الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغيرِها سنَّة، وقد أخرج مسلم في "صحيحه" من طريق أبي وائل، عن عمار: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طُولُ صَلاةِ الرَّجُلِ، وقِصَرُ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ"(1).
قال ابن المنير: وما علمتُ الاشتقاقَ، ولا مما ذا هو مشتق، واحتمل عندي أن يكون مَفْعِلَةٌ من أَنَّ التي للتوكيد؛ كما اشتُق (2) التسويفُ من سوف، والمراد: أن ذلك آكدُ لفقهه.
* * *
باب: الوقوفِ بِعرفةَ
976 -
(1664) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبيهِ: كُنْتُ أَطْلُبُ بَعِيراً لِي. وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو: سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: أَضْلَلْتُ بَعِيراً لِي، فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَاقِفاً بِعَرَفَةَ، فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ! مِنَ الْحُمْسِ، فَمَا شَأْنُهُ هَاهُنَا؟
(أضللت بعيراً لي): أي: ضلَّ مني بعير لي.
(فقلت: هذا والله! من الحُمْس): - بحاء مهملة مضمومة وميم ساكنة - هو في الأصل جمع أَحْمَسَ، وهو الشديدُ (3) الصُّلب، سميت قريش وكنانة بذلك؛ لتصلُّبهم فيما كانوا عليه (4).
(1) رواه مسلم (869).
(2)
في "ج": "سبق".
(3)
في "ع": "التشديد".
(4)
انظر: "التوضيح"(11/ 554).
977 -
(1665) - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ عُرْوَةُ: كَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُرَاةً إِلَاّ الْحُمْسَ، وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ، وَكَانَتِ الْحُمْسُ يَحْتَسِبُونَ عَلَى النَّاسِ، يُعْطِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثِّيَابَ يَطُوفُ فِيهَا، وَتُعْطِي الْمَرْأة الْمَرْأَةَ الثِّيَابَ تَطُوفُ فِيهَا، فَمَنْ لَمْ يُعْطِهِ الْحُمْسُ، طَافَ بِالْبَيْتِ عُرْيَاناً، وَكَانَ يُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَيُفِيضُ الْحُمْسُ مِنْ جَمْعٍ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحُمْسِ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]، قَالَ: كَانُوا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ، فَدُفِعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ.
(عن عائشة رضي الله عنها: أن هذه الآية نزلت في الحمس: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]): وذلك لأن الحمس كانوا يترفَّعون على الناس، ويتعاظمون عليهم، ويأنفون من مساواتهم في المواقف (1)، ويقولون: نحن أهلُ الله، وقُطَّانُ حَرَمه، ولا نخرج (2) منه، فيقفون بجَمْع، ويقف سائر الناس بعرفات.
وقيل: هذه الآية {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 198 - 199].
(1) في "ع": "الموقف".
(2)
في "ع": "مخرج".
فتوجه هنا سؤال عن وجه إدخال "ثم" في هذا المحل؛ حيث كانت الإفاضة المذكورة [بعدها، هي بعينها الإفاضة المذكورة](1) قبلها، فما معنى عطف الأمر بها (2) بكلمة "ثم" الدالة على التراخي على الأمر بالذكر المتأخر عنها، وكيف موقع "ثم" من كلام البلغاء؟
فأجاب الزمخشري بما معناه: أن (3) موقعَها موقعُ "ثم" في قولك: أحسنْ إلى الناس، ثم لا تحسنْ إلى غيرِ كريم؛ لأن قوله:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ} [البقرة: 198] دالٌّ على وجوب الإفاضة من عرفات، ومعنى {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] لتكن إفاضتكم منه، لا من المزدلفة [فصار كأنه قيل: أفيضوا من عرفات، ثم أفيضوا من المزدلفة] (4)، ومعنى "ثم": الدلالة على بعد ما بين الإفاضتين؛ أعني: الإفاضة من عرفات، والإفاضة من المزدلفة؛ لأن الأولى صواب، والثانية خطأ، وبينهما بَون عظيم، وهذا النوع من التباين لا ينافي تفاوتَ المرتبة وتباعدَها (5).
