الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا غنى للبشرية عن الغاية التي يرسمها الإِسلام
لا خلاف بين الناس في أنّ المطلوب الذي يرمون إلى تحقيقه وإيجاده هو السعادة، فمن أجل السعادة ينطلق الناس في مساعيهم وأعمالهم يومًا وراء يوم، وشهرا في إثر شهر، وعاما بعد عام، وقد أقرّ بهذه الحقيقة أهل الفكر والمعرفة، وعلماء الاجتماع والنفس، يقول ابن حزم في هذا: "تطلبت غرضا يستوى الناس كلّهم في استحسانه وفي طلبه، فلم أجده إلاّ واحدا، وهو طرد الهمّ، فلما تدبرته علمت أن الناس كلَّهم لم يستووا في استحسانه فقط، ولا في طلبه، ولكن رأيت الناس على اختلاف أهوائهم ومطالبهم وتباين هممهم ومراداتهم لا يتحركون حركة أصلا إلاّ فيما يعانون به إزاحته عن أنفسهم، فمن مخطىء وجه سبيله، ومن مقارب للخطأ، ومن مصيب، وهو الأقلّ من النّاس في الأقل من أموره.
فطرد الهمّ مذهب قد اتفقت الأمم كلُّها منذ خلق الله تعالى العالم إلى أن يتناهى عالم الابتداء، ويعاقبه عالم الحساب على ألا يعتمدوا بسعيهم شيئًا سواه، وكل غرض سواه ففي النّاس من لا يستحسنه" (1).
وهذا الذي أسماه ابن حزم بطرد الهمّ، هو الذي أسميناه بالسعادة، فالسعادة لا تتحقق إلا بطرد الهموم التي تلمّ بالنفس.
ومع أنّ الناس اتفقوا على هذا المذهب إلاّ أنَّهم اختلفوا اختلافا كبيرا في تحديد السعادة التي ينبغي أن يقصدها الإنسان، ويسعى إلى تحقيقها في واقع الحياة.
(1) كتاب الأخلاق والسير ص 13، 14.
والسبب في هذا الاختلاف يعود إلى الجهل الذي لا يستطيع الِإنسان أن يتخلص منه مهما أوتي من علم، فكثير من النَّاس يطلب أمورا ويكون في تحقيقها دمارهم وهلاكهم، وآخرون يظنون أن الشقاء يكمن في فعل أمور والسعي إليها، فينفرون منها نفور حمر الوحش من الأسد، وواقع الأمر أنَّ السعادة والصلاح في تحقيق هذه الأمور.
وهذا الجهل عائد إلى قلّة العلم بحقائق الأمور وبواطنها، وقلة العلم بالعواقب والنتائج، أضف إلى هذا أنَّ ما وراء الحياة الدنيا غيب لا يدركه الِإنسان، فنظرة الإنسان نظرة محكومة بالدنيا، لا تتجاوزها إلى ما وراءها، لقصور علم الإنسان في هذا إذا اعتمد على نفسه.
ويقترن بالجهل ظلم النفس وطغيانها، فالنفوس بما حببّ إليها من الملذات العاجلة المرئية تتعامى عن الخير الحقيقي الذي يجب أن تقصده {بَلْ تُؤثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (1).
من أجْل ذلك آثر كثيرون النفع الماديَّ وشهوات الدنيا التي تروي أهواء النفوس، وتركوا الآخرة وراءهم ظهريّا لأنّها تحتاج إلى جهد مبذول ومخالفة لأهواء النفوس.
ومن أجل عدم قدرة الإِنسان على التعرف على السبيل الأقوم والمقصد الأسمى كانت الرسالات، وجاءت النبوات تجلّي له الحقائق وتبصره بالغاية والنهاية.
(1) سورة الأعلى / 16.