الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على ترجيح، فيكون البيان حينئذ الاحتياط، والاستبراء للعرض والدين، والأخذ بالأشد على قول، أو يتخير (1) المجتهدُ على قول، أو يرجع إلى البراءة الأصلية، وكل ذلك بيان يُرجع إليه عند الاشتباه من غير أن يُجحد (2) الإجمالُ أو (3) الإشكال.
واعلم أن البخاري -رحمه الله تعالى - إنما كرر الأسانيد في حديث النعمان بن بشير (4): "الحلال بين"؛ لأجل معارضة قول يحيى بن معين عن أهل المدينة: إنه لا يصح له سماع من (5) النبي صلى الله عليه وسلم (6).
* * *
باب: تَفْسِيرِ الْمُشَبَّهَاتِ
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الْوَرَعِ، دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ.
(وقال: حسان بنُ أبي سنانٍ: ما رأيت شيئًا أهونَ من الورع، دَعْ ما يَريبك إلى ما لا يَريبك): خرَّج مغلطاي هذا التعليق بسنده إلى أبي نعيم الحافظ بسنده إلى ضَمْرَةَ بنِ عبدِ الله بنِ شَوْذَب، قال حسانُ بنُ أبي سنان:
(1) في "ع": "بتخيير".
(2)
في "ع": "يجهد".
(3)
في "ج": " و".
(4)
في "ج": "بشر".
(5)
في "ج": "عن".
(6)
انظر: "التنقيح"(2/ 464).
ما أيسرَ الورع إذا شككْتَ في شيء، فاتركْه (1).
ثم قال مغلطاي: ولفظة: "دَعْ ما يَريبك إلى ما لا يَريبك" رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) من حديث الحسن بنِ عليٍّ، وقيل له (3): ما حفظتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك" قال الترمذي: حديث حسن صحيح (4)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد (5).
وَيريب -بفتح الياء-، قال أبو العباس: يقال (6): رَابَني الشيءُ: إذا تَبينتُ منه الريبةَ، وأَرابَني (7): إذا لم يتبينها (8).
وقال غيره: أرابَ في نفسه، وراب غيره، ورابني (9) أفصحُ من أرابني (10)(11).
* * *
1170 -
(2053) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 116).
(2)
في "ج": "عن النبي صلى الله عليه وسلم".
(3)
"له" ليست في "ج".
(4)
رواه الترمذي (2518).
(5)
رواه الحاكم في "المستدرك"(2169).
(6)
"يقال" ليست في "ج".
(7)
في "ع" و "ج": "ورابني".
(8)
في "ع"و "ج": "يبينها".
(9)
في "ع" و"ج": "وراب".
(10)
في "ج": "رابني".
(11)
انظر: "التوضيح"(14/ 46).
شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ عُتْبَهُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، فَاقْبِضْهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ، أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ: ابْنُ أَخِي، قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ابْنُ أَخِي، كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ. فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ". ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "احْتَجبِي مِنْهُ"؛ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَهَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ.
(أن ابنَ وليدةِ زَمْعةَ مني): - بفتح الزاي وإسكان (1) الميم -، ويقال: -بفتحها -، وقال الوقشي: إنه الصواب، وهذا الولد هو عبدُ الرحمن بنُ زمعة.
وفي "أسد الغابة" في ترجمة عبدِ الرحمن بنِ زمعةَ بنِ قيسِ بنِ عبدِ شمسٍ القرسيّ العامريّ ابن وليدةِ زمعةَ الذي (2) قضى فيه (3) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أن الولدَ للفراش، وللعاهر الحجر، حين تخاصم أخوه عبدُ الله بنُ زمعةَ (4) وسعدُ بنُ أبي وقاص، ولم يختلف النسابون لقريش: مصعبٌ، والزبيرُ،
(1) في "ع" و"ج": "واسم".
(2)
في "ج": "التي".
(3)
في "ع" و "ج": "به".
(4)
في "ع" و"ج": "عبد بن زمعة".
والعدويُّ فيما ذكرنا.
قال (1): أمُّه أَمَةٌ كانت لأبيه يمانية، وأبوه زَمْعَةُ، وأختُه سودَةُ زوجُ النبي صلى الله عليه وسلم، ولعبد الرحمن عَقِبٌ، وهم بالمدينة، هذا كلام ابن عبد البر.
