الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
930 -
(1579) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الْفَتْح مِنْ كَدَاءٍ أَعْلَى مَكَّةَ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ عَلَى كِلْتَيْهِمَا مِنْ كَدَاءٍ وَكُدَيٍّ، وَأَكثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ، وَكَانَتْ أَقْرَبَهُمَا إِلَى مَنْزِلِهِ.
(وأكثر ما يدخل من كداء): بضم الكاف والقصر للأصيلي، وبفتحها والمد لغيره (1).
* * *
931 -
(1581) - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْح مِنْ كَدَاءٍ. وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا، وَأَكثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ أَقْرَبِهِمَا إِلَى مَنْزِلِهِ.
(وكان عروة يدخل منهما كلاهما (2)): على لغة من أعربه بالحركات المقدرة على الألف في جميع الحالات.
* * *
باب: فَضلِ مَكةَ وبنيانِها
932 -
(1582) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ
(1) انظر: "التنقيح"(1/ 389).
(2)
نص البخاري: "كليهما".
عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: لَمَّا بُنيَتِ الْكَعْبَةُ، ذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الْحِجَارةَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ. فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ:"أَرِنِي إِزَارِي"، فَشَدَّهُ عَلَيْهِ.
(يخر (1) إلى الأرض، فطمَحَتْ عيناه إلى السماء): قال ابن المنير: فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متعبدًا قبل البعثة (2) بالفروع التي بقيت محفوظة؛ كستر العورة؛ لأن سقوطه إلى الأرض عند سقوط الإزار قبل (3) شده خشيةً من عدم الستر في تلك اللحظة.
قلت: ورد ما يدفعه، فقد روى سِماكٌ في هذه القصة حديثًا فيه:"نُهِيتُ (4) أَنْ أَمْشِيَ عُريانًا"(5).
وفي حديث آخر (6) رواه الطبري (7) في "التهذيب": "إِنّي لَمَعَ غِلْمَانٍ (8)
(1) نص البخاري: "فخرَّ".
(2)
"البعثة" ليست في "ن".
(3)
"قبل" ليست في "ع".
(4)
"نهيت" ليست في "ج".
(5)
رواه البزار في "مسنده"(1295)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1/ 271) عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 290): وفيه قيس بن الربيع، وثقه شعبة والثوري والطيالسي، وضعفه جماعة.
(6)
"آخر" ليست في "ن".
(7)
في جميع النسخ: "الطبراني، والصواب ما أثبت، كما في "الفتح" لابن حجر (3/ 516).
(8)
في "ن": "إنه لمع غلمان"، وفي "ع":"إني لمع غلام".
هُمْ أَسْنَانِي قَدْ جَعَلْنا (1) أُزْرَنَا عَلَى أَعْنَاقِنَا لِحِجَارَةٍ نَنْقُلُهَا، إِذْ لَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ (2): اشْدُدْ عَلَيْكَ إِزَارَكَ" (3).
وعند السهيلي (4) في (5) خبر آخر: "لَمَّا سَقَطَ (6)، ضَمَّهُ العَبَّاسُ إِلى نفسِه، وسألَه عن شأنه، فأخبره أَنَّه نُودِيَ من السماء: أَنِ (7) اشْدُدْ عليكَ إزازكَ يا مُحَمَّدُ"، قال: وإنَّه (8) لأولُ ما نودي (9).
ذكر ذلك مغلطاي في "شرح البخارى"، وفيه دلالة واضحة على أن استتاره لم يكن مستندًا إلى شرع متقدم، فتأمله.
* * *
933 -
(1583) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ ابْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهم زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: "ألمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْراهِيم؟ ".
(1) في "ع": "جمعنا".
(2)
في "ن": "شديدة وقال".
(3)
رواه ابن إسحاق، كما ساقه البيهقي من طريقه في "دلائل النبوة"(2/ 30).
(4)
في "ج": "ثم قال: وعند السهيلي".
(5)
في جميع النسخ: "وفي"، ولعل الصواب حذف الواو كما أثبت.
(6)
في "ن" زيادة: "إلى الأرض".
(7)
"أن" ليست في "ج".
(8)
في "ع": "ولأنه".
(9)
انظر: "الروض الأنف"(1/ 318).
