الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَاّ وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي. وَأَهْدَى هَدْياً اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَنْحَرْ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، فَنَحَرَ وَحَلَقَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
"بقُدَيْد": - بقاف مضمومة ودالين مهملتين بينهما ياء تصغير -: موضع قربَ الجُحْفة.
* * *
باب: وجوبِ الصَّفا والمروةِ
965 -
(1643) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {(157) إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، فَوَاللَّهِ! مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاح أَنْ لَا يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا بْنَ أَخْتِي، إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ، كَانَتْ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَطَوَّفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كَانوُا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ، يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسلَمُوا، سَألوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا كنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] الآيَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَقَدْ سَنَّ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ إِلَاّ مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ بِمَنَاةَ، كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْقُرْآنِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كنَّا نطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، فَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا، فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] الآيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا: فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ، ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الإسْلَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ.
(فوالله! ما على أحد جُناحٌ أن يطوف بالصفا والمروة): هذا من كلام عروة رضي الله عنه، وذلك أنه رأى دلالة الآية على إباحة السعي، لا وجوبه.
ووجهُ الاحتجاج: أنه اقتصر في الآية على رفع الإثم والسعي، فلو كان واجباً، لما اكتفى بذلك، بل كان بذكر أخص منه، وهو إثبات الآخر (1)، فإذا كان للحقيقة اعتباران: أحدهما: عام يشملها وغيرها.
والآخر: خاصٌّ بها، فالبلاغة أن يعبر عنها بما هو خاصُّ بها، كذا قال ابن المنير (2).
(1) لعلها: "الأجر".
(2)
في "ج" زيادة: "وفيه نظر".
(لو (1) كانت كما أولتها عليه، كانت: لا جناح عليه أن لا يطوف): هذا من بديع فقه عائشة رضي الله عنها، وذلك أن النص على الوجوب أن يقال (2): فلا جناح عليه أن لا يطوف؛ لأن هذا يتضمن سقوط الإثم عمن ترك الطواف بهما، وحيث لم يقل ذلك، ووردت الآية على ما هي عليه، لم يكن نصاً على انتفاء الوجوب، ثم بينت له رضي الله عنها أن الاقتصار هنا على نفي الإثم له سبب خاص، وهو أنهم توقعوا الإثم، فجاء الكلام منطبقاً على سؤالهم، فقيل فيه: لا إثم فيه؛ خلافاً (3) لما توقعتموه، ثم لم ترد عائشة الاكتفاء في إيجاب الإثبات بما ذكرته، وإنما أرادت (4) نفي دلالة الآية على كونه مباحاً (5).
(لمناةَ الطاغيةِ): مناة عَلَمٌ على (6) صنم كان نصبه عَمْرُو بنْ لُحَي (7) بالمُشَلَّلِ مما يلي قُديداً فتُجَرُّ بالفتحة؛ لأنه لا ينصرف، والطاغيةِ صفةٌ له.
قال الزركشي: ولو روي بكسر الهاء والإضافةِ، لجاز، ويكون الطاغية صفة للفرقة الكفار (8).
(1) في "ج": "ولو".
(2)
في "ج": "أن يقال أن".
(3)
في "ج": "لا خلافاً".
(4)
في "ع": "أردت".
(5)
انظر: "التوضيح"(11/ 483).
(6)
في "ج": "على علم".
(7)
في الأصول الخطية: "يحيى"، والصواب ما أثبت.
(8)
انظر: "التنقيح"(1/ 399).