المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقف المانعين للنيابة في العبادات من هذه النصوص الدالة على الجواز ومناقشتهم: - مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين

[عمر سليمان الأشقر]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأولتحديدُ مَوضُوع البَحث

- ‌تعريف القصد

- ‌تعريف النيّة

- ‌الاشتقاق اللغوي:

- ‌النيَّة في الاصطلاح

- ‌1 - تعريف النية بالعزم والقصد:

- ‌2 - تعريف النية بأنَّها الإرادة:

- ‌3 - تعريف النيّة بالإِخلاص:

- ‌4 - تعريف النية بأنَّها عمل القلب ووجهته:

- ‌النيّة شرعًا

- ‌موقع النية من العلم والعمل

- ‌جنس النيّة في الموجودات

- ‌هل للإِنسان سلطان على نيّته وقصده

- ‌التكليف

- ‌مفهوم العبادة وحدودها

- ‌أصل العبادة ومبناها

- ‌العبادة في مصطلح الفقهاء

- ‌موضوع الرسالة

- ‌المبحث الثانيالأدلّة على أنّ المقاصدَ مُعتبرة في العبادات والتصرفات

- ‌أولاً: الأدلة القرآنية:

- ‌ثانيًا: الأحاديث النبوية:

- ‌ثالثا: القصد إلى الفعل أمر ضروري:

- ‌رابعًا: عدم اعتبار الشارع للأفعال التي وقعت من غير قصد:

- ‌خامسًا: النيّة سر العبودية وروحها:

- ‌سابعًا: تأثير النية فى الأعمال:

- ‌اعتراضات

- ‌المبحث الثالثفَضل المقَاصد وعظيم خَطرهَا

- ‌1 - يبلغ المرء بنيّته ما لا يبلغه بعمله:

- ‌2 - الخلود في الجنّة أو النّار بالنيّات:

- ‌3 - الأعمال البدنية قد تتوقف بخلاف النية:

- ‌4 - قاصد الفعل الخير يثاب وإن لم يصب المراد:

- ‌5 - اهتمام العلماء بأمر النيّات:

- ‌عَدْوه ربع العلم أو ثلثه أو نصفه:

- ‌هذا الحديث من جوامع الكلم:

- ‌البداءة به في المهمات:

- ‌6 - شرفت النيات بموجدها:

- ‌7 - العمل بغير نية كالجثة الهامدة التي لا روح فيها:

- ‌8 - النيّات تميز الأعمال:

- ‌9 - المحوِّل العجيب:

- ‌10 - النيّة عمل السر وعمل السر أفضل من عمل العلانية:

- ‌11 - تربية على اليقظة:

- ‌النية أفضل من العمل:

- ‌الباب الأولالنيات وما يتعلق بها من أحكام

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولمَحَلّ النِّية

- ‌مَحَلّ النِّيَّة

- ‌حكم التلفظ بالنية دون مواطأة القلب

- ‌مناقشة القفال:

- ‌مخالفة اللسان لما نواه في قلبه

- ‌الجهر بالنيّة

- ‌التلفظ بها همسًا

- ‌هل ينعقد العمل بالنيّة فحسب

- ‌القصد المجرد عن العمل

- ‌مراتب الإرادة

- ‌الإِرادة غير الجازمة

- ‌لم أثيب الهامّ بالحسنة ولم يُعاقب على الهم بالسيئة

- ‌الإِرادة الجازمة

- ‌الثاني: العزم على فعل من أفعال الجوارح:

- ‌أدلّة القائلين بالمؤاخذة

- ‌الفصل الثانيوَقت النّية

- ‌وقت النية في الطهارة

- ‌وقت النيّة في الصلاة

- ‌القول الأول: وجوب المقارنة تكبيرة الإحرام:

- ‌القول الثاني: جواز تقدّم النيّة على التكبير بزمن يسير:

- ‌القول الثالث: وجوب تقديم النية على التكبير:

- ‌تأخير النية

- ‌وقت نية الزكاة

- ‌وقت نيّة الصوم

- ‌تقديم النية في الصوم

- ‌تأخير النية في الصوم

- ‌1 - القضاء والكفارة:

