الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ
(باب: كُسْوَة الكعبة): الكسوة: - بضم الكاف وكسرها -، ويجمع على (1) كُسًا.
940 -
(1594) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى شَيْبَةَ. وَحَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: جَلَسْتُ مَعَ شَيْبَةَ عَلَى الْكُرْسِيِّ فِي الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: لَقَدْ جَلَسَ هَذَا الْمَجْلِسَ عُمَرُ رضي الله عنه، فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَاّ قَسَمْتُهُ. قُلْتُ: إِنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلَا. قَالَ: هُمَا الْمَرْآنِ أَقْتَدِي بِهِمَا.
(فقال): أي: عمر رضي الله عنه.
(لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته): أي: ذهباً ولا فضة.
قال الزركشي: وظن بعضهم أنه حلي الكعبة، وغلَّطه صاحب "المفهم": بأن ذلك محبَّس [كَحُصُرها] عليها وقناديلها، لا يجوز صرفه في غيرها، وإنما هو الكنز، وكأنه قصد ما يُهدى إليها خارجاً عما كانت تحتاج إليه مما يُنفق فيها، ولما افتتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة، تركه رعايةً لقلوب قريش، ثم بقي على ذلك في زمن الصديق وعمر، وقال: ولا أدري ما صنع به بعد ذلك، وينبغي أن يُبحث عنه (2).
(1) على ليست في "ج".
(2)
انظر: "التنقيح "(1/ 391 - 392).
فإن قلت: ما وجهُ تذكير الضمير من قوله: إلا قسمتُه، مع أن مرجعه مؤنث؟
قلت: ذَكَّرَه باعتبار المال.
(قلت: إن صاحبيك لم يفعلا): يريد النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر رضي الله عنه.
(قال هما المرآن أقتدي بهما): وليس لكسوة الكعبة في هذا الحديث ذِكْر، فمن ثَمَّ (1) اعترض الإسماعيلي بسوق هذا الخبر في هذه الترجمة.
قال ابن المنير: يحتمل أن يكون مقصودهُ التنبيهَ (2) على أن كسوة الكعبة أمر مشروع وجمال؛ إعظاماً للإسلام، فالكسوةُ من هذا القبيل، ويحتمل أن يريد التنبيهَ (3) على الكسوة وما يُصنع بها، وهل يجوز التصرفُ فيما عتق منها بالقسمة أو لا؟ فنبه على أنه موضع (4) اجتهاد، وأن مقتضى رأي عمر رضي الله عنه أن يقسم في المصالح، ويعارض رأيَه تركُ النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر القسمةَ، إلا أن التركَ ليس صريحاً في المنع.
قال: والظاهر جوازُ قَسْمِ الكسوة العتيقة؛ إذ بقاؤها يعرض لإتلافها؛ بخلاف النقدين، وإذ لا جمال في كسوة مطوية عتيقة.
ويؤخذ من قول عمر: أن صرف المال في المصالح؛ كالفقراء والمساكين آكدُ من صرفه في كسوة الكعبة، لكن الكسوةَ في هذه الأزمنة؛
(1)"ثَمَّ" ليست في "ع".
(2)
في "ع": "التثنية".
(3)
في "ع": "التثنية".
(4)
في "ع": "موضوع".
لأنسِ الناسِ بها أهمُّ: إذ الأمورُ المتقادمة تتأكدُ حرمتُها في النفوس.
واستدلالُ من استدلَّ بترك النبي صلى الله عليه وسلم أموالَ الكعبة وتوفيرها عن القسمة على إيجاب إبقاء الأجناس على ما سلب عليه، فيه نظر؛ لأنه إن كان المال المحبَّسُ على الكعبة عُني به الصرفُ في إقامة الكعبة بتقدير انهدامها - والعياذُ بالله -، فهذا ما لا يخطر بالبال؛ لأنا نعلم أن الذي يُهدي المال للكعبة لم يقصدْ ذلك، وإن كان هذا المال المحبَّسُ عليها أُريد بقاؤه لذاته، فهذا لا نظير له؛ فإن الأجناس إنما تراد لمنافعها، لا لذواتها، فلا يستدل بهذا الباب المستثنى على غيره، ألا ترى أنه لا يجوز أن يوقف داراً على أن تبقى ذاتُها غيرَ منتفَع بها؟
وإن كان المراد بالمال المذكور منفعةَ أهل الكعبة والحرم وسدنة (1) البيت، أو إرصاده لعامة المسلمين، فهذا لا يختلف في أن قسمَه على مستحقيه عملٌ بمقتضى الوفف، لا إبطالٌ له، فالحقُّ أن هذه الأموال أُريد بها بقاء ذواتها، أو تجمل الكعبة بها إقامة لأُبَّهة الإسلام، أو خرج عنها أصحابها على أن تبقى في الكعبة غير قاصدين لمعنى آخر.
وعلى كل تقدير من هذه الثلاثة: فهو تحبيس لا نظيرَ له، فلا يُقاس عليه، وهذا هو الذي رجع إليه عمر رضي الله عنه.
وعلى الجملة: فالمسألةُ اجتهادية، ومن هذه القاعدة الأموال التي تُهدى إلى المشاهد؛ كالشمع والزيت في قناديل الفضة التي يُعلم أنها لا يوقد فيها، يجري فيها هذا النوع من الاجتهاد، ويحتمل الخلاف.
(1) في "ج": "وسنده".