الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهر بالنيّة
الجهر بالنيّة لا يجب ولا يستحب باتفاق علماء المسلمين، بل الجاهر بالنية مبتدع مخالف للشريعة، وإذا فعل ذلك معتقدا أنَّه من الشرع فهو جاهل ضال، يستحق التعزير وإلا فالعقوبة على ذلك، إذا أصرَّ عليه بعد التعريف والبيان له، لا سيما إذا آذى من إلى جنبه برفع صوته، أو كرّر ذلك مرة بعد مرة.
وقد أفتى غير واحد من علماء المسلمين بذلك، فمنهم قاضي القضاة جمال الدين أبو الربيع سليمان بن عمر (1) الشافعي قال "الجهر بالنية وبالقراءة خلف الإِمام ليس من السنة، بل مكروه. فإن حصل به تشويش على الصلين فحرام، ومن قال بأنَّ الجهر بلفظ النية من السنة فهو مخطىء، ولا يحلّ له ولا لغيره أن يقول في دين الله تعالى بغير علم".
ومنهم أبو عبد الله محمد بن القاسم التونسي المالكي، قال:"النيّة من أعمال القلوب فالجهر بها بدعة مع ما في ذلك من التشويش على النّاس".
ومنهم الشيخ علاء الدين بن العطار عفا الله عنه قال: "ورفع الصوت بالنية مع التشويش على المصلين حرام إجماعًا، ومع عدمه بدعة قبيحة، فإن قصد به الرياء كان حراما من وجهين كبيرة من الكبائر، والمُنكر على من قال بأن ذلك من السنة مصيب، ومصوّبه مخطىء. ونسبته إلى دين الله اعتقادا كفر، وغير اعتقاد معصية. ويجب على كل مؤمن تمكَّن من زجره زجره، ومنعه وردعه، ولم ينقل هذا النقل
(1) هو أبو الربيع سليمان بن عمر الشافعي، من فقهاء الشافعية، أصله من المغرب، ولد بأذرعات قرب الشام سنة (645 هـ)، وتعلم بدمشق، وولي القضاء في أكثر من مكان، توفي في مصر سنة (734 هـ).
راجع: (الأعلام 3/ 194).
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد ممن يقتدى به من علماء الِإسلام".
ومنهم الشيخ العلَّامة أبو عبد الله محمد بن الحريري الأنصاري، قال في هذه المسألة:
"ما كان النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه رضي الله عنهم، ولا أحد من الأئمة الأربعة ولا علماء المسلمين يفعل مثل ذلك
…
، فإن زعم الفاعل لذلك أن هذا هو دين الله تعالى فقد كذب على الله تعالى، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدخل في دين الله ما ليس منه، يستتاب بعد التعريف وتزاح عنه الشبهة التي عرضت له، فإن تاب وإلّا قتل بذلك".
والمتأمل في هذه النقول (1) يعرف أنها تتحدَّث عن مقولة صدرت من أحد أهل العلم في زمن هؤلاء الأعلام فأعظموا عليه النكير.
وأنا وأن كنت لا أوافق هؤلاء الأفاضل على أنَّ القول بذلك يستوجب القتل وإن كان يستحق التعزير إذا أصرَّ على قولته، إلاّ أنّ فتاويهم هذه تدلّ بوضوح على أن هذه القولة بعيدة جدًّا عن تعاليم الِإسلام.
(1) انظر هذه النقول في مجموعة الرسائل الكبرى (1/ 254 - 257).