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: "لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ، لَفَعَلْتُ". فَقَالَ عَبْدُ اللهِ رضي الله عنه: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَا أُرَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ، إِلَاّ أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ.
(لولا حِدْثانُ قومِك بالكفر، لفعلت): فيه دليل على ارتكاب أيسرِ الضررين دفعًا لأكبرهما؛ لأن قصورَ البيت أيسرُ من افتتان طائفة من المسلمين، ورجوعِهم عن دينهم.
(ترك (1) استسلامَ الركنينِ اللذينِ يليان الحجر، إلا أن البيت لم يتمَّ على قواعد إبراهيم): فيكون حينئذٍ الركنان اللذان يليان الحجر ليسا بركنين، وإنما هما (2) بعض الجدار الذي بنته قريش، فلذلك لم يستلمهما (3) النبي صلى الله عليه وسلم.
* * *
934 -
(1584) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: "نعمْ". قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: "إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ". قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: "فَعَلَ ذَلِكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاؤُوا، وَيَمْنَعُوا مَنْ
(1) في "ع": "وترك".
(2)
في "ع": "وإنما هو".
(3)
في "ع": "يستلمها".
شَاؤُوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ، وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ".
(عن الجَدْر): بجيم مفتوحة ودال ساكنة، وروي:"الجدار"، والمراد: جدار الحِجْر؛ لما فيه من أصول حائط البيت (1).
(قصَّرت بهم النفقة): - بتشديد الصاد (2) -؛ أي: لم يتسعوا لإتمام البيت لقصور النفقة، وقِلَّةِ ذاتِ يدهم.
(فإن (3) فعل ذلكِ قومكِ): بكسر الكاف فيهما (4)؛ لأنه خطاب لعائشة رضي الله عنها.
(ليدخلوا من شاؤوا، ويمنعوا من شاؤوا): يريد بني عبد الدار حَجَبَةَ البيت الذين يلون أمرَه وسدانته (5).
* * *
935 -
(1585) - حَدَّثنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثنا أَبُو أُسُامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلَا حَدَاثَةُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ، لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ، ثُمَّ لَبَنَيْتُهُ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا اسْتَقْصَرَتْ بِنَاءَهُ، وَجَعَلْتُ لَهُ خَلْفًا". قَالَ أَبو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ: خَلْفًا يَعْنِي: بَابًا.
(1) انظر: "التنقيح"(1/ 390).
(2)
"بتشديد الصاد" ليست في "ن".
(3)
نص البخاري: "قال".
(4)
في "ع": "فيها".
(5)
في "ن": "وسدنته".
(وجعلَتْ له خلفًا): قال الزركشي: بفتح اللام وسكون التاء، يعني: إن جُعِل مسندًا (1) إلى ضمير المؤنث (2)، فالتاء ساكنة؛ لأنها تاء التأنيث اللاحقة للفعل.
ويروى بإسناده إلى ضمير المتكلم، فاللام ساكنة، والتاء مضمومة، وخَلْفًا - بخاء معجمة مفتوحة ولام ساكنة -؛ أي: بابًا من خلفه يقابلُ هذا البابَ الذي هو (3) مقدم (4).
قلت: تفسير خلفًا بذلك وقع في متن البخاري، وعليه فيتعين كونُ جَعَلْتُ مسندًا إلى ضمير المتكلم، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، لا إلى ضمير يعود إلى قريش كما قاله الزركشي أولًا، فتأمله.
* * *
936 -
(1586) - حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: "يَا عَائِشَةُ! لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، لأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَألزَقْتُهُ بِالأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ". فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما عَلَى هَدْمِهِ.
قَالَ يَزِيدُ:
(1) في "ج": "يعني: إن جعلت البيت مسندًا".
(2)
في "ع": "مؤنث".
(3)
"هو" ليست في "ج".
(4)
انظر: "التنقيح"(1/ 390).
وَشَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ حِجَارَةً كَأَسْنِمَةِ الإبِلِ. قَالَ جَرِيرٌ: فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ مَوْضِعُهُ؟ قَالَ: أُرِيكَهُ الآنَ. فَدَخَلْتُ مَعَهُ الْحِجْرَ، فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ، فَقَالَ: هَاهُنَا. قَالَ جَرِيرٌ: فَحَزَرْتُ مِنَ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا.
