المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأولتحديدُ مَوضُوع البَحث

- ‌تعريف القصد

- ‌تعريف النيّة

- ‌الاشتقاق اللغوي:

- ‌النيَّة في الاصطلاح

- ‌1 - تعريف النية بالعزم والقصد:

- ‌2 - تعريف النية بأنَّها الإرادة:

- ‌3 - تعريف النيّة بالإِخلاص:

- ‌4 - تعريف النية بأنَّها عمل القلب ووجهته:

- ‌النيّة شرعًا

- ‌موقع النية من العلم والعمل

- ‌جنس النيّة في الموجودات

- ‌هل للإِنسان سلطان على نيّته وقصده

- ‌التكليف

- ‌مفهوم العبادة وحدودها

- ‌أصل العبادة ومبناها

- ‌العبادة في مصطلح الفقهاء

- ‌موضوع الرسالة

- ‌المبحث الثانيالأدلّة على أنّ المقاصدَ مُعتبرة في العبادات والتصرفات

- ‌أولاً: الأدلة القرآنية:

- ‌ثانيًا: الأحاديث النبوية:

- ‌ثالثا: القصد إلى الفعل أمر ضروري:

- ‌رابعًا: عدم اعتبار الشارع للأفعال التي وقعت من غير قصد:

- ‌خامسًا: النيّة سر العبودية وروحها:

- ‌سابعًا: تأثير النية فى الأعمال:

- ‌اعتراضات

- ‌المبحث الثالثفَضل المقَاصد وعظيم خَطرهَا

- ‌1 - يبلغ المرء بنيّته ما لا يبلغه بعمله:

- ‌2 - الخلود في الجنّة أو النّار بالنيّات:

- ‌3 - الأعمال البدنية قد تتوقف بخلاف النية:

- ‌4 - قاصد الفعل الخير يثاب وإن لم يصب المراد:

- ‌5 - اهتمام العلماء بأمر النيّات:

- ‌عَدْوه ربع العلم أو ثلثه أو نصفه:

- ‌هذا الحديث من جوامع الكلم:

- ‌البداءة به في المهمات:

- ‌6 - شرفت النيات بموجدها:

- ‌7 - العمل بغير نية كالجثة الهامدة التي لا روح فيها:

- ‌8 - النيّات تميز الأعمال:

- ‌9 - المحوِّل العجيب:

- ‌10 - النيّة عمل السر وعمل السر أفضل من عمل العلانية:

- ‌11 - تربية على اليقظة:

- ‌النية أفضل من العمل:

- ‌الباب الأولالنيات وما يتعلق بها من أحكام

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولمَحَلّ النِّية

- ‌مَحَلّ النِّيَّة

- ‌حكم التلفظ بالنية دون مواطأة القلب

- ‌مناقشة القفال:

- ‌مخالفة اللسان لما نواه في قلبه

- ‌الجهر بالنيّة

- ‌التلفظ بها همسًا

- ‌هل ينعقد العمل بالنيّة فحسب

- ‌القصد المجرد عن العمل

- ‌مراتب الإرادة

- ‌الإِرادة غير الجازمة

- ‌لم أثيب الهامّ بالحسنة ولم يُعاقب على الهم بالسيئة

- ‌الإِرادة الجازمة

- ‌الثاني: العزم على فعل من أفعال الجوارح:

- ‌أدلّة القائلين بالمؤاخذة

- ‌الفصل الثانيوَقت النّية

- ‌وقت النية في الطهارة

- ‌وقت النيّة في الصلاة

- ‌القول الأول: وجوب المقارنة تكبيرة الإحرام:

- ‌القول الثاني: جواز تقدّم النيّة على التكبير بزمن يسير:

- ‌القول الثالث: وجوب تقديم النية على التكبير:

- ‌تأخير النية

- ‌وقت نية الزكاة

- ‌وقت نيّة الصوم

- ‌تقديم النية في الصوم

- ‌تأخير النية في الصوم

- ‌1 - القضاء والكفارة:

- ‌2 - صوم رمضان:

- ‌الفريق الموجب للنية من الليل في صوم رمضان:

- ‌أدلتهم:

- ‌النيّة لكلّ يوم

- ‌حكم من ظهر له وجوب الصيام نهارا

- ‌الليل كله وقت للنية

- ‌3 - صوم النذر

- ‌4 - صوم النفل

- ‌المدى الذي يصح أن يحدث فيه النية من النهار:

- ‌شروط من أجاز صوم النفل بنية من النهار:

- ‌المقدار الذي يثاب عليه الناوي من النهار:

- ‌الفصل الثالثصفة النِّيَّة

- ‌تمهيد

- ‌صفة نيّة الطهارة

- ‌إذا نوى مطلق الطهارة:

- ‌إذا نