الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر فيه حديث أبي سعيد: "لقد كانت الصلاة تقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يتوضأ، ثم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطولها"(1).
وذكر حديث عند الله بن أبي أوفى (2): "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من الصلاة حتى لا يسمع وقع الأقدام"(3). أفيجوز لعلامة مفسِّر كالقرطبي -غفر الله له- بعد ذلك أن يقول: "إذا أحسّ برجل داخل في الركوع وهو إمام لم ينتظره، لأنه يخرج ركوعه بانتظاره عن كونه خالصا لله تعالى؟! "(4).
الغنيمة في الحرب والتجارة في الحج تنقصان الأجر
ونحن مع قولنا بصحة حج من قصد التجارة في الحجِّ والغنيمة في الحرب إلا أننا نوافق من قال بأن أجر هؤلاء أقلّ من أجر غيرهم ممن لم يشتغل بشيء من ذلك.
وهذا القول جاءت النصوص الصحيحة الصريحة التي لا تحتمل التأويل به، ففي الحديث:"ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم، ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم"(5).
وفي رواية: "ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجرهم، وما من غازية أو سرية تخفق أو تصاب إلا تم أجورهم"(6).
فهؤلاء بنصّ الحديث خارجون بنية خالصة، فقد صرح بأنهم غازون في سبيل
(1) رواه مسلم في صحيحه (انظره بشرح النووي (4/ 173).
(2)
هو عبد الله بن أبي أوفى: علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي، شهد بيعة الرضوان، وتوفي سنة (86 هـ)، بالكوفة، وهو آخر من توفي بها من الصحابة. راجع (تهذيب التهذيب 5/ 151)(خلاصة تذهيب الكمال 2/ 41).
(3)
رواه أبو داود (1/ 295).
(4)
تفسير القرطبي (5/ 180).
(5)
صحيح مسلم (انظر مسلم بشرح النووي 13/ 51).
(6)
المصدر السابق.
الله، وأخبر أن الذين نالوا شيئًا من الغنيمة ينقص أجرهم وثوابهم، ولا يبطل مطلقا، ذلك أن ما نالوه من غنيمة يعد ثوابا دنيويا عاجلا، وقد قال أحد الصحابة:"فمنَّا من مات ولم يأكل من أجره شيئًا، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهديها".
ولا تعارض بين ما دل عليه حديث مسلم من نقصان أجر الذين غنموا وحديث البخاري ومسلم: "انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي، فهو علي ضامن، أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة"(1).
أقول لا تعارض بينهما، لأن هذا الحديث دل على أحد أمرين لمن رجع من الغزو سالما ولم يقتل: الأجر، أو الغنيمة، وحديث مسلم السابق ذكر حالا ثالثة، وهي:
الغنيمة والأجر الناقص.
ولا نحتاج إلى تأويل ذلك لأن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لا يضرب بعضها ببعض، بل يصدق بعضها بعضا.
وقد فهم كثير من العلماء فهمنا هذا، فهذا الحافظ ابن رجب يقول:"إن خالط نيّة الجهاد مثلا نيّة، غير الرياء، مثل أخذ الأجرة للخدمة، أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة، نقص بذلك أجر جهادهم ولم يبطل بالكلية"(2).
وعلى ذلك تحمل النصوص الدالة على بطلان أجر من قصد شيئًا من الغنيمة، على أن هؤلاء لم يقصدوا الله بجهادهم، ولم يطلبوا ثوابه وإنما تمحض قصدهم لطلب الدنيا، وذلك كالحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم:"من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالا فله ما نوى"(3).
(1) انظر العدّة (5/ 505)، وفتح البارى (6/ 8).
(2)
الدين الخالص2/ 283.
(3)
رواه ابن حبان في صحيحه كذا في الترغيب والترهيب (2/ 299)، وانظر مجمع الفوائد وتخريجه (2/ 18).