(يزيد بن رومان): يزيدُ: من الزيادة، ورُومان بضم الراء وفتح النون (1)، لا ينصرف.
(لولا أن قومك حديثُ عهدٍ): قال الزركشي: كذا (2) روي بالإضافة مع حذف الواو.
قال (3) المطرزي: وهو لحن، والصواب:"حديثو (4) عهد" [بواو الجمع مع الإضافة (5).
قلت: لا لحن ولا خطأ، والروايةُ صواب، ويوجَّه] (6) بنحو ما قالوه في قوله تعالى:{وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة: 41] حيث قالوا: إن التقدير: ولا تكونوا (7) أولَ فريقٍ كافر، أو فوجِ كافر، يعنون: أن مثل هذا
(1)"وفتح النون" ليست في "ع".
(2)
"كذا" ليست في "ع".
(3)
في "ن": "وقال".
(4)
في "ع": "حديث".
(5)
انظر: "التنقيح"(1/ 390).
(6)
ما بين معكوفتين سقط من "ن".
(7)
"ولا تكونوا" ليست في "ع".
من الألفاظ مفرد بحسب اللفظ، وجمعٌ بحسب المعنى، فيجوز لك (1) رعايةُ لفظه تارة، ومعناه أخرى، كيف شئت، فانقل ذلك إلى الحديث، تجده ظاهرًا لا خفاء بصوابه.
(وقد رأيت أساسَ إبراهيم (2)): قال ابن التين: لم يضبط أساس -بفتح الهمزة ولا بكسرها-، ويحتمل أن يكون بفتحها، ويكون واحدًا، وهو أصل البناء، كما قاله ابن فارس (3).
قلت: يعني: أن (4) أساسًا ورد بفتح الهمزة، والمرادُ به الواحد كما قاله، وجمعه: أُسُسٌ، مثل: قَذال وقُذُل، وقد ورد (5) بكسر الهمزة؛ جمعًا لإِسٍّ، مثل: عِسٍّ (6) وعِساسٍ، ولم نجد من جهة الرواية ضبط هذه الكلمة كيف هو.
(فحزرتُ): - بحاء مهملة فزاي فراء -؛ أي: قَدَّرْتُ.
(من الحِجْر): بكسر الحاء وسكون الجيم.
(ستة أذرع): - بالذال المعجمة -: جمعُ ذِراع.
(أو نحوها): والسبب في كونه حرزَ ذلك، ولم يقطعْ به: أن المنقول أنه لم يكن حول البيت حائطٌ يحجر الحجر من سائر المسجد حتى حجرَهُ
(1) في "ع": "ذلك".
(2)
"أساس إبراهيم" ليست في "ع".
(3)
انظر: "التوضيح"(11/ 306).
(4)
"أن" ليست في "ع".
(5)
في "ن" و "ج": "وورد".
(6)
في "ع": "عسس".
عمرُ (1) بالبنيان، ولم يبنه على الجَدْر (2) الذي كان علامة أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام، بل (3) زاد ووسَّعَ قطعًا للشك، وصار الجدْر في داخل التحجير، فلذلك حزر جريرٌ ولم يقطع، ثم الحِجْر هل هو من البيت قطعًا بالنسبة إلى [الطواف والصلاة جميعًا، أو بالنسبة إلى](4) الطواف فقط حتى لا يصح استقباله في الصلاة؟ فيه كلام للشافعية.
ثم هنا مسألة مهمة ينبغي التنبيهُ عليها وقعت في رحلة الإمام العلامة الخطيب أبي عبد الله (5) بن رُشَيد - بضم الراء وفتح الشين المعجمة -، وأنا أروي هذا الكتاب عن شيخنا قاضي القضاة ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون رحمه الله إجازةً عن المحدِّث العلامة عبد المهيمن بن محمد بن عبد [الرحمن بن محمد بن محمد](6)[بن عبد] المهيمن الحضرمي إجازةً عن ابن رُشيد (7) سماعًا، وأنا أورد كلامه في هذه المسألة برمته، وإن كان طويلًا؛ إيثارًا لحصول الفائدة.
قال رحمه الله: اعلم أنه نشأ في الطواف مسألةٌ اللهُ أعلمُ بوقت نشأة الكلام فيها، وهو ما أحاط بالبيت ملتصقًا به أسفل الجدار ما بين الركنين
(1) في "ن" زيادة: "رضي الله عنه".
(2)
في "ع": "الجدار".
(3)
في "ع": "بأن".
(4)
ما بين معكوفتين زيادة من "ن"، وفي "ج":"بالنسبة إلى الصلاة والطواف جميعًا، أو بالنسبة إلى الطواف فقط".
(5)
"أبي عبد الله" ليست في "ع".
(6)
ما بين معكوفتين سقط من "ن" و"ج".
(7)
في جميع النسخ عدا "ن" زيادة: "إجازة إن لم يكن".
اليمانيين، وهو الذي يسمى بالشاذروان، وكان بسيطًا، ثم زهق في هذا الوقت الأخير حتى صار كأنه مثلث احتياطًا فيما زعموا على الطائفين أن لا يفسدوا (1) طوافهم بكونهم إذا طافوا ماشين عليه حيث كان بسيطًا يكون طوافهم في جزء من البيت، وكان منتهاه إلى قريب من الركن، ولم يكن من هذه الزيادة الظاهرة تحت الحجر الأسود شيء (2)، ثم زيدت بمقدار (3) سائره في المدة الأخيرة.
وهذا الاسم - أعني (4): الشاذروان - لفظة عجمية، وهي بلسان الفرس بكسر الذال، ولا توجد هذه التسمية في حديث صحيح، ولا سقيم ولا عن أحد (5) من السلف فيما علمت، ولا لها (6) ذكر عند فقهاء المالكية المتقدمين والمتأخرين، إلا ما وقع في "الجواهر" لابن شاس، وتبعه أبو عمرو بن الحاجب (7).
و (8) لا شك أن ذلك منقول من (9) كتب الشافعية.
وأقدمُ من ذكر ذلك منهم فيما وقعتُ عليه: المزني حسبما نقله صاحب
(1) في "ن": "يفسد".
(2)
"شيء" ليست في "ع".
(3)
في "ن": بمقدر.
(4)
في "ج": "يعني".
(5)
في "ع": "واحد".
(6)
"لها" ليست في "ج".
(7)
في "ع": "الحارث".
(8)
الواو سقطت من "ج".
(9)
في "ج": "في".
"الشامل"، وذكره من أصحابنا القاضي أبو بكر بن العربي من غير تعرُّضٍ لبيان حكم، بل ذكر أنه شاهدها سنة تسع وثمانين وأربع مئة.
قال: وقست خارجها والحِجْر والشاذروان.
ولنرجع إلى الكلام في هذه المسالة، فنقول: انعقد إجماع المسلمين، قبل: طُرُوِّ هذا الاسم الفارسي على أن (1) البيت متمم على قواعد إبراهيم عليه السلام من جهة الركنين اليمانيين، ولذلك استلمهما النبي صلى الله عليه وسلم دونَ الآخَرَين، وأن ابن الزبير لما نقضه وبناه إنما زاد (2) فيه من جهة الحِجْر، وأقامه على الأسس الظاهرة التي عاينها العدولُ من الصحابة، وكبراء (3) التابعين، وكذلك (4) وقع الاتفاق على أن الحَجَّاج لما نقض البيت بأمر عبد الملك، لم ينقض إلا جهة الحِجْر خاصةً، وأقام قوسًا (5) داخل الكعبة إلى ما كان عليه من الارتفاع، وأغلق الباب الغربي، وهو باقٍ مسدودٌ إلى الآن ظاهرٌ لكل أحد، وكان ابن الزبير فتح للبيت بابًا غربيًا، وترك الحجاج - أيضًا (6) - ما زاده ابن الزبير من (7) ارتفاع البيت على حاله، وليس للشاذروان في هذا العمل كله ذكر، ولنذكر كلام بعض أئمة الشافعية في ذلك،
(1)"أن" ليست في "ع".
(2)
في "ع": "إنما أراد".
(3)
في "ع": "وكبر".
(4)
في "ع": "ولذلك".
(5)
في "ع": "وإتمام فرش".
(6)
"أيضًا" ليست في "ج".
(7)
في "ن": "في".