كذا قرره العلامة سعد الدين التفتازاني، قال: وعليه سؤال ظاهر، وهو أن التفاوت والبعد في المرتبة إنما يعتبر (6) بين المعطوف والمعطوف عليه،
(1) ما بين معكوفتين ليس في "ج".
(2)
في "ع": "به".
(3)
في "ع": "أما".
(4)
ما بين معكوفتين زيادة من "ج".
(5)
أنظر: "الكشاف"(1/ 275).
(6)
في "ع": "إنما هو يعبر".
وهو هنا عدمُ الإحسان إلى غير الكريم، وعدمُ الإفاضة من المزدلفة، لكن جرت عادته في هذا الكتاب: أنه (1) يعتبر في أمثال هذه المواضع التفاوت والبعد بين المعطوفين، وبين ما دخله النفيُ من المعطوف عليه، لا بينه وبين النفي، ذكره (2) في قوله تعالى:{وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [آل عمران: 111]: إن ثُمَّ للدلالة على بُعد ما بين توليتهم الأدبار، وكونهم يُنْصرون.
وأما الاعتراض بأن التفاوت بينهم من كون أحد الفعلين من توليتهم مأموراً به، والآخر منهياً عنه، سواء كان العطف بثم، أو بالفاء، أو بالواو، فليس بشيء؛ لأن المراد أن في ثم إشعاراً بذلك، ودلالةً عليه من حيث كونُها في الأصل (3) للتراخي، ولا كذلك الفاء والواو، والأمر والنهي حتى لو علم بدلالة الفعل، ثم يرد أن هذا مما يطابق المثال لو أريد: أفيضوا إلى منى من غير تعيين عرفات، أو أريد في المثال: أحسن إلى الناس الكرام.
وأما إذا جرى الناس على الإطلاق، وقد تقرر أن:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ} [البقرة: 198] يدل على وجوب الإفاضة من عرفات، فلا مطابقة، إلا أن هذا لا يضر بالمقصود، وهو التطابق في موضع "ثم"، وفي الدلالة على تفاوت ما بين الفعلين، وذهب بعضهم إلى أن مراده: أن {ثُمَّ أَفِيضُوا} [البقرة: 199] عطفٌ على {فَاذْكُرُوا (4) اللَّهَ} [البقرة: 198]
(1) في "ج": "لأنه".
(2)
في "ج": "وذكره".
(3)
في "ج": "الأصل عنده".
(4)
في "ج": "على ما ذكروا"، وفي "ع":"على زادوا"، والصواب ما أثبت.
قصداً إلى التفاوت بينه وبين ما يتعلق بما ذكروا؛ أعني: الإفاضة المذكورة في ضمن شرط الذي هو: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ} [البقرة: 198]، وهو حاصل ما ذكرنا إلى هنا كلامه رحمه الله.
ثم أشار الزمخشري إلى وجه يكون على بابها، فقال: وقيل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]، وهم الحمس؛ [أي: من المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات. انتهى (1).
فيكون المراد بالناس هنا: المعهودين، وهم الحمس] (2)، ويكون هذا الأمر أمراً بالإفاضة (3) من مزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات، وفي قوله: بعد الإفاضة من عرفات دون أن يقول: بعد الذكر بالمشعر الحرام، إشعارٌ بأنه (4) عطف على أفيضوا من عرفات المدلولِ عليه بقوله: فإذا أفضتم، لا على: اذكروا الله، لكنه يحمل على الأمر (5) الحاصل محافظة على (6) ما هو الظاهر من عطف الأمر على الأمر.
قال التفتازاني: فإن قيل: لا حاجة في هذا المعنى إلى حمل الناس على الحمس؛ لجواز أن يراد: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس إليه.
قلنا: الظاهر من قوله: حيث أفاض الناس (7): من حيث أفاضوا عنه،
(1) انظر: "الكشاف"(1/ 275).
(2)
ما بين معكوفتين ليس في "ج".
(3)
في "ج": "ويكون الأمر أمر بالإضافة".
(4)
في "ج": "إشعار على أنه".
(5)
في "ع": "الأحد".
(6)
في "ع": "إلى".
(7)
"الناس" ليست في "ع".
لا من حيث أفاضوا إليه.
(كانوا يقتصون (1) من جَمْع): - بفتح الجيم -: هو المزدلفة، وهو المشعر الحرام، وسميت جَمْعاً، لجمع العشاءين فيها، كذا في "المشارق"(2).
قال الجوهري: لاجتماع الناس (3).
قلت: وهو الظاهر؛ لوجود هذا الاسم لها في الجاهلية، ولم يكونوا يجمعون بين العشاءين فيها، ولا يعرفون ذلك أصلاً.
(فدُفِعوا إلى عرفات): بضم الدال المهملة، ويروى بالراء.
وعرفات: اسم للموقف، سمي بجمعٍ (4)؛ مثلَ أذرعات - اسم بلدة بالشام - في أنه لا واحد له؛ إذ لم يوجد أذرعة، ولا عَرَفة.
قال الفراء: لا واحد له، وقول الناس: نزلنا بعرفةَ شبه بمولد، وليس بعربي محض.
قال بعض المحققين: ولو سلم، فعرفة وعرفات مدلولُهما واحد، ليس ثَمَّ أماكنُ متعددة كلٌّ منهما عرفةُ جُمعت على عرفات.
ثم لا كلام في استعماله منوناً، وإن حكى سيبويه عن بعض العرب عدمَ التنوين؛ مثل هذه أذرعاتُ - بالضم -، ورأيت أذرعاتِ - بكسر التاء من غير تنوين -، وإنما الكلام في الصرف وعدمه، فعند بعضهم غيرُ
(1) نص البخاري: "يفيضون".
(2)
انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 168).
(3)
انظر: "الصحاح"(3/ 1198)، (مادة: جمع).
(4)
في "ج": "سمي به جمع".
منصرف للعلمية والتأنيث، والتنوين (1) للمقابلة، لا للتمكن؛ يعني: جيء به ليكون في جمع المؤنث السالم؛ مقابلاً للنون في جمع المذكر السالم كمسلمون، ومع هذا يكسر في موضع الجر؛ للأمن بهذا التنوين من تنوين المتمكن، كما حصل الأمن باللام والإضافة.
واختار (2) الزمخشري أنه منصرف؛ لعدم الاعتداد بالتأنيث، أما لفظاً، فلأن هذه التاء ليست للتأنيث، وهو ظاهر، وأما تقديراً، فلأن اختصاصها بجمع المؤنث يأتي تقديراً لها؛ لكونه كالجمع بين علامتي التأنيث، وهذه كتأنيث ليست للتأنيث، واختصت فمنعت تقديراً؛ لئلَاّ ينافي كون الاسم مؤنثاً بحسب الاستعمال؛ مثل: وقفت بعرفات، ثم أفضتُ منها؛ لأن تاء الجمع، وإن لم تكن لمحض التأنيث على ما هو المعتبر في موضع الصرف، لكنها للتأنيث في الجملة.
وقالوا: سُميت بذلك؛ لأنها وُصفت لإبراهيم عليه السلام، فعرفها لما أبصرها.
وقيل: إن جبريل كان يدور به في المشاعر، فأراه إياها، فقال: قد عرفتُ.
وقيل: التقى آدم وحواء فيها، فتعارَفا.
وقيل: لأن الناس يتعارفون فيها.
واختيار الزمخشري أنها من الأعلام المرتجلة.
(1)"والتنوين" ليست في "ع".
(2)
في "ج": "واختيار".