الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذهب الحنابلة والشافعية إلى وجوب اغتسالها من الحيض والنفاس حتى يحل للزوج الوطء، وتصحيح اغتسالها إنّما هو لضرورة الوطء، لا على أنّه طهارة شرعية تعبدية، ولذلك نصّوا على أنها إذا أسلمت عقب ذلك لم يجز لها أن تصلي بتلك الطهارة. وفي قول ضعيف عندهم أنَّ النيَّة لازمة للكتابية حين غسل الحيض (1).
القربات التي أداها المسلم حال كفره
من مات كافرا فإنَّ الأعمال الخيرة التي قام بها في دنياه لا تغني عنه شيئًا، قال تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (2).
فالآية تشبه الأعمال التي يظنها الكفار مغنية عنهم بالسراب الذي لا حقيقة له، ولذلك فإن الذي يموت كافرًا خالد مخلد في نار جهنَّم:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} (3).
وقد جاءت الأحاديث بمثل ذلك، فقد سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة: يا رسول الله، ابن جدعان (4) كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال:"لا ينفعه، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين"(5).
وبما أن الله لا يظلم الناس شيئًا، فإن كل من عمل عملا صالحا من الكفار
(1) المجموع (1/ 366)، الإنصاف (1/ 152).
(2)
سورة النور / 39.
(3)
سورة البقرة / 161 - 162.
(4)
هو عبد الله بن جدعان، أحد أجواد قريش في الجاهلية، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة.
راجع: الأعلام (1/ 204).
(5)
رواه مسلم في صحيحه، (شرح النووي على مسلم 3/ 86)، وأحمد في المسند (6/ 93).
يجزى به في الدنيا، كما في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات قام بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها"(1).
وتبقى الأعمال الصالحة التي صدرت من العبد حال كفره، ثم أسلم، هل يثاب عليها؟
لقد أغنانا حكيم بن حزام (2) رضي الله عنه عن عَنَاء البحث في هذا الموضوع، فقد سأل الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: أي رسول الله، أرأيت أمورا كنت أتحنَّثُ بها في الجاهلية من صدقة، أو عتاقة، أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أسلمت على ما أسلفت من خير"(3).
وقد يقال كيف يصحُّ العمل الصالح من العبد حال كفره، وأنتم تقررون أنَّ النية لا تصح إلا من مسلم؟ فالجواب: أنَّ قبول الأعمال الصالحة التي صدرت من المسلم حال كفره من باب تفضل الله على عباده، وفيه دلالة على عظيم رحمته سبحانه وتعالى ألا ترى أنَّ الله يبدّل سيئات الكافر إذا أسلم وحسن إسلامه حسنات، كما قال تعالى:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (4)، هذا كرمه -سبحانه- بالنسبة لسيئات المسلم حال كفره، فكيف يكون الحال بالنسبة للأعمال الصالحة التي كانت منه حال كفره؟!
(1) رواه مسلم في صحيحه انظر (النووي على مسلم 17/ 149)، وأحمد في (مسنده 3/ 123،283).
(2)
هو حكيم بن حزام بن خويلد، ابن أخي خديجة أم المؤمنين، وصديق الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها.
راجع: (تهذيب التهذيب 2/ 447)، (خلاصة تذهيب أم المؤمنين 1/ 248)، (الكاشف 1/ 248).
(3)
رواه مسلم (انظر شرح النووي 2/ 140)، وأحمد في مسنده:(3/ 402).
(4)
سورة الفرقان / 70.