الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد نصَّ الشافعي رحمه الله على أنَّ من أصبح لا يرى أن يومه من رمضان، ولم يطعم، ثم استبان ذلك له، فعليه صيامه وإعادته (1).
وابن حزم يصحح صوم الناسي، والنائم، والجاهل، بنيّة من النهار، بل يرى أن هؤلاء إن أكلوا وشربوا وحصل منهم الجماع، ثم ظهر لهم أن يومهم من رمضان وجب عليهم الإِمساك، وأجزأ عنهم، وقد احتجَّ على ما ذهب إليه بأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أمر من أكل في نهار عاشوراء بالكفّ والِإمساك، ولم يثبت أنه أمرهم بالقضاء (2).
وابن حجر لم يرتض ذلك الاحتجاج: "لأن الأمر بالإمساك لا يستلزم الإجزاء، فيحتمل أن يكون أمرا بالإمساك لحرمة الوقت، كما يؤمر من قدم من سفر في رمضان نهارا، وكما يؤمر من أفطر يوم الشك ثم رأى الهلال، وكل ذلك لا ينافي أمرهم بالقضاء.
وقد بين ابن حجر أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالقضاء صريحا في حديث أخرجه أبو داود والنسائي، وفيه "أنَّ أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"صمتم يومكم هذا"؟ قالوا: لا، قال:"فأتموا بقية يومكم واقضوه".
ثم بيّن أنّه على تقدير عدم ثبوت هذا الحديث في الأمر بالقضاء فلا يتعين ترك القضاء، لأنَّ من لم يدرك اليوم بكماله لا يلزمه القضاء، كمن بلغ أو أسلم أثناء النَّهار" (3).
الليل كله وقت للنية
لا تصح النية في بداية الليل، فلو نوى قبل دخول الليل بلحظة لم يصح (4)،
(1) مختصر المزني (2/ 6).
(2)
المحلى (6/ 164).
(3)
فتح الباري (4/ 142).
(4)
المجموع (6/ 332).
وفي مذهب الحنابلة (1)"إن نوى من النهار صوم الغد لم تجزئه تلك النية إلاّ أن يستصحبها إلى جزء من الليل. وقد روى سعيد بن منصور عن أحمد: من نوى الصوم عن قضاء رمضان بالنهار، ولم ينو من الليل فلا بأس، إلا أن يكون فسخ النية بعد ذلك، فظاهر هذا حصول الإجزاء بنيّة من النّهار، إلاّ أن القاضي قال: هذا محمول على من استصحب النية إلى جزء من الليل، وهذا صحيح ظاهر، لقوله عليه السلام: "لا صيام لمن لم يبيّت النيّة من الليل".
وكما لا تصح النية قبل الغروب لا تصح بعد انقضاء الليل ولو بلحظة، خلافا لأبي حنيفة كما سبق، وهل تصح مع الفجر؟ قال النووي: الصحيح لا تصح، لأنَّ أول وقت الصوم يخفى، فوجب تقديم النيّة عليه، بخلاف سائر العبادات (2).
والليل كلّه محل للنيّة، وقد خطَّأ علماء الشافعية وغيرهم أبا الطيب أسامة من الشافعية فيما ذهب إليه من أن النية لا تصح إلَّا بعد منتصف الليل، قال النووي:"واتفق أصحابنا على تغليطه"(3).
وقد قاس أبو الطيب الصوم على أذان الصبح والدفع من مزدلفة.
قال النووي: وهو قياس عجيب، وأي علّة تجمعهما؟ ولو جمعتهما علّة فالفرق ظاهر، لأن اختصاص الأذان والدفع بالنصف الثاني لا حرج فيه، بخلاف النيّة، فقد يستغرق كثير من الناس النصف الثاني بالنوم، فيؤدي إلى تفويت الصوم، وفي هذا حرج شديد لا أصل له (4).
ومما يدل على خطئه أن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صيام لمن لم يبيت الصوم من الليل" ليس فيه هذا التحديد الذي حدّه، بل يفهم منه أن من نوى في أي جزء من الليل صح صومه.
(1) المغني لابن قدامة (3/ 93).
(2)
المجموع (6/ 332).
(3)
المجموع (6/ 332).
(4)
المصدر السابق.