- ‌2 - صوم رمضان:

- ‌الفريق الموجب للنية من الليل في صوم رمضان:

- ‌أدلتهم:

- ‌النيّة لكلّ يوم

- ‌حكم من ظهر له وجوب الصيام نهارا

- ‌الليل كله وقت للنية

- ‌3 - صوم النذر

- ‌4 - صوم النفل

- ‌المدى الذي يصح أن يحدث فيه النية من النهار:

- ‌شروط من أجاز صوم النفل بنية من النهار:

- ‌المقدار الذي يثاب عليه الناوي من النهار:

- ‌الفصل الثالثصفة النِّيَّة

- ‌تمهيد

- ‌صفة نيّة الطهارة

- ‌إذا نوى مطلق الطهارة:

- ‌إذا نوى الغسل أو الوضوء:

- ‌إذا نوى المتطهر رفع الحدث:

- ‌إذا نوى المتطهر الطهارة لأمر لا يستباح إلا بها:

- ‌إذا نوى ما تستحب له الطهارة:

- ‌إذا نوى ما لا تشرع الطهارة له:

- ‌إذا نوى من عليه أحداث رفع أحدها:

- ‌النية للتيمم

- ‌صفة النيّة في العبادات الواجبة

- ‌صفة النيّة في الزكاة والحج والعمرة

- ‌صفة النية في الصوم

- ‌صفة النيّة في الصلاة

- ‌نية الجماعة

- ‌نيّة القضاء والأداء

- ‌نية الجمع

- ‌صفة النية في النوافل

- ‌الاستحضار التفصيلي لأركان الصلاة

- ‌قول أعجب وأغرب

- ‌الفصل الرابعشروط النِّيَّة ومبطلاتها

- ‌الشرط الأولأهلية من صدرت عنه النية

- ‌الوضوء والغسل والتيمم من الكافر

- ‌الزكاة من أهل الذمة

- ‌غسل الزوجة الكتابية

- ‌القربات التي أداها المسلم حال كفره

- ‌العبادة من غير المميز

- ‌حج الصغير الذي لا يميز

- ‌نيّة الصبي المميز

- ‌الشرط الثانيالجزم والتنجيز وعدم التردد والتعليق

- ‌الشك

- ‌الشك بسبب عدم علمه بأمور تتعلق بالمنوي

- ‌اختلطت ثياب طاهرة بنجسة

- ‌الشك في الصلاة التي فاتته

- ‌صيام يوم الشك

- ‌صيام الأسير

- ‌الشك في أصل النية

- ‌التردد في العبادة

- ‌تعليق النية على المشيئة أو على حصول شيء ما

- ‌الشرط الثالث‌‌استصحاب حكم النية

- ‌استصحاب حكم النية

- ‌رفض النية

- ‌رفض النية بعد تمام العبادة:

- ‌رفض نية العبادة في أثنائها

- ‌قلب النية وتغييرها

- ‌أقسام النيّة التي قلبت

- ‌الأول: نفل فرض إلى فرض:

- ‌الثاني: نقل فرض إلى نفل:

- ‌الثالث: نقل نفل إلى فرض:

- ‌الرابع: نقل نفل إلى نفل:

- ‌تغيير النيَّة

- ‌المنفرد يصبح إماما

- ‌الإمام يصبح مأموما

- ‌المأموم يصبح منفردا

- ‌المنفرد يتحوّل إلى مأموم

- ‌تغيير نية القصر إلى إتمام

- ‌اختلاف نيّة الإمام والمأموم

- ‌الأدلة النقلية

- ‌الاستدلال بالقياس:

- ‌الشرط الرابععدم التشريك في النيّة

- ‌الشرط الخامسأن تتعلق النية بمكتسب للناوي

- ‌الشرط السادسقصد العبادة دفعة واحدة

- ‌الشرط السابعمقارنة النيّة للمنوي

- ‌الشرط الثامنالعلم بصفات المنوي

- ‌الغلط في تعيين المنوي

- ‌الفَصل الخامسالنيَابة في النيَّة

- ‌تمهيد:

- ‌أدلّة الذين منعوا مطلقا

- ‌أولا: النصوص التي تدل بعمومها على منع النيابة:

- ‌ثانيا: النصوص المصرّحة بمنع النيابة في بعض العبادات:

- ‌ثالثا: قالوا جواز النيابة فى العبادات تنافي الغرض من تشريعها:

- ‌المجيزون مطلقا

- ‌موقفهم من حجج المانعين:

- ‌أدلّة المجيزين للنيابة مطلقا أو في حال دون حال:

- ‌موقف المانعين للنيابة في العبادات من هذه النصوص الدالة على الجواز ومناقشتهم:

- ‌موقف الدين أجازوا النيابة في بعض العبادات من حجج المجيزين مطلقا:

- ‌تحرير محلّ النزاع

- ‌أولا: عبادات لا مجال للنيابة فيها:

- ‌ثانيا: الذين لا تجوز النيابة عنهم:

- ‌الرأي الراجح:

- ‌إهداء ثواب العبادة للأموات

- ‌حجج المانعين:

- ‌حجج المجيزين:

- ‌النظر في هذه الأدلة:

- ‌مَا يفتَقِر إلى النِّيَّة وَمَا لَا يفتقِر إليَهَا

- ‌إزالة النجاسات

- ‌الأحداث التي تنقض الطهارة

- ‌النيّة في الوضوء والغسل

- ‌أدلة القائلين بعدم الوجوب

- ‌1 - أن الماء مطهر بطبعه:

- ‌2 - أن المعتبر في الوضوء لا يتوقف على النَّية:

- ‌3 - الوضوء يتحقق المقصود منه بنفس وقوعه:

- ‌4 - الوضوء وسيلة لغيره، والوسائل لا تلزمها النية:

- ‌5 - الوضوء شرط والشروط لا تحتاج إلى نيّة:

- ‌6 - إطلاق النصوص:

- ‌7 - دليل النية ظني الثبوت ظني الدلالة:

- ‌مناقشة الحجج التي أوردوها

- ‌أدلة الموجبين

- ‌أولا: الأحاديث المبينة فضل المتوضىء والمغتسل:

- ‌ثانيا: نصوص زعموا أنها توجب النية في الوضوء:

- ‌ثالثا: القياس:

- ‌النيّة في التيمم

- ‌النيّة في الصلاة

- ‌النيّة في الزكاة

- ‌إذا تصدَّق بجميع ماله ولم ينو الزكاة:

- ‌صوم رمضان

- ‌النيّة في الحجّ والعمرة

- ‌النية في الاعتكاف

- ‌النية في الكفارات

- ‌النيّة لأعمال القلب

- ‌النيّة في الأقوال

- ‌السنة في التروك

- ‌حكم النيّة في العبادات

- ‌(ركن، أم شرط)

- ‌الباب الثانيالإخلاص

- ‌تمهيد

- ‌أهمية الغاية وعظيم خطرها

- ‌لا غنى للبشرية عن الغاية التي يرسمها الإِسلام

- ‌الدواعي الطبعية والدواعي الشرعية

- ‌الفصل الأولالغاية التي تتوجَّه إليها مقاصدُ المكلّفين

- ‌الغاية الواحدة في مصطلح القرآن هي الإخلاص

- ‌شدة الإخلاص وصعوبته

- ‌لماذا كان الله هو المقصود دون سواه

- ‌1 - الغاية التي ليس وراءها غاية:

- ‌2 - هو المستحقُّ لأن يقصد ويعبد:

- ‌3 - السعادة في قصده، والشقاء في توجيه القلوب إلى سواه:

- ‌4 - لا سبيل إلى تحرر النفس الِإنسانية إلاّ بتوجهها إليه:

- ‌5 - عنى الله عن العباد وإحسانه إليهم:

- ‌حكم الإِخلاص في العبادات

- ‌الفصل الثانيمفهومات خاطئة للإخلاص

- ‌1 - الِإخلاص والتجرد عن الِإرادة

- ‌هل يمكن العمل بدون إرادة:

- ‌الفناء الحق:

- ‌2 - التجرد عن الميول والنزعات الفطرية

- ‌محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الاتجاه:

- ‌سرّ المسألة:

- ‌3 - قصد النعيم الأخروي

- ‌تنوّع المقاصد الخيّرة

- ‌الفصل الثّالِث المقاصد السَّيّئة

- ‌أولاً: اتباع الهوى

- ‌تعريف الهوى وبيان نتائجه وآثاره:

- ‌علاج الهوى

- ‌1 - تحويل الاتجاه:

- ‌2 - تقوية الإرادة:

- ‌3 - إحياء واعظ الله في قلوبنا:

- ‌4 - محاسبة العبد نفسه:

- ‌ثانيًا: الرياء

- ‌ومن النصوص القرآنية التي تتوعّد المرائين:

- ‌تعريف الرياء

- ‌الرياء لغة:

- ‌الرياء شرعًا:

- ‌الرياء والسمعة:

- ‌الرياء والعجب:

- ‌أسباب الرياء

- ‌الأمور التي يراءى بها

- ‌حكم العمل المراءى به

- ‌مناقشة ما احتج به أصحاب هذا المذهب:

- ‌شبهة وجوابها:

- ‌تحقيق القول في قصد المكلف المصالح التي أقر الشارع قصدها بالعبادة:

- ‌الغنيمة في الحرب والتجارة في الحج تنقصان الأجر

- ‌الرياء بأوصاف العبادة

- ‌خفاء الرياء وتلونه

- ‌مزلق خطر

- ‌ترك العمل خوف الرياء

- ‌1 - الاستعانة بالله على الإخلاص والتعوذ به من الرياء ومراقبته:

- ‌2 - معرفة الرياء والتحرز منه:

- ‌3 - النظر في عاقبة الرياء في الدنيا:

- ‌4 - النظر في عواقبه الأخروية:

- ‌5 - إخفاء العبادة وإسرارها:

- ‌علامات القائم بالإِخلاص

- ‌ثالثا: التعبد بقصد الاطلاع على العوالم المغيبة

- ‌اعتراضات

- ‌رابعا: الهروب من العبادة

- ‌الأمر الضابط لمقاصد المكلفين

- ‌الفصل الرابع تأثيرُ القَصْد في الأفعال

- ‌تأثير النيّة في المباحات

- ‌التوفيق بين الرأيين:

- ‌استحضار النية عند المباح:

- ‌تأثير النيّة في الأفعال المحرّمة

- ‌الفرقة الأولى:

- ‌الفرقة الثانية:

- ‌الفرقة الثالثة:

- ‌التقرب إلى الله بالعبادات المبتدعة

- ‌خاتمة القول

- ‌مُلحَقإيضاحات مهمة تتعلق بحديث "إنمّا الأعمال بالنيّات

- ‌تمهيد:

- ‌الألفاظ التي وردت بها روايات الحديث

- ‌سبب الحديث

- ‌إشكال يرد على الحديث باعتبار سببه

- ‌كتب السنة التي أخرجته

- ‌هل أخرجه مالك في الموطأ:

- ‌طرق الحديث

- ‌مخطط يوضح طرق الحديث في كتب السنة

- ‌إشكالات أوردت على الحديث

- ‌1 - تضعيف الحديث لكونه غريبًا:

- ‌2 - أنّه حديث شاذ:

- ‌3 - أن فيه انقطاعا:

- ‌4 - أنه ليس حديثا فردًا:

- ‌5 - أنه متواتر:

- ‌قائمة المراجع

الفصل: ‌موقف المانعين للنيابة في العبادات من هذه النصوص الدالة على الجواز ومناقشتهم:

7 -

حديث ابن عباس أيضا، أنَّ سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن أمي ماتت وعيها نذر؟ فقال: اقضه عنها"(1).

‌موقف المانعين للنيابة في العبادات من هذه النصوص الدالة على الجواز ومناقشتهم:

أولا: تضعيف هذه النصوص:

قالوا يدلّ على ضعفها اضطرابها، ففي بعض الروايات أن الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم رجل، وفي رواية امرأة، وفي رواية أنَّ المسؤول عن الصيام عنه أب، وفي رواية أم، وفي رواية أخت، والمسؤول فيه في رواية حجّ، وفي أخرى صوم (2). وحسبنا في الردِّ عليهم أن هذه التي قالوا: إنها مضطربة، اتفق على إخراجها البخاري ومسلم.

وقد حقَّق العلماء، أنَّ هذا الاضطراب غير قادح، لأنّه من باب اختلاف الوقائع، بل فى بعض الروايات توضيح لذلك، كتلك الرواية التي أخرجها مسلم، وقد سألت المرأة الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحجّ عن أمها، والصيام عنها.

ثم توجد نصوص من تلك الأحاديث لا اضطراب فيها. وضعفوها أيضا من جهة مخالفة الرواة لها "عائشة وابن عباس" بفتواهما، وهذا غير قادح، لأن الحجَّة بما رواياه.

ثانيا: جعل الشاطبي عدم أخذ العلماء بهذه الأحاديث أو ببعضها دليلا على ضعف الأخذ بها في النظر، ومما ضعّفها في نظره، أنها تدلّ على جواز النيابة في الحجّ، والحجّ يشتمل على ركعتي الطواف، وقد أجمع العلماء على عدم جواز

(1) متفق عليه.

(2)

الموافقات (2/ 74).

ص: 274

النيابة في الصلاة (1). وهذا الذي ذكره لا يوجب ضعف هذه الأحاديث، إذ ليس مما يضعّف الحديث عدم أخذ العلماء به كما هو مقرر في علم أصول الحديث، والصلاة في الحج "ركعتا الطواف" إنّما جازتا على وجه التبعية، إذ هما تابعتان ولم يقصدهما مؤديهما على أنهما صلاة مستقلة عن الحج.

ثالثا: قالوا هي خاصة بالمأذون لهم بالنيابة:

فقد ذكر ابن عبد البر أن حديث الخثعمية التي أذن لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالحج عن أبيها، محمول عند مالك وأصحابه على الخصوصية (2)، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم للسائل:"حجّ عنه، وليس لأحد بعده"(3).

ويجاب عن ذلك بأمور:

1 -

أن الخصوصية لا تثبت بغير دليل، فقد دل صريح لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم باختصاص أبي بُردة بن نيار (4) بجواز التضحية بعناق دون غيره، حيث قال له:"لا تجزىء عن أحد بعدك"(5). وكما خصّ خزيمة (6) دون غيره بكون شهادته بشهادة رجلين (7).

2 -

وكيف تتمّ دعوى الخصوصية، وقد صح في بقية الأحاديث إذن الرسول صلى الله عليه وسلم لغيرها في الصوم عن الأب أو الأم أو الحج عنهما؟ كما أذن

(1) الموافقات (2/ 74).

(2)

تفسير القرطبي (4/ 152).

(3)

ضعَّف ابن حجر هذه الرواية في فتح الباري (4/ 69).

(4)

اسمه هانىء، وقيل الحارث بن عمرو، وقيل مالك بن هبيرة، خال البراء بن عازب، صحابي توفي عام (41 هـ). راجع:(تهذيب التهذيب 12/ 19)، (الكاشف 3/ 312).

(5)

رواه البخاري ومسلم وأبو داود (تلخيص الحبير 4/ 139).

(6)

هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الأنصاري، صحابي جليل، من أشراف الأوس في الجاهية والإسلام، له في الصحيحين (38) حديثا، قتل بصفين سنة (37 هـ).

راجع: (تهذيب التهذيب 3/ 140)، (خلاصة تذهيب الفساد الكمال 1/ 289)، (الكاشف 1/ 279).

(7)

البخاري في صحيحه، انظر فتح الباري (6/ 22).

ص: 275

لأبي رزين العقيلي (1).

3 -

والرواية التي أوردوها دالة على الخصوصية ضعيفة كما حقق ذلك ابن حجر (2).

رابعا: ومنهم من تأول هذه الأحاديث على وجه يوجب ترك اعتبارها مطلقا:

وذلك أنّه قال: سبيل الأنبياء -صلوات الله عليهم- ألا يمنعوا أحدا من فعل الخير، يريد أنهم سئلوا عن القضاء في الحج والصوم، فأنفذوا ما سئلوا فيه، من جهة كونه خيرا، لا من جهة أنه جاز عن المنوب عنه، هكذا قال الشاطبي، وذكر قريبا منه ابن العربي، والقرطبي (3).

وهذا الذي قالوه كلام بعيد فكيف يُظنّ برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقر السائلين على خلاف الحق، مجاراة لرغبة السائل في عمل الخير، بل كيف يقول للسائلين: حجّوا، وصوموا، ويجزىء ذلك عن من فعلتموه عنه، وواقع الأمر على خلاف ذلك. هذا ما لا يكون أبدا، ولا يظنّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وغفر الله لهم مقالتهم هذه.

خامسا: حملوا بعض هذه الأحاديث محملا بعيدا، فقالوا: قوله صلى الله عليه وسلم: "صام عنه وليه" محمول على ما تصحّ النيابة فيه، وهو الصدقة مجازا، لأنَّ القضاء تارة يكون بمثل المقضي، وتارة بما يقوم مقامه عند تعذره، وذلك في الصيام: الِإطعام، وفي الحج: النفقة عمّن يحج عنه، أو ما أشبه ذلك (4).

وهذا حمل بعيد، يدل على ضعفه إذنه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث

(1) انظر الأحاديث الدالة على جواز النيابة التي سقناها.

(2)

فتح الباري (4/ 69).

(3)

الموافقات (2/ 174)، تفسير القرطبي (4/ 152)، أحكام القرآن لابن العربي (1/ 287، 288).

(4)

الموافقات (2/ 175).

ص: 276

الأخرى بالحجّ والصيام، وبقوله للملبّي عن شبرمة:"حجّ عن نفسك أولا، ثم حج عن شبرمة".

السادس: ردّوا هذه الأحاديث بدعوى أنها مخالفة لظاهر القرآن:

يقول القرطبي: "رأي مالك أن ظاهر حديث الخثعمية مخالف لظاهر القرآن، فرجَّح ظاهر القرآن"، وقد رجَّح القرطبي ظاهر القرآن لأمرين، قال:"ولا شك في ترجيحه من جهة تواتره، ومن جهة أنّ القول المذكور قول امرأة ظنَّت ظنًّا"، ثم أورد إشكالا على ما ذهب إليه، ولم يستطع الرد عليه ردًّا مجزئا، فقال:"لا يقال: قد أجابها الرسول صلى الله عليه وسلم عن سؤالها، ولو كان غلطا لبيَّنه لها، لأنَّا نقول: إنما أجابها عن قولها: أفأحجّ عنه؟ قال: حجيّ عنه (1) ". فأين الجواب عن الإشكال الذي أورده؟ ولقد صدق ابن حجر وبرَّ حسين قال معقبا على ما ذكره القرطبي: "وتعقّب بأن في تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لها على ذلك حجة ظاهرة"(2).

وما ذكره القرطبي ذكره الشاطبي بأجلى من عبارة القرطبي، قال:"هذه الأحاديث على قلتها معارضة لأصل ثابت في الشريعة قطعي، ولم تبلغ مبلغ التواتر اللفظي ولا المعنوي، فلا يعارض الظن القطع، كما تقرر أنّ خبر الواحد لا يعمل به إلاّ إذا لم يعارضه أصل قطعي، وهو أصل مالك بن أنس وأبي حنيفة". ثم بين أنَّ هذا الجواب عن الأحاديث هو الجواب القوي المرضيّ، فقال:"وهذا الوجه هو نكتة الموضع، وهو المقصود فيه، وما سواه من الأجوبة تضعيف لمقتضى التمسك بتلك الأحاديث، وقد وضح مأخذ هذا الأصل الحسن"(3).

وفي الردّ نقول: إن هذا الذي ردّوا به الأحاديث ليس بحسن، فإن ما قالوه لا يصار إليه إلا إذا لم يمكن التوفيق، وفي حال إمكان التوفيق بين النصوص فلا يعدل عنه، وقد أمكن هنا كما سيأتي بيانه قريبا.

(1) فتح الباري (4/ 70).

(2)

الموافقات (2/ 175).

(3)

الموافقات (2/ 175).

ص: 277