قال أبو نصر بن الصباغ الشافعي - محتجًا على أبي حنيفة رحمه الله حيث قال في الركن اليماني: لا يُسْتَلَم (1)؛ لأنه لا يُقَبَّل، فلا يُستلم [كالركنين الآخرين -، قال ابن الصباغ: أما قياسهم على](2) الركنين الآخرين، فالجواب: أن الركن اليماني على قواعد إبراهيم عليه السلام؛ بخلاف الركن الآخر، فإنه لم يُبْنَ على قواعد [إبراهيم، فافترقا، فانظر كيف نصَّ (3) ابنُ الصباغ في التفرقة بين اليمانيين وغيرهما: أن اليمانيين على قواعد](4) إبراهيم عليه السلام، فلو كان الشاذروان من البيت؛ لكان الركن الأسود داخلًا في البيت، ولم يكن متممًا (5) على قواعد إبراهيم عليه السلام.
[قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله: الركن الأسود فيه فضيلتان:
إحداهما: كونه بني على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام] (6).
والثانية: كونه فيه الحجر الأسود (7).
وأما اليماني: ففيه فضيلة واحدة: وهي كونه على قواعد إبراهيم (8)،
(1) في "ع": لا يلزم.
(2)
ما بين معكوفتين سقط من في "ن".
(3)
في "ن": "أقر".
(4)
ما بين معكوفتين سقط من "ج".
(5)
في "ع": "متمًا".
(6)
ما بين معكوفتين زيادة من "ن".
(7)
في "ع": "كونه في الحجر".
(8)
في "ن" زيادة: "عليه الصلاة والسلام".
وأما الركنان الآخران، فليس فيهما شيء من هاتين الفضيلتين، فلهذا خُصَّ (1) الحجرُ الأسود بشيئين: الاستلام، والتقبيل؛ للفضيلتين (2).
وأما اليماني: فنستلمه ولا نقبله؛ لأن فيه فضيلةً واحدة، وأما الركنان الآخران: فلا يُقبلان ولا يُستلمان (3).
فهذا النووي صرح بأن اليمانيين متمَّمان على قواعد إبراهيم (4)، فمن أين نشأ الشاذروان؟!
قال القاضي عياض رحمه الله في "الإكمال": وقوله: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح إلا (5) الركنَ الأسودَ والذي يليه؛ لأن اليمانيين على أسس البيت، وركنان له، والآخَرَين بعضُ الحائط، وليسا بركنين صحيحين؛ لأن الحِجْر وراءهما، وما حُكي عن ابن الزبير من استلام الأربع، قال القابسي: لأنه كان بنى البيت على قواعده الأربع، وكانت أركانًا كلها.
قال [القاضي: ولو بُني الآن على ما بناه ابن الزبير؛ لاستُلِمَتْ كلُّها كما فعل ابن الزبير (6).
(1) في "ع": "أخص".
(2)
"للفضيلتين "ليست في "ن".
(3)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (9/ 14).
(4)
في "ن" زيادة: "عليه الصلاة والسلام".
(5)
"إلا" ليست في "ع".
(6)
انظر: "إكمال المعلم"(4/ 343).
وهذان الإمامان] (1) أبو الحسن القابسي، والقاضي عياض نصَّا على أن اليمانيين على قواعد إبراهيم عليه السلام.
قال ابن رُشيد: وهذا عندي أمر لا يحتاج إلى نقل، والمشكِّك (2) فيه كمن يشكِّك في قاعدة من قواعد الشريعة المعروفة عند جميع الأمة، واعلم أنه وقع في كلام أبي (3) عمرو بن الصلاح الشافعي: أن قريشًا لما رفعوا الأساس بمقدار ثلاث أصابع من وجه الأرض (4) - وهو القدر الظاهر الآن من الشاذروان الأصلي قبل تزليقه - نقضوا عرضَ الجدار عن عرض الأساس الأول.
وهذا الذي قاله لم يأت به حديث صحيح، ولا ورد من قول صاحبٍ يصحُّ سندُه، ولعل ذلك من نقل التأريخيين، ولو صحَّ هذا؛ لاشتُهر ونقُل، وهدمَ عبدُ الله بن الزبير الكعبة حتى بلغ بها الأرض، وأقامها (5) على قواعد إبراهيم عليه السلام، وكونُ الحجاج لم يهدم مما بناه ابن الزبير إلا ناحيةَ الحِجْر؛ لكونه أدخلَه في البيت أمرٌ معلومٌ مقطوعٌ به، مجمَعٌ عليه، منقولٌ بالسند الصحيح في الكتب المعتمدة، لا يشك فيه أحد، فإذا ثبت هذا، فكيف يقال: إن هذا القدر الظاهر الآن مما نقضته قريش من عرض الجدار، وما (6) بقي لبناء قريش أثر؟
(1) ما بين معكوفتين سقط من "ج".
(2)
في "ن" و"ج": "والمتشكك".
(3)
في "ج": "ابن"، وفي "ع":"أبو".
(4)
في جميع النسخ عدا "ن" زيادة: "قال".
(5)
في "ن": "وأتمها".
(6)
في "ع": "وهي".
فالسهو والغلط فيما نقله ابن الصلاح مقطوع به، والعصمةُ للأنبياء عليهم السلام (1).
والذي نقله أبو عُبيد في كتاب "المسالك والممالك": أن ابن الزبير لما هدم الكعبة، وألصقها كلَّها بالأرض من جوانبها جميعًا، وظهرت أُسُسُها، وأشهدَ الناسَ عليها، قال لهم ابن الزبير: اشهدوا، ثم صنع البناء على الأساس (2)، فهذا الذي تسميه (3) الناس اليومَ الشاذروان اسمٌ حادث (4) على شيء صُنع؛ ليُصان به الجدارُ خيفةَ إجحاف السيول.
وذكر ابنُ عبدِ ربهِّ في كتاب "العقد" في صفة الكعبة ما فيه إشارة إلى أنه جعلَ حولَ البيت ما يقيه من السيول.
وقال تقي الدين ابن تيمية (5) في "منسكه الجديد (6) ": وليس الشاذروان من البيت، بل جُعل عمادًا للبيت (7).
ومما يؤيد (8) ذلك: أن داخل الحِجْر تحت حائط الكعبة شاذروانَ
(1)"عليهم السلام" ليست في "ن".
(2)
في "ع": "ثم صنعوا لبناء الأساس".
(3)
فى"ن": "ثم تسميه".
(4)
في "ع": "اسم ما حدث".
(5)
في "ع": "ثمثة".
(6)
"الجديد" ليست في "ن".
(7)
في "ن": "عماد البيت". وانظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام (26/ 122).
(8)
في "ع": "وفيما يود".
نظيرًا (1) للشاذوران (2) الذي هو (3) خارج البيت، ولم يقل أحد: إن هذا الذي في الحجر له حكمُ الشاذوران الخارج، ولا أنه عماد البيت، وأن الخارج (4) شاذوران، فكونُ (5) هذا الشاذوران مراعَى في الطواف لا دليلَ عليه، ومثلُ هذا لا يثبث إلا بالإجماع الصحيح المتواتر النقل، وقد ذكر أبو العباس، العُباب (6) - أحدُ العلماء الأعلام بمدينة (7) - فاس هذه المسألة في "شرحه لقواعد القاضي عياض"، واستبعد صحةَ ما حذروا منه في الشادروان.
وقولُ بعض المتأخرين من الشافعية: "ينبغي أن يُتفطن لدقيقة" من العجب (8)؛ فإن هذه الدقيقة كيف يمكن أن تغييب عن الصحابة والتابعين ومن بعدَهم هن أهل العلم، فلا (9) يتنبَّهُ أحدٌ لها، مع تكرُّر الحج في كل عام؟! إن هذا لمن الأمر البعيد الذي لا تسكُنُ (10) إليه، نفسُ عاقل (11)،
(1) في "ج": "فيكون نظيرًا".
(2)
في "ن": "نظير الشاذوران".
(3)
"هو "ليست" في "ن".
(4)
في "ع": "ولأنه عما دون الخارج".
(5)
في "ع": "فيكون".
(6)
في "ع": "التفات".
(7)
في "ن": "أحد علماء".
(8)
"من العجب" ليست في "ن".
(9)
في "ن": "ولا".
(10)
في "ع": "لا تشك".
(11)
في "ع": "غافل".