الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستحضار التفصيلي لأركان الصلاة
بعض متأخري الشافعية (1) يرون وجوب الاستحضار التفصيلي لأركان الصلاة، وهؤلاء لم يكتفوا بالقول بالوجوب على أنه رأي لهم، أو فهم فهموه من كلام السابقين، بل نسبوا القول بهذا إلى كبار علماء الشافعية كابن حجر، بل صرح بعضهم بأن هذا القول هو قول الشافعي رحمه الله وأصل مذهبه.
ونحن نوافق أحمد الحسيني (2) فيما ذهب إليه من أن هذا القول ليس قول الشافعي، ولا مذهب الشافعية، وأنه لم يقل به كبار علماء الشافعية، ونخالفه في أنَّ القول بذلك عند الشافعية لم يحدث إلاّ بعد القرن الحادي عشر، لأن القرافي المالكي المتوفى (سنة 684 هـ)، ذكر في كتابه الذخيرة (3) أن بعض الشافعية قال: ينوي الأركان عند الإحرام، ونقله عن صاحب الطراز وقال (أي صاحب الطراز):"وهو هوس وقد كانت الأمة على خلاف هذا، ويلزمه أن ينوي حروف الفاتحة والتسليم لأنها واجبة" والعلامة أحمد الحسيني ردَّ هذا القول من أربعين وجها (4)، ويمكن تقسيم هذه الردود إلى قسمين:
الأول: أدلة تنفي أن يكون هذا القول هو قول الشافعي، أو القول المعتمد عند الشافعية، أو أنه قال به أحد من كبار علماء الشافعية، وقد ساق هنا نصوص كلام الشافعي وكبار أصحابه الدالة على خلاف ذلك، أو التي يفهم منها أن هذا ليس قولا لهم.
(1) أمثال البجيرمي والجوهري والباجوري والشيخ عطية الأجهوري.
(2)
اعتمدنا في هذه المسألة على كتاب (نهاية الإحكام)، لأحمد بك الحسيني.
(3)
الذخيرة (1/ 509 - 510).
(4)
ألَّف أحمد الحسيني كتابه (نهاية الإحكام) للرد على القائلين بإيجاب الاستحضار التفصيلي، وإبطال مدعاهم في أنه قول أو قول أصحابه، أو أنه المعتمد في المذهب.
الثاني: من الردود جنح فيه إلى مناقشة أصل المسألة، وبيان استحالة تطبيقها والعمل بها.
والمراد بالاستحضار التفصيلي كما صرَّح به أرباب الحواشي المتأخرون: هو أن يستحضر أركان الصلاة ركنا ركنا، حتى يكون المقصود معلوما بأجزائه، ومن جملة أجزائه ركنا القراءة والتشهد، وأجزاؤهما ألفاظ مخصوصة بترتيب خاص، واستحضار الألفاظ المخصوصة المذكورة في الذهن دفعة واحدة أو دفعات متعذر مستحيل أن يقوم به شخص بحيث يكون حاضرا في ذهنه في آن واحد، أو في آنات النطق بالتكبير مهما مدَّها.
وقد شبه بعضهم هذا الاستحضار الذهني لأركان الصلاة في لحظة واحدة بعروس تزف، وهذا تشبيه بعيد، إذ العروس متصفة بصفات متعددة قائمة بها يتحقق وجودها خارجا في لحظة واحدة، أما أركان الصلاة فبعضها تلو بعض، وبعضها ضدّ بعض، فالقيام بعده ركوع، والاعتدال إبطاله، والسجود غيره، ولا يوجد قيام وركوع ورفع منه وسجود في لحظة واحدة، ولا يمكن استحضار هذه الأمور المتضادة إلا مع التعاقب.
ومما يجعل الاستحضار التفصيلي في حكم المستحيل أن وقت النية عند الشافعية هو التكبير للصلاة ولا يجوز تقدمها، ولا تأخرها عنه، فكيف يمكن أن يستحضر المصلي ما ذكروه في لحظات التكبير.
وقد قرّر ابن حجر في فتاويه أن استحضار القصد والتعيين ونية الفرضية مع مقارنتها لكل حرف من حروف التكبير عسيرة جدا إلاّ على من صفا قلبه، ونار سره، وبين أن الشافعي رحمه الله كان يستحضر تلك الثلاث ويقرنها بكل جزء من أجزاء التكبير، وأنَّ ذلك غير ميسور لمن بعده، واستنتج أن رتبة الشافعي ومقامه عظيمان بمجرد استحضار الثلاثة وقرنها بالتكبير. فإذا كان استحضار ثلاثة أمور -كما يرى ابن حجر- في غاية الصعوبة، فكيف يكون استحضار ثلاثة عشر ركنًا، يضاف إليها الثلاثة التي ذكرها ابن حجر، فيكون المطلوب استحضاره ستة عشر أمرا؟!