الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تأثير النيّة في الأفعال المحرّمة
الذين يقصدون التقرب بالحرام ثلاث فرق:
الفرقة الأولى:
عدَّت بعض الذنوب والمعاصي قربات، كالذين يستحبّون النظر في وجوه الحسان والمردان، ويزعمون أنَّ مثل هذا النظر مأمور به شرعا، وأنّه قربة يتقربون بها إلى الله تعالى (1).
وقد جاؤوا بنوعين من الشبه: الأولى: نقول صحيحة لا حجة لهم فيها كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} (2)، قالوا: هذا يعمّ جميع ما خلق الله، فما الذي أخرج من عمومه الوجه المليح؟ وهو من أحسن ما خلق الله، وموضع الاستدلال به والاعتبار أقوى.
وهؤلاء حمَّلوا هذه الآية معنى غير مراد لله تعالى، فالنظر الذي أمرنا به هو النظر المؤدّي إلى معرفته، والإيمان به، ومحبته، والاستدلال على صدق رسله فيما أخبروا عنه من أسمائه وصفاته وأفعاله وعقابه وثوابه، أما النظر إلى الحسان من النساء والولدان الذي يعلق الناظر بصورة المنظور فهذا منهي عنه، والآية التي احتجّوا بها مخصوصة بمثل قوله تعالى:{قُلْ لِلْمؤْمنينَ يغضوا مِنْ أبْصَارِهِم} (3)، وقوله صلى الله عليه وسلم:"فزنى العينين النظر"(4).
(1) روضة المحبين ص 112، تلبيس إبليس ص 297.
(2)
سورة الأعراف/ 185.
(3)
سورة النور/ 30.
(4)
الحديث جزء من حديث أخرجه البخاري، ولفظه:"كتبت على ابن آدم حظه من الزنى، أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنى اللسان النطق، وزنى الأذنين الاستماع، وزنى اليدين البطش، وزنى الرجلين الخطا، والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه"، رواه البخاري تعليقا، ومسلم مستندا بنحو ما ذكر (راجع تفسير ابن كثير 5/ 87).
ومِمَّا احتجّوا به أمره صلى الله عليه وسلم للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته، وهذا الاستدلال أوهى من استدلالهم بالآيات السابقة فهذا المأمور به هنا لم يقصد به التفكر والاعتبار، وإنَّما يقصد التعرف على من يريد الزواج منها، كي يعلم مدى رضاه عنها ورغبته فيها، وهذا شيء آخر غير الذي زعموه، لأن هذا ليس من المحرمات.
والشبهة الثانية: نقول كاذبة نسبوها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى أئمة الهدى وهم منها براء.
كالحديث الموضوع الذي احتجّوا به في هذا "النظر إلى الوجه المليح عبادة"(1) والحديث الآخر "اطلبوا الخير عند حسان الوجوه"(2).
ونقلوا عن أئمة الهدى أمثال الشافعي ومالك وسفيان بن عيينة وغيرهم نقولا زعموا فيها أنهم أقروا مثل هذا، وهي نقول مكذوبة ملفقة لا تصح عنهم (3).
وقد بلغ الأمر ببعض هؤلاء أن يغلفوا الأفعال المحرمة بغلاف الصلاح والعبادة، فيزعمون أنَّ حبهم للأمرد والمرأة الأجنبية لله تعالى، لا للفاحشة، ويزعمون أن التعاون على الفاحشة تعاون على الخير والبر فيسعى هؤلاء المفتونون في أن يجلب أحدهم المعشوق لعاشقه، ويعدّ ذلك في حسناته، لأنَّه فرّج كرب العشق عن المعشوق و"من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة"(4)(5)!!
(1) قال ابن القيم في هذا الحديث (روضة المحبين ص 123): سئل شيخنا عن هذا الحديث فأجاب: "هذا كذب باطل، ومن روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو ما يشبهه فقد كذب عليه صلى الله عليه وسلم، فإن هذا لم يروه أحد من أهل الحديث لا بإسناد صحيح ولا ضعيف"، بل هو من الموضوعات، وهو مخالف لإجماع المسلمين، فإنه لم يقل أحد أن النظر إلى المرأة الأجنبية والصبي الأمرد عبادة، ومن زعم ذلك فإنّه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
(2)
أطال الحافظ السخاوي في ذكر مخرجي الحديث وذكر ألفاظه وطرقه، وقال: وطرقه كلها ضعيفة، وبعضها أشد في ذلك من بعض (المقاصد الحسنة ص 80).
(3)
ذكر ابن القيم هذه النقول وبين ضعف إسنادهم وعدم صحة نسبتها إلى الأئمة في كتابه روضة المحبين ص 112 - 136.
(4)
رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة وأخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر بلفظ (ومن فرَّج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)(جامع العلوم والحكم ص 318).
(5)
وهؤلاء الذين يدعون هذه الدعاوى قسمان: قسم من أصحاب الجهل، أوقعم جهلهم في مثل هذا الضلال. وقسم آخر عالم بالتحريم ولكنه منافق مخادع يريد الفاحشة، ولكنه يسترها بستار الدين والصلاح.