وقال ابن منده: عبدُ الرحمن بنُ زمعةَ بنِ المطلبِ (2) أخو عبدِ الله وعبدِ بنِ زمعةَ.
قال شيخنا قاضي القضاة جلال الدين - أمتع الله بوجوده وعلومه -: وهذا وهم فاحش، فليس في نسبه المطلب، وليس أخًا لعبد الله بن زمعة، إنما هو أخو (3) عبدِ بنِ زمعة وسودةَ، ونسبه ما تقدم.
وقال أبو نعيم: عبدُ الرحمن بنُ زمعةَ بنِ الأسودِ بنِ المطلبِ بنِ أسدِ ابنِ عبدِ العزى بنِ قُصَي (4).
قال شيخنا: وهذا وهم - أيضًا -، فهذا نسبُ عبد الله بن زمعة القرشي (5)، لا نسبُ عبد الله وعبدِ الرحمنِ وسودةَ أولادِ زمعةَ.
قال: وقد وقع نحوُ هذا الوهم أيضًا للذهبي في "الكاشف"، فقال: عبدُ الله (6) بنُ زمعة أخو سودةَ (7)، قال: وهذا وهم، نبه (8) عليه شيخنا قديمًا،
(1) في "ج": "قالوا".
(2)
في "ع": "عبد المطلب".
(3)
"أخو" ليست في "ج".
(4)
انظر: "أسد الغابة"(3/ 444).
(5)
في "ج": "عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب القرشي".
(6)
في "ج": "عبد الرحمن".
(7)
انظر: "الكاشف"(1/ 553).
(8)
في "ع" و"ج": "وهم منه نبه".
يريد: والدَه شيخَ الإسلام سراجَ الدين البلقيني رحمه الله.
(فتساوقا): أي: تَفاعَلا؛ من السَّوْق؛ أي: ساقَ كلُّ واحد منهما صاحبَه، والمراد به: التدافُع والترافُع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(هو لك يا عبدُ بنَ زمعةَ (1)): - بإثبات حرف النداء، ويفتح الدال وضمها - كما في قولك: يا زيدُ بنَ عمرٍو (2).
ورواه النسائي بحذف حرف النداء (3) على أن "عبد" منادى مضموم؛ مثل: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: 29]، وحَرَّفه بعضهم فنوَّنَه، ومعنى "هو لك": أنه أخ لك.
(الولد للفراش): أي: تابعٌ للفراش، أو محكومٌ به (4) للفراش، ونحو ذلك.
وقيل: هو على حذف مضاف؛ أي: لصاحب الفراش؛ أي: للزوج، أو السيد (5)، وهذا لفظٌ عام وَرَدَ على سبب (6) خاص كما رأيته في القصة.
وقد بالغ الشافعي رحمه الله في الرد على من يجوز إخراجَ السبب، وأطنبَ في أن الدلالة عليه قطعية؛ لدلالة العام عليه بطريقين:
أحدهما: العموم.
(1) في "ع": "يا عبد الله بن زمعة".
(2)
في "ع": "زيد بن عمر".
(3)
رواه النسائي (3484).
(4)
"به" ليست في "ع".
(5)
في "ج": "للسيد".
(6)
في "ج": "سبيل".
وثانيهما: كونه واردًا لبيان حكمه، ومن ذلك نشأ كونُه لا يخرج بالاجتهاد.
