الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدواعي الطبعية والدواعي الشرعية
هناك دوافع طبعية تدفع الإِنسان إلى تحقيق مراده، وليس كلّ الدوافع الطبعية سيئة ولا قبيحة، بل كثير منها أوجده الله في الإنسان كي يندفع اندفاعًا ذاتيًا لتحقيق مراده الذي تقوم حياته له، ولو لم يخلق الله له هذه الدوافع لما سعى في طلب الرزق، ولما تناول الطعام ولما سعى للزوجة
…
وقد لاحظ جمع من العلماء (1) أنّ الأمور التي لها دواع طبعية مغروسة في أعماق النفس الإنسانية اكتفى الشارع بشرعها، ولم يقم الدواعي إلى فعلها اكتفاء بالدوافع الداخلية، فهي وحدها كافية في الإلحاح على صاحبها كي ينال مراده منها، ولو قدّر أنّ بعض الناس أراد أن يعمل على تقويض مطلوبات النفوس وتحريمها، كالزواج والطيبات من الطعام
…
فإنَّ الشارع يمقت فعلهم هذا، ويعدّه جريمة نكراء.
أماّ الأفعال التي تكرهها النفوس وتنفر منها، والشارع يريد من الِإنسان تحقيقها والقيام بها، فإنَّ الشارع يحدث لها من الدواعي بمقدار كراهيتها لها، ونفارها منها، ويكفي أن نعود إلى كتب الترغيب والترهيب، لنعلم ما أعدّه الله للذين يؤدّون الواجبات، ويكثرون من المستحبّات من أجر عظيم، وجزاء كريم، عندما تسمع به القلوب وتعيه فإنّه يستهويها، ويملك عليها أمرها، فلا تملك إلا أن تندفع إلى تحقيق ما طلب منها.
والناظر في سير الصالحين من هذه الأمّة يعجب من صبرهم على البأساء والضراء، وبذل أنفسهم في سبيل الله، لا يرهبون الردى، ولا يقيمون وزنا للأواء والآلام.
(1) راجع مقالات الإسلاميين 2/ 114، والداء والدواء ص 159.
يعجب الناظر من صبرهم على السهر الطويل يصلّون ويستغفرون، ومن بذلهم الكثير والقليل، لا يطلبون جزاء ولا شكورا، ومن امتناعهم عن محبوبات النفوس صائمين في شهور الحرّ ذات النهار الطويل، وما ذلك إلاّ لأنهم علموا عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جعل الله لمن استقام على شرعه، فلم جدوا سبيلا إلا في القيام بما أراد الله منهم مريدين نيل وعد الله.
ولقد رأينا الشارع يزيد من الدواعي والترغيب بما يوازي الدواعي الكبيرة التي تدعو إليها النفس والشيطان، بحيث يمنع النفس الأمارة بالسوء، والشيطان الذي يحسّن القبائح للإنسان؛ من السيطرة على قلب الإنسان ولبّه بحيث تكون الغلبة لهما.
فالأعمال التي تنفر منها النفوس، ويشق القيام بها عند بني الِإنسان، يقيم الله لها الدواعي التي تجعلها خفيفة على النفوس، تسعى إليها عن رضا وطواعية.
وهذا مهج بيّن لمن استقرأ نصوص الكتاب والسنّة، ولذلك وصف الله كتابه
بالتبشير والإنذار {قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} . (1)
ووصف رسوله صلى الله عليه وسلم بهاتين الصفتين: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (2).
(1) سورة الكهف / 2.
(2)
سورة الفتح / 8.