الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القصد المجرد عن العمل
مما له علاقة بهذا الفصل المقاصد التي بقيت حبيسة في الصدور سواء أكانت خيرة أم شريرة، ما حكمها؟ وهل يثاب ويعاقب صاحبها؟
مراتب الإرادة
القصد نوع من الإرادة، والإِرادة مراتب متفاوتة، وهكذا كل صفة من صفات الحي، فالعلم مراتب: الشك، ثمّ الظنّ، ثمّ اليقين ومراتبه.
وقد قسّم ابن أبي جمرة الوارد على القلب إلى ست مراتب: الهمَّة، ثم اللمة، ثم الخطرة، ثم النية، ثم الإرادة، ثم العزيمة، وهذا التقسيم غير مرتضى:
1 -
لأنَّ الخطرة في الحقيقة أقلّ مرتبة من الهمّة، فالخاطر يمر في الذهن مرورا عابرا، ولا يتوقف، أما الهمّ فإنه يتردَّد في النفس.
2 -
لأنَّه جعل الِإرادة مرتبة من المراتب، وارتأى أنها أعلى من النية، والحق أن الإرادة جنس للهمِّ والخاطر والنيّة.
3 -
لأنه جعل العزم في مرتبة أعلى من النيَّة، وليس الأمركذلك، فقد حققنا من قبل أنَّ النية جزم الإرادة، فعلى ذلك النيّة والعزم في درجة واحدة، بل يرى كثير من العلماء أن النيّة أعلى رتبة من العزم كما سبق بيانه.
والترتيب الذي نختاره هو ذلك الترتيب الذي وضعه السبكي، فقد قسَّم ما يقع في النفس إلى خمس مراتب، وقد رتبها ترتيبا تصاعديا:
الأول: الهاجس: وهو أضعف هذه المراتب، وهو ما يلقى في النفس.
الثاني: الخاطر: وهو ما يجري في النفس ثم يذهب في الحال بلا تردد.
الثالث: حديث النفس: وهو ما يقع من التردد، هل يفعك أم لا؟ فمرة يميل إلى الفعل، وأخرى ينفر عنه، ولا يستقر على حال.
الرابع: الهمُّ: وهو أن يميل إلى الفعل، ولا ينفر عنه، لكنّه لا يصمم على فعله، وقد عرّفه ابن حجر العسقلاني بأنَّه "ترجيح قصد الفعل"(1).
الخامس: العزم: وهو أن يميل إلى الفعل، ولا ينفر مه، بل يصمِّم عليه، وهو قوة ذلك القصد، والجزم به ومنتهى الهم (2).
وهذا التفاوت في مراتب الإرادة يلزم الباحث بألا يعطي حكما واحدا لكلِّ أنواع الإِرادة التى لم تتمثل في قول أو عمل، لاختلافها قوة وضعفا، إلا أنَّنا سنكتفي بتقسيم هذه المراتب إلى قسمين، جاعلين الفيصل في هذا التقسيم هو الجزم في الإرادة والتصميم على الفعل أو عدم ذلك، وحسب هذا التقسيم تدخل المراتب الأربع الأولى التي ذكرها السبكي في القسم الأول الذي لا تصميم فيه، بينما يشتمل القسم الثاني على المرتبة الخامسة فقط وهي العزم.
(1) فتح الباري (11/ 323).
(2)
الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 33)، فتح الباري (11/ 327)، ولم يذكر في الفتح المرتبة الثانية.