المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النيّة شرعًا هل نقل الشارع النية من معناها اللغوي إلى معنى - مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين

[عمر سليمان الأشقر]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأولتحديدُ مَوضُوع البَحث

- ‌تعريف القصد

- ‌تعريف النيّة

- ‌الاشتقاق اللغوي:

- ‌النيَّة في الاصطلاح

- ‌1 - تعريف النية بالعزم والقصد:

- ‌2 - تعريف النية بأنَّها الإرادة:

- ‌3 - تعريف النيّة بالإِخلاص:

- ‌4 - تعريف النية بأنَّها عمل القلب ووجهته:

- ‌النيّة شرعًا

- ‌موقع النية من العلم والعمل

- ‌جنس النيّة في الموجودات

- ‌هل للإِنسان سلطان على نيّته وقصده

- ‌التكليف

- ‌مفهوم العبادة وحدودها

- ‌أصل العبادة ومبناها

- ‌العبادة في مصطلح الفقهاء

- ‌موضوع الرسالة

- ‌المبحث الثانيالأدلّة على أنّ المقاصدَ مُعتبرة في العبادات والتصرفات

- ‌أولاً: الأدلة القرآنية:

- ‌ثانيًا: الأحاديث النبوية:

- ‌ثالثا: القصد إلى الفعل أمر ضروري:

- ‌رابعًا: عدم اعتبار الشارع للأفعال التي وقعت من غير قصد:

- ‌خامسًا: النيّة سر العبودية وروحها:

- ‌سابعًا: تأثير النية فى الأعمال:

- ‌اعتراضات

- ‌المبحث الثالثفَضل المقَاصد وعظيم خَطرهَا

- ‌1 - يبلغ المرء بنيّته ما لا يبلغه بعمله:

- ‌2 - الخلود في الجنّة أو النّار بالنيّات:

- ‌3 - الأعمال البدنية قد تتوقف بخلاف النية:

- ‌4 - قاصد الفعل الخير يثاب وإن لم يصب المراد:

- ‌5 - اهتمام العلماء بأمر النيّات:

- ‌عَدْوه ربع العلم أو ثلثه أو نصفه:

- ‌هذا الحديث من جوامع الكلم:

- ‌البداءة به في المهمات:

- ‌6 - شرفت النيات بموجدها:

- ‌7 - العمل بغير نية كالجثة الهامدة التي لا روح فيها:

- ‌8 - النيّات تميز الأعمال:

- ‌9 - المحوِّل العجيب:

- ‌10 - النيّة عمل السر وعمل السر أفضل من عمل العلانية:

- ‌11 - تربية على اليقظة:

- ‌النية أفضل من العمل:

- ‌الباب الأولالنيات وما يتعلق بها من أحكام

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولمَحَلّ النِّية

- ‌مَحَلّ النِّيَّة

- ‌حكم التلفظ بالنية دون مواطأة القلب

- ‌مناقشة القفال:

- ‌مخالفة اللسان لما نواه في قلبه

- ‌الجهر بالنيّة

- ‌التلفظ بها همسًا

- ‌هل ينعقد العمل بالنيّة فحسب

- ‌القصد المجرد عن العمل

- ‌مراتب الإرادة

- ‌الإِرادة غير الجازمة

- ‌لم أثيب الهامّ بالحسنة ولم يُعاقب على الهم بالسيئة

- ‌الإِرادة الجازمة

- ‌الثاني: العزم على فعل من أفعال الجوارح:

- ‌أدلّة القائلين بالمؤاخذة

- ‌الفصل الثانيوَقت النّية

- ‌وقت النية في الطهارة

- ‌وقت النيّة في الصلاة

- ‌القول الأول: وجوب المقارنة تكبيرة الإحرام:

- ‌القول الثاني: جواز تقدّم النيّة على التكبير بزمن يسير:

- ‌القول الثالث: وجوب تقديم النية على التكبير:

- ‌تأخير النية

- ‌وقت نية الزكاة

- ‌وقت نيّة الصوم

- ‌تقديم النية في الصوم

- ‌تأخير النية في الصوم

- ‌1 - القضاء والكفارة:

- ‌2 - صوم رمضان:

- ‌الفريق الموجب للنية من الليل في صوم رمضان:

- ‌أدلتهم:

- ‌النيّة لكلّ يوم

- ‌حكم من ظهر له وجوب الصيام نهارا

- ‌الليل كله وقت للنية

- ‌3 - صوم النذر

- ‌4 - صوم النفل

- ‌المدى الذي يصح أن يحدث فيه النية من النهار:

- ‌شروط من أجاز صوم النفل بنية من النهار:

- ‌المقدار الذي يثاب عليه الناوي من النهار:

- ‌الفصل الثالثصفة النِّيَّة

- ‌تمهيد

- ‌صفة نيّة الطهارة

- ‌إذا نوى مطلق الطهارة:

- ‌إذا نوى الغسل أو الوضوء:

- ‌إذا نوى المتطهر رفع الحدث:

- ‌إذا نوى المتطهر الطهارة لأمر لا يستباح إلا بها:

- ‌إذا نوى ما تستحب له الطهارة:

- ‌إذا نوى ما لا تشرع الطهارة له:

- ‌إذا نوى من عليه أحداث رفع أحدها:

- ‌النية للتيمم

- ‌صفة النيّة في العبادات الواجبة

- ‌صفة النيّة في الزكاة والحج والعمرة

- ‌صفة النية في الصوم

- ‌صفة النيّة في الصلاة

- ‌نية الجماعة

- ‌نيّة القضاء والأداء

- ‌نية الجمع

- ‌صفة النية في النوافل

- ‌الاستحضار التفصيلي لأركان الصلاة

- ‌قول أعجب وأغرب

- ‌الفصل الرابعشروط النِّيَّة ومبطلاتها

- ‌الشرط الأولأهلية من صدرت عنه النية

- ‌الوضوء والغسل والتيمم من الكافر

- ‌الزكاة من أهل الذمة

- ‌غسل الزوجة الكتابية

- ‌القربات التي أداها المسلم حال كفره

- ‌العبادة من غير المميز

- ‌حج الصغير الذي لا يميز

- ‌نيّة الصبي المميز

- ‌الشرط الثانيالجزم والتنجيز وعدم التردد والتعليق

- ‌الشك

- ‌الشك بسبب عدم علمه بأمور تتعلق بالمنوي

- ‌اختلطت ثياب طاهرة بنجسة

- ‌الشك في الصلاة التي فاتته

- ‌صيام يوم الشك

- ‌صيام الأسير

- ‌الشك في أصل النية

- ‌التردد في العبادة

- ‌تعليق النية على المشيئة أو على حصول شيء ما

- ‌الشرط الثالث‌‌استصحاب حكم النية

- ‌استصحاب حكم النية

- ‌رفض النية

- ‌رفض النية بعد تمام العبادة:

- ‌رفض نية العبادة في أثنائها

- ‌قلب النية وتغييرها

- ‌أقسام النيّة التي قلبت

- ‌الأول: نفل فرض إلى فرض:

- ‌الثاني: نقل فرض إلى نفل:

- ‌الثالث: نقل نفل إلى فرض:

- ‌الرابع: نقل نفل إلى نفل:

- ‌تغيير النيَّة

- ‌المنفرد يصبح إماما

- ‌الإمام يصبح مأموما

- ‌المأموم يصبح منفردا

- ‌المنفرد يتحوّل إلى مأموم

- ‌تغيير نية القصر إلى إتمام

- ‌اختلاف نيّة الإمام والمأموم

- ‌الأدلة النقلية

- ‌الاستدلال بالقياس:

- ‌الشرط الرابععدم التشريك في النيّة

- ‌الشرط الخامسأن تتعلق النية بمكتسب للناوي

- ‌الشرط السادسقصد العبادة دفعة واحدة

- ‌الشرط السابعمقارنة النيّة للمنوي

- ‌الشرط الثامنالعلم بصفات المنوي

- ‌الغلط في تعيين المنوي

- ‌الفَصل الخامسالنيَابة في النيَّة

- ‌تمهيد:

