوب، وانطباعَه في البدن أقلُّ من انطباعه (7) في الثوب (8)، هذا مما (9) لا ينكر، وهو مدرَك بالمشاهدة.
(واصنع في عُمرتك كما تصنع في حَجِّك): ويروى: "في (10) حَجتك" بالتاء، وقد جاء هذا اللفظ هكذا في أكثر الروايات غيرَ مبين.
قال الزركشي: وقد تخبط فيه كثيرون، والذي يوضحه رواية أنه (11) صلى الله عليه وسلم
(1)"بغسله" ليست في "ن" و "ج".
(2)
في "ن"و "ج": "بثلاث".
(3)
"كان" ليست في "ع".
(4)
في "ن": "البدن".
(5)
ما بين معكوفتين سقط من "ن".
(6)
في "ن": "لونه ورائحته"، وفي "ج":"ولو أنه".
(7)
في "ج": "في البدن وانطباعه".
(8)
في "ن": "أقل من انطباعه بالثوب، وانطباعه في البدن أقل من انطباعه بالثوب".
(9)
في "ن": "ما".
(10)
"في" ليست في "ج".
(11)
في "ج": "أنه النبي".
قال (1) له: "ما كُنْتَ صَانِعًا في حَجِّكَ؟ "، فقال (2): أنزعُ عني هذهِ الثيابَ، وأغسلُ عني هَذا (3) الخلوقَ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ما كُنْتَ صَانِعًا في حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ"(4).
وهذا سياق حسنٌ حاصله: أن الرجل كان يعرفُ أن المحرِمَ بالحج يجتنبُ الطيبَ والمخيط (5)، وظن أن حكم المعتمر يخالفه، ففعل، ثم ارتاب، فسأل (6)، فأجيب بذلك (7).
(قلت لعطاء: أرادَ الإنقاءَ حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم): هذا مما يؤيد الاحتمالَ الأول، وهو أن ثلاثَ (8) مراتٍ معمولٌ لـ: اغسل، وأنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما تبويبُ البخاري عليه بقوله: "باب: غسل الخلوق ثلاثَ مراتٍ من الثياب"، فقال الإسماعيلي: ليس في الخبر أن الخلوق كان على الثوب، وإنما الرجلُ متضمِّخ (9) بطيب، وقوله صلى الله عليه وسلم: "اغسلِ الطيبَ الذي بكَ ثلاثَ
(1) في "ج": "قالت".
(2)
في "ن": "قال".
(3)
في "ج": "هذه".
(4)
رواه مسلم (1180).
(5)
"والمخيط" ليست في "ع".
(6)
في "ع": "فسأله".
(7)
انظر: (التنقيح" (1/ 376).
(8)
في "ج": "أن تكون ثلاث".
(9)
في "ج": "كان من الثوب أنه متضمخ".