الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأُتي، فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت، أمّا الزانية فلعلها أن تستعف بها عن زناها، ولعلَّ الغني يعتبر، فينفق ممّا أعطاه الله، ولعلَّ السارق يستعف بها عن سرقته" (1).
5 - اهتمام العلماء بأمر النيّات:
ومما يدلّ على فضل النيّات اهتمام العلماء على اختلاف تخصصاتهم بأمرها، فالنيّات تشكل مباحث هامّة في علم: الأخلاق، والفقه، والأصول، والتوحيد، واعتنى بها شراح الحديث ومفسّرو القرآن.
ومما يدلّ على تعظيمهم لأمرها اعتناؤهم بالحديث الذي يعتبر الأصل في موضوع النيّات: حديث "إنَّما الأعمال بالنيّات"(2)، وقد تواتر النقل عن الأئمة الأعلام بعموم نفعه وعظم موقعه، قال أبو عبيد:"ليس في الأحاديث أجمع ولا أغنى ولا أنفع ولا أكثر فائدة منه".
عَدْوه ربع العلم أو ثلثه أو نصفه:
واتفق العلماء أمثال الشافعي وأحمد وابن المديني (3) وأبي داود (4) والدارقطني (5) والبيهقي (6) وغيرهم على عدّه ربع الِإسلام أو ثلثه أو نصفه.
(1) صحيح مسلم. انظر شرح النووي (7/ 110)، وسنن النسائي:(زكاة 47)، ومسند أحمد (2/ 322، 350).
(2)
صحيح البخاري ومسلم وغيرهما (انطر الملحق).
(3)
هو علي بن عبد الله بن جعفر السعدي بالولاء، المديني البصري محدّث مؤرخ، حافظ عصره، له نحو مائتي مصنف، ولد بالبصرة سنة (161 هـ)، وتوفي بسامراء سنة (234 هـ)، من كتبه (الأسامي والكنى) و (الطبقات)، و (قبائل العرب)، و (التاريخ).
(تهذيب التهذيب 7/ 349)، (خلاصة تذهيب الكمال 2/ 253)، (طبقات الحفاظ ص 184)، (الأعلام 5/ 118).
(4)
هو سليمان بن الأشعث أصله من سجستان، ولد سنة (202 هـ)، وتوفي بالبصرة سنة (275 هـ)، إمام أهل الحديث في زمانه، وكتابه (السنن) أحد الكتب الستة المعتمدة في الحديث.
(طبقات الحفاظ ص 26)، (خلاصة تذهيب الكمال 1/ 408)(الكاشف 1/ 390).
(5)
هو علي بن عمر الدارقطني نسبة إلى الحي الذي ولد فيه (دار قطن) ببغداد، حافظ عصره في الحديث، له كتاب (السنن)، و (المؤتلف والمختلف)، ولد سنة (306 هـ)، وتوفي سنة (385 هـ).
(6)
أحمد بن حسين بن علي من أئمة الحديث، ولد بنيسابور سنة (384)، ورحل إلى بغداد ثم الكوفة ومكة، له تصانيف كثيرة أشهرها:(السنن الكبرى)، و (السنن الصغرى)، و (الأسماء والصفات). توفي في سنة (458 هـ).
ترجمته في (شذرات الذهب 3/ 304)، (طبقات الحفاظ ص 433).
(وفيات الأعيان 1/ 75)، (الأعلام 1/ 113).
فهذا أبو داود صاحب السنن يقول: "كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما تضمنه هذا الكتاب "يعني كتاب السنن" جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ويكفي الِإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث: أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنّما الأعمال بالنيّات" (1).
والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"(2).
ْوالثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يكون المؤمن مؤمنا حتى لا يرضى لأخيه إلاّ ما يرضى لنفسه"(3).
والرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: "الحلال بيّن والحرام بيّن"(4).
وفي رواية أخرى عن أبي داود قال: أصول السنن في أربعة أحاديث: وذكرها إلاّ أنّه جعل حديث: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي النّاس يحبك النّاس"(5) أحد هذه الأصول.
وقد وافق الدارقطني أبا داود في روايته الأخيرة فعدّها أربعة وهي نفس الأحاديث التي أوردها أبو داود (6).
وعدّها ابن المديني وابن مهدي (7) أربعة أيضا (8)، ولكن خالفوا في ذكر بعض الأحاديث، فهم يرون أن أصول الأحاديث الأربعة هي حديث:"إنما الأعمال"،
(1) البخاري ومسلم وكتب السنن.
(2)
قال ابن رجب: أخرجه الترمذي وابن ماجه وحسنه النووي (جامع العلوم ص 105).
(3)
الحديث المشهور "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، رواه البخاري ومسلم (جامع العلوم ص 111).
(4)
عزاه ابن رجب إلى البخاري ومسلم (جامع العلوم ص 63).
(5)
روايتا أبي داود أوردهما ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص 6)، والرواية الأولى أوردها العيني (1/ 22)، وصاحب إرشاد الساري (1/ 56).
(6)
الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 9).
(7)
هو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان البصري، من كبار حفاظ الحديث ببغداد. مولده ووفاته بالبصرة (135 - 198 هـ)، قال الشافعي:"لا اعرف له نظيرا".
(تهذيب التهذيب 6/ 279)، (خلاصة تذهيب الكمال 2/ 154)، (طبقات الحفاظ ص 139)، (الأعلام ص 139).
(8)
الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 9).
وحديث: "لا يحلُّ دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث"(1)، وحديث:"بني الإسلام على خمس"(2)، وحديث "البينة على المدَّعي، واليمين على من أنكر"(3).
وواضح أن مرادهم من كون حديث "إنما الأعمال" ربع الإسلام: أنَّه أحد أربعة أحاديث عليها مدار الإسلام.
والِإمام أحمد يرى أن حديث "إنَّما الأعمال" أحد قواعد الِإسلام ولكنَّه عدَّ الأحاديث التي هي قواعد الِإسلام ثلاثة، حديث:"إنّما الأعمال".
وحديث: "الحلال بيّن والحرام بيّن"(4)، وحديث "مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(5).
ووجه ما قاله الإِمام أحمد أنَّ الدين فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه، فحديث "الحلال بيّن، والحرام بيّن" فيه بيان ما نهى الله عنه.
والذي أمر به نوعان:
أحدهما: العمل الظاهر، وهو ما كان واجبا أو مستحبا.
الثاني: العمل الباطن، وهو إخلاص الدّين لله.
فقوله: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ" ينفي التقرب إلى الله بغير ما أمر الله به أمر إيجاب أو استحباب.
وقوله: "إنّما الأعمال بالنيّات" يبين العمل الباطن، وأنَّ التقرب إنّما يكون بالِإخلاص في الدّين لله" (6).
(1) عزاه النووي إلى البخاري ومسلم (جامع العلوم ص 115).
(2)
عزاه ابن رجب إلى البخاري ومسلم (جامع العلوم ص 40).
(3)
قال النووي: "حديث حسن رواه البيهقي وغيره هكذا، وبعضه في الصحيحين"(جامع العلوم ص 294).
(4)
عزاه ابن رجب إلى البخاري ومسلم (جامع العلوم ص 63).
(5)
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص 56): هذا الحديث خرجاه في الصحيحين.
(6)
مجموع فتاوى ابن تيمية (18/ 249)، وممن نقل عن الإمام أحمد أنه عدّها ثلث الإسلام ابن حجر في الفتح (1/ 10)، والمناوي في فيض القدير (1/ 32)، والسيوطي في الأشباه (ص 9).