- ‌أدلّة الذين منعوا مطلقا

- ‌أولا: النصوص التي تدل بعمومها على منع النيابة:

- ‌ثانيا: النصوص المصرّحة بمنع النيابة في بعض العبادات:

- ‌ثالثا: قالوا جواز النيابة فى العبادات تنافي الغرض من تشريعها:

- ‌المجيزون مطلقا

- ‌موقفهم من حجج المانعين:

- ‌أدلّة المجيزين للنيابة مطلقا أو في حال دون حال:

- ‌موقف المانعين للنيابة في العبادات من هذه النصوص الدالة على الجواز ومناقشتهم:

- ‌موقف الدين أجازوا النيابة في بعض العبادات من حجج المجيزين مطلقا:

- ‌تحرير محلّ النزاع

- ‌أولا: عبادات لا مجال للنيابة فيها:

- ‌ثانيا: الذين لا تجوز النيابة عنهم:

- ‌الرأي الراجح:

- ‌إهداء ثواب العبادة للأموات

- ‌حجج المانعين:

- ‌حجج المجيزين:

- ‌النظر في هذه الأدلة:

- ‌مَا يفتَقِر إلى النِّيَّة وَمَا لَا يفتقِر إليَهَا

- ‌إزالة النجاسات

- ‌الأحداث التي تنقض الطهارة

- ‌النيّة في الوضوء والغسل

- ‌أدلة القائلين بعدم الوجوب

- ‌1 - أن الماء مطهر بطبعه:

- ‌2 - أن المعتبر في الوضوء لا يتوقف على النَّية:

- ‌3 - الوضوء يتحقق المقصود منه بنفس وقوعه:

- ‌4 - الوضوء وسيلة لغيره، والوسائل لا تلزمها النية:

- ‌5 - الوضوء شرط والشروط لا تحتاج إلى نيّة:

- ‌6 - إطلاق النصوص:

- ‌7 - دليل النية ظني الثبوت ظني الدلالة:

- ‌مناقشة الحجج التي أوردوها

- ‌أدلة الموجبين

- ‌أولا: الأحاديث المبينة فضل المتوضىء والمغتسل:

- ‌ثانيا: نصوص زعموا أنها توجب النية في الوضوء:

- ‌ثالثا: القياس:

- ‌النيّة في التيمم

- ‌النيّة في الصلاة

- ‌النيّة في الزكاة

- ‌إذا تصدَّق بجميع ماله ولم ينو الزكاة:

- ‌صوم رمضان

- ‌النيّة في الحجّ والعمرة

- ‌النية في الاعتكاف

- ‌النية في الكفارات

- ‌النيّة لأعمال القلب

- ‌النيّة في الأقوال

- ‌السنة في التروك

- ‌حكم النيّة في العبادات

- ‌(ركن، أم شرط)

- ‌الباب الثانيالإخلاص

- ‌تمهيد

- ‌أهمية الغاية وعظيم خطرها

- ‌لا غنى للبشرية عن الغاية التي يرسمها الإِسلام

- ‌الدواعي الطبعية والدواعي الشرعية

- ‌الفصل الأولالغاية التي تتوجَّه إليها مقاصدُ المكلّفين

- ‌الغاية الواحدة في مصطلح القرآن هي الإخلاص

- ‌شدة الإخلاص وصعوبته

- ‌لماذا كان الله هو المقصود دون سواه

- ‌1 - الغاية التي ليس وراءها غاية:

- ‌2 - هو المستحقُّ لأن يقصد ويعبد:

- ‌3 - السعادة في قصده، والشقاء في توجيه القلوب إلى سواه:

- ‌4 - لا سبيل إلى تحرر النفس الِإنسانية إلاّ بتوجهها إليه:

- ‌5 - عنى الله عن العباد وإحسانه إليهم:

- ‌حكم الإِخلاص في العبادات

- ‌الفصل الثانيمفهومات خاطئة للإخلاص

- ‌1 - الِإخلاص والتجرد عن الِإرادة

- ‌هل يمكن العمل بدون إرادة:

- ‌الفناء الحق:

- ‌2 - التجرد عن الميول والنزعات الفطرية

- ‌محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الاتجاه:

- ‌سرّ المسألة:

- ‌3 - قصد النعيم الأخروي

- ‌تنوّع المقاصد الخيّرة

- ‌الفصل الثّالِث المقاصد السَّيّئة

- ‌أولاً: اتباع الهوى

- ‌تعريف الهوى وبيان نتائجه وآثاره:

- ‌علاج الهوى

- ‌1 - تحويل الاتجاه:

- ‌2 - تقوية الإرادة:

- ‌3 - إحياء واعظ الله في قلوبنا:

- ‌4 - محاسبة العبد نفسه:

- ‌ثانيًا: الرياء

- ‌ومن النصوص القرآنية التي تتوعّد المرائين:

- ‌تعريف الرياء

- ‌الرياء لغة:

- ‌الرياء شرعًا:

- ‌الرياء والسمعة:

- ‌الرياء والعجب:

- ‌أسباب الرياء

- ‌الأمور التي يراءى بها

- ‌حكم العمل المراءى به

- ‌مناقشة ما احتج به أصحاب هذا المذهب:

- ‌شبهة وجوابها:

- ‌تحقيق القول في قصد المكلف المصالح التي أقر الشارع قصدها بالعبادة:

- ‌الغنيمة في الحرب والتجارة في الحج تنقصان الأجر

- ‌الرياء بأوصاف العبادة

- ‌خفاء الرياء وتلونه

- ‌مزلق خطر

- ‌ترك العمل خوف الرياء

- ‌1 - الاستعانة بالله على الإخلاص والتعوذ به من الرياء ومراقبته:

- ‌2 - معرفة الرياء والتحرز منه:

- ‌3 - النظر في عاقبة الرياء في الدنيا:

- ‌4 - النظر في عواقبه الأخروية:

- ‌5 - إخفاء العبادة وإسرارها:

- ‌علامات القائم بالإِخلاص

- ‌ثالثا: التعبد بقصد الاطلاع على العوالم المغيبة

- ‌اعتراضات

- ‌رابعا: الهروب من العبادة

- ‌الأمر الضابط لمقاصد المكلفين

- ‌الفصل الرابع تأثيرُ القَصْد في الأفعال

- ‌تأثير النيّة في المباحات

- ‌التوفيق بين الرأيين:

- ‌استحضار النية عند المباح:

- ‌تأثير النيّة في الأفعال المحرّمة

- ‌الفرقة الأولى:

- ‌الفرقة الثانية:

- ‌الفرقة الثالثة:

- ‌التقرب إلى الله بالعبادات المبتدعة

- ‌خاتمة القول

- ‌مُلحَقإيضاحات مهمة تتعلق بحديث "إنمّا الأعمال بالنيّات

- ‌تمهيد:

- ‌الألفاظ التي وردت بها روايات الحديث

- ‌سبب الحديث

- ‌إشكال يرد على الحديث باعتبار سببه

- ‌كتب السنة التي أخرجته

- ‌هل أخرجه مالك في الموطأ:

- ‌طرق الحديث

- ‌مخطط يوضح طرق الحديث في كتب السنة

- ‌إشكالات أوردت على الحديث

- ‌1 - تضعيف الحديث لكونه غريبًا:

- ‌2 - أنّه حديث شاذ:

- ‌3 - أن فيه انقطاعا:

- ‌4 - أنه ليس حديثا فردًا:

- ‌5 - أنه متواتر:

- ‌قائمة المراجع

الفصل: ‌ ‌النيّة شرعًا هل نقل الشارع النية من معناها اللغوي إلى معنى

‌النيّة شرعًا

هل نقل الشارع النية من معناها اللغوي إلى معنى شرعي يخصها؟ يجيب جماهير العلماء بالإيجاب.

فالقاضي البيضاوي رحمه الله يعرِّف النية لغة، ثم يقول:"والشرع خصّها بالِإرادة والتوجه نحو الفعل ابتغاء لوجه الله -تعالى- وامتثالا لحكمه"، ثمَّ يقول:"والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي".

وهذا الذي ذهب إليه القاضي البيضاوي تابعه عليه أكثر العلماء من بعده ناقلين ومقررين له (1).

ومن حق الباحث أن يسأل عن المعنى الذي نقل إليه اللفظ.

وأستطيع أن أقرر بعد التأمل في التعريفات التي أوردوها أنَّ لهم في هذا مذهبين:

الأول: يقول "إنَّ المصطلح الشرعي للنية "قصد الشيء مقترنا بفعله" (2)، فهؤلاء يرون أنَّ النية في اللغة تطلق على القصد المقارن للفعل المتحقق، وعلى قصد الفعل الذي سيكون مستقبلا، فجاء الشارع وخصَّ النيَّة بالقصد المقترن بالفعل. وقد سبق أن بينت أنَّ الذين قالوا بهذا القول ليس لهم دليل يعضد

(1) من الذين تابعوا القاضي البيضاوي على قوله ابن حجر العسقلاني والمناوي والسيوطي، والكرماني، والسندي، والشوكاني، وصاحب دليل الفالحين والطيبي، وصاحب التوضيح من الحنابلة.

راجع: الفتح (1/ 13)، وفيض القدير (1/ 30)، ونيل الأوطار (1/ 148)، والكرماني على البخاري (1/ 18)، وحاشية السندي على النسائي (1/ 59)، والأشباه والنظائر للسيوطي (ص 30)، والتوضيح (ص25)، ودليل الفالحين (1/ 52).

(2)

القسطلاني على البخاري (1/ 52).

ص: 32

مذهبهم، ويبدو أنَّ الذي ألجأهم إلى القول بذلك ما قام في نفوسهم من وجوب اقتران النيَّة بالعمل، وهو مذهب بعض العلماء في الصلاة والزكاة والحج

، فلما تقرَّر ذلك عندهم مذهبا وطريقا عمموا ذلك، وقالوا: لا بدَّ للنيّة -في اصطلاح الشرع- من أن تقترن بالفعل وإلا لم تكن نيَّة. وسيأتي تحقيق القول في هذه المسألة، وحسبنا أن نعلم هنا أن ما قرروه ليس أمرا اتفاقيا بل مختلف فيه.

الثاني: أنَّ النيَّة في اللغة شاملة لقصد الفعل ابتغاء وجه الله، أو لمنفعة دنيوية وعرض زائل، فخصصها الشارع بالتوجه نحو الفعل ابتغاء مرضاة الله، وهذا يشعر به كلام القاضي البيضاوي ومن تابعه.

وما ذهبوا إليه هنا يحتاج إلى نظر وتأمل، فالنية كما قرروا فعل من أفعال القلوب، وأفعال القلوب كأفعال الجوارح لم ينقل الشارع مسمّاها عن الاسم اللغوي إذا قصد بها وجه الله تعالى. لم ينقل الشارع حركة البدن بالسجود لله عن مسمّاها بالسجود للصنم، بل الكلّ سجود.

ولم ينقل حركته بالطواف لله عن مسمّاه بالطواف للصنم، بل الكلّ باق على مسماه اللغوي.

كل ما يمكن أن نقوله: السجود والطواف لله مأمور بهما، والسجود لغير الله والطواف بصنم منهيّ عنهما، وكذلك بالنسبة للنية التي هي حركة القلب وانبعاثه فإنها باقية على مسمّاها اللغوي لم ينقلها الشرع ولا خصصها، بل بين أن ما كان منها لله فهي المطلوبة المحبوبة، وما كان منها رياء وسمعة فهي مكروهة ممقوتة، وقد تنبَّه إلى هذا الصنعاني (1) ورجحه (2). ومما يؤيد هذا القول أن الذين قالوا بأنَّ

(1) هو محمد بن إسماعيل بن صلاح الصنعاني المعروف بالأمير، محدث فقيه أصولي متكلم من أئمة اليمن، له (سبل السلام شرح بلوغ المرام)، (والعدة) حاشية علي (إحكام الأحكام لابن دقيق العيد)، ولد عام (1099 هـ)، وتوفي عام 1182 هـ.

(معجم المؤلفين 9/ 56)، (الأعلام 6/ 263).

(2)

العدة علي إحكام الأحكام (1/ 57).

ص: 33

للنية معنى شرعيا غير المعنى اللغوي -عندما فسّروا لفظ "النية" التي وردت في الأحاديث- لم يستطيعوا أن يحملوها على المعني الشرعي الذي افترضوه، بل حملوها على المعنى اللغوي، يقول القاضي البيضاوي عند تفسيره لحديث "إنَّما الأعمال بالنيّات" (1):"والنيَّة في الحديث محمولة على المعنى اللغوي، ليحسن تطبيقه على ما بعده"(2).

وهذا متحتم في كل الأحاديث التي ورد فيها لفظ النية (3)، كحديث "إنَّما يبعث المقتولون على نيّاتهم"(4).

وحديث: "ربَّ قتيل بين الصفين الله أعلم بنيَّته"(5).

وحديث: "من غزا ولا ينوي إلَاّ عقالا فله نيته"(6).

ولا يمكن حمل هذه الأحاديث على المعنى الشرعي الذي فرضوه، بل إنَّ هؤلاء أنفسهم حملوها على المعنى اللغوي، فالصواب -إن شاء الله تعالى- أنَّ الشارع استعمل "النيَّة" في معناها اللغوي، ولم يضع لها معنى اصطلاحيا خاصا.

وقد نص على هذا التحقيق الذي قررناه هنا أحمد الحسيني (7) من المتأخرين قال: "قول الفقهاء في تعريف النية: هي القصد، وشرعا قصد الشيء مقترنا بفعله، ليس المراد منه أنَّ هذا المعنى "القصد" خاص باللغة، وليس مستعملا في

(1) رواه البخاري ومسلم وغيرهما وانظر تخريجه في ملحق الكتاب. ص 519

(2)

ذكر قبل قليل من خرج هذا القول، باستيعاب ص 32.

(3)

إعمال الفكر والروايات (ص 4)، وقد انتصر المؤلف لهذا القول وأطال الكلام عليه.

(4)

صحيح البخاري (كتاب الصوم 6)، في صحيح مسلم (فتن 8)، الترمذي (فتن 10)، ابن ماجه (فتن 30، زهد 26).

(5)

مسند أحمد (1/ 397).

(6)

رواه أحمد في مسنده، (5/ 135، 320، 329)، والدارمي (جهاد 23).

(7)

هو أحمد بن أحمد بن يوسف الحسيني، محام من فقهاء الشافعية ولد وتوفي بالقاهرة (1271 - 1332 هـ)، له كتاب (مرشد الأنام)، شرح فيه قسم العبادات من كتاب الأم في (24 مجلدا)، وله كتب كثيرة غيره، منها:(نهاية الإحكام في بيان ما للنية من أحكام). (الأعلام 1/ 90)، معجم المؤلفين 1/ 157).

ص: 34

الشرع، بل هو مستعمل فيه، فكثيرا ما يستعمل لفظ النيّة في لسان الشرع مرادا منه القصد، كقولهم: تجب نيّة الصوم، فالنيّة فيه بمعنى قصد الصيام قبل دخول وقته الذي أوله طلوع الفجر، وهو العزم الذي هو أحد نوعي القصد الذي هو بمعنى النيَّة، فهذا المعنى شرعيّ أيضا" (1).

ثم بين أن المعنى الشرعي هو المعنى اللغوي وليس مختصا بالشرع، قال:"قولهم: وشرعا قصد الشيء مقترنا بفعله؛ ليس المراد منه أنَّ هذا المعنى غير لغوي، كيف وهو أحد نوعي القصد المتقدم، وكثيرا ما تستعمل العرب لفظ النيّة مرادا به المعنى المذكور"(2).

ثم يقرر بوضوح لا لبس فيه ما توصلنا إليه في ما سلف فيقول: "فهو "أي المعنى الشرعي"، لغوي وليس معنى جديدا مخترعا شرعا، وإنَّما نسبته إلى الشرع من حيث إنه معتبر في جميع أنواع العبادات ما عدا الصيام

" (3).

(1) نهاية الإحكام (ص 8، 9).

(2)

نهاية الإحكام (ص 8، 9).

(3)

المصدر السابق.

ص: 35