قال الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله: وهذا عندي ينبغي أن يكون إذا دلت قرائن حاليةٌ أو مقاليةٌ على ذلك، أو على أن اللفظ العامَّ يشمله بطريق لا محالةَ، وإلا، فقد ينازع الخصمُ في دخوله وضعًا تحت اللفظ العام، ويدَّعي أنه قد يقصد المتكلمُ بالعام إخراجَ السبب، وبيان أنه ليس داخلًا في الحكم؛ فإن للحنفية أن يقولوا في قوله عليه السلام:"الولدُ للفراش"، وإن كان واردًا في أَمَةٍ، فهو وارد لبيان حكم ذلك الولد، وبيان حكمه إما بالثبوت، أو بالانتفاء، فإذا ثبت أن الفراش هي الزوجة؛ لأنها التي يتخذ لها الفراشُ غالبًا، وقال: الولد للفراش، كان فيه حصرٌ (1) أن الولد للحرة، وبمقتضى ذلك لا يكون للأَمَة، فكان فيه بيان الحكمين جميعًا: نفيُ النَّسَب عن السبب، وإثباتُه لغيره، ولا يليق دعوى القطع هنا، وذلك من جهة اللفظ، وهذا في الحقيقة نزاع في أن اسم الفراش هل هو موضوع للحرة والأَمَةِ الموطوءة، أو للحرة فقط؟
فالحنفية يدَّعون الثاني، فلا عموم عندهم له في الأَمَة، فتخرج المسالةُ حينئذٍ من باب أن العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب، نعم قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:"هو لكَ يا عبدُ (2) بن زمعةَ، الولدُ للفراش، و (3) للعاهرِ الحجرُ" بهذا الترتيب يقتضي أنه ألحقه به على حكم السبب،
(1) في "ع" و"ج": حصرًا.
(2)
في "م": "يا عبد الله".
(3)
في "ع": "أو".
فيلزم أن يكون مرادًا من قوله: "للفراش"، فليتنبه (1) لهذا البحث، فإنه نفيس جدًا، ولا يقال: إن الكلام إنما هو حيث تحقق دخوله في اللفظ العام وصفًا؛ لأنا نقول: قد يتوهم أن كون (2) اللفظ جوابًا للسؤال يقتضي دخوله، فأردنا أن ننبه (3) على أن الأمر ليس كذلك.
والجواب إنما يقتضي بيان الحكم، وإنما أردنا أن دعوى من ادعى أن دلالة العام على سببه قطعية (4) يمكن المنازعة فيها بالنزاع في دخوله تحت اللفظ العام وضعًا لا مطلقا، والمقطوع به أنه لابد فيه من بيان حكم السبب، إما كونه يقطع بدخوله في ذلك، أو بخروجه عنه، فلا يدل على تعين واحد من الأمرين (5).
(وللعاهر الحجرُ): أي: للزاني الحجر، قيل: معناه: أن له الخيبة مما ادعاه وطلبه؛ كما يقال: لفلان التراب.
وقيل: هو على ظاهره (6)؛ أي: له الرجمُ بالحجارة، وهو ضعيف؛ لأنه ليس كل عاهر يستحق الرجم، وإنما يستحقه المحصَن، فلا يجري لفظ العاهر على ظاهره من العموم، أما إذا حُمل على الأول من أن له (7)
(1) في "ع": "فلينبه".
(2)
في "ع": "يكون".
(3)
في "ج": "نبينه".
(4)
في "ج": "قطيعة".
(5)
انظر: "الإبهاج" للسبكي (2/ 188).
(6)
في "ج": "ظاهر".
(7)
"له" ليست في "ع".
الخيبة، كان ذلك عامًا في حق (1) كلِّ زانٍ (2)، فيبقى (3) اللفظ على عمومه من غير معارض.
* * *
1171 -
(2054) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمِ رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمِعْرَاضِ، فَقَالَ:"إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ، فَكُلْ، وَإِذَا أصَابَ بِعَرْضِهِ، فَلَا تَأكُلْ؛ فَإنَّهُ وَقيذٌ". قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ! أُرسِلُ كلْبِي وأُسَمِّي، فَأَجِدُ مَعَهُ عَلى الصَّيْدِ كَلْبًا آَخَرَ لَمْ أُسَمِّ عَلَيْهِ، ولا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ؟ قَالَ:"لَا تَأْكُلْ؛ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الآخَرِ".
(عن المِعْراض): - بميم مكسورة فعين مهملة ساكنة فراء فألف فضاد معجمة -: سهم لا ريش عليه، وقيل: عصا رأسُها محدَّد.
(فإنه وَقيذٌ): - بالقاف والذال المعجمة -: هو ما أُثخن ضربًا بِعَصًا أو حجرِ حتى مات.
قال ابن المنير: جمع البخاري بهذه الأحاديث بين صور من الورع متباينة:
فمنها: الورع الواجب؛ كما في حديث عدي.
ومنها: المندوب؛ كما في حديث السوداء.
(1)"حق" ليست في "ع".
(2)
"زان" ليست في "ع".
(3)
في "ع" و"ج": "فينبغي".