الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم الإِخلاص في العبادات
يقول صدّيق حسن خان (1): ولا خلاف في أن الإِخلاص شرط لصحة العمل وقبوله (2)، وممّن نصَّ على ذلك العزّ بن عبد السلام، قال:"إخلاص العبادة شرط"(3)، وقد عدّه القرطبي: واجبا (4)، وابن تيمية: فرضا (5).
ولذلك كان عجيبا أن يصحح بعض فقهاء الأحناف عادة من لا إخلاص لهم، يقول الحموي:"إذا صلى رياء وسمعة تصحّ صلاته في الحكم، يعني لوجود شرائطها وأركانها، ولم يستحقّ الثواب لفقد الإخلاص"(6).
ويقول في موضع آخر: "النية الخالصة ظاهرة في حصول الثواب لا الصحة، لأنَّ الثواب يبنى على وجود العزيمة وهو الإخلاص، وأما الصحة فلا تتوقف على الإِخلاص، بل على أصل النية، فإنّه لو صلّى رياء صحّت صلاته، وكان غير مثاب عليها"(7).
ويقول ابن عابدين: "الإخلاص شرط للثواب لا للصحة، فإنّه لو قيل لشخص صلّ الظهر ولك دينار، فصلّى بهذه النية، ينبغي أن يجزيه، وأنه لا رياء في
(1) هو محمد صديق حسن خان بن علي الحسيني، ولد في (قنوج) بالهند، (1248 هـ)، كان ثريا وتزوج ملكة بهوبال، له نيف وستون مؤلفا، منها (تفسيره للقرآن)، و (حسن الأسوة فيما ثبت عن الله ورسوله في النسوة)، و (الدين الخالص)، توفي في عام (1307 هـ). راجع:(الأعلام 7/ 36).
(2)
الدين الخالص 2/ 385.
(3)
قواعد الأحكام 1/ 207.
(4)
تفسير القرطبي 20/ 144.
(5)
مجموع الفتاوى (26/ 24).
(6)
غمز عيون البصائر 1/ 30، 32.
(7)
المصدر السابق.
الفرائض في حقّ سقوط الواجب، فهذا يقتضي صحة الشروع مع عدم الإخلاص" (1).
وهذا الذي قرراه لو أراد به عدم مطالبة من لم يخلص بالعبادة في الدنيا، وإنما هو أمر بينه وبين الله تعالى كما يقول صاحب الذخيرة المرضية (2) - لكان قولهم صحيحا، أما وهم يصححون عبادته، ويعدّون النية شرطا للثواب لا للصحة فلا.
وما قاله هذان الفقيهان (3) هو أثر من آثار تقسيم العلوم الِإسلامية إلى وحدات مستقلة، وقد وصل الأمر إلى درجة أن كادت تنفصم الوشيجة التي تربط بينها جميعا، فالإخلاص -وهو أحد مباحث علم التوحيد- أصل لكلّ عمل قلبي أو قولي أو بدني، وكان ينبغي أن يعنى بهذا عناية تامة، أما أن يزعم بعض المتأخرين "أن الِإخلاص أمر زائد على النيّة لا يحصل بدونها، وقد تحصل بدونه، وأنَّ نظر الفقهاء قاصر على النية، وأحكامهم تجري عليها"(4)، فهذا قول غير صحيح.
وقد حكم السيوطي ببطلان عبادة من نوى بذبحه الأضحية أن تكون لله ولغيره (5)، وما ذلك إلا لأنَّها فقدت الِإخلاص.
وقد ذكرنا قول بعض العلماء الذين عدوها شرطا. وممن نصَّ على بطلان عبادة غير المخلصين الحطّاب، قال:"فالمخلص في عبادته هو الذي يخلصها من شوائب الشرك والرياء، وذلك لا يتأتى له إلاّ بأن يكون الباعث له على عملها قصد التقرب إلى الله تعالى، وابتغاء ما عنده، فأما إذا كان الباعث عليها غير ذلك من أغراض الدنيا فلا تكون عادة، بل مصيبة موبقة لصاحبها"(6).
(1) حاشية ابن عابدين 1/ 304.
(2)
الذخيرة المرضية ص 22.
(3)
هذه المسألة ليست اتفاقية عند الأحناف، فقد عدَّ الكاساني -في بدائع الصنائع (1/ 127) - النية شرطا من شروط صحة الشروع في الصلاة، وعلل ذلك:"بأن الصلاة عادة، والعبادة إخلاص العمل بكليته لله، قال تعالى: {ومَا أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}، والإخلاص لا يحصل بدون النية، وقَال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا عملَ لمنْ لا نية له"، وقال:" إنما الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى".
(4)
الأشباه والنظائر للسيوطي ص 20.
(5)
المصدر السابق.
(6)
الحطاب على خليل 2/ 532 وقد نقل كلامه عن القرطبي.
وتحدث ابن تيمية عن الذين يدفعون زكاة أموالهم إلى السلطان خشية أن تضرب أعناقهم، أو تنقص حرماتهم، أو تؤخذ أموالهم، وعن الذين يقومون يصلّون خوفا على دمائهم وأغراضهم
…
، تحدث عنهم واصفا إياهم بالنفاق والرياء، ثم قال:"عندنا وعند أكثر العلماء، أن هذه العبادة فاسدة، لا يسقط الفرض بهذه النية"(1).
وما لنا نذهب بعيدا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الله تَعالَى لَا يَقْبَل مِنَ العَمَلِ إِلّا ما كَانَ له خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْههُ"(2).
(1) مجموع الفتاوى 26/ 28، 30.
(2)
رواه النسائي عن أبي أمامة (انظر صحيح الجامع ج 2 حديث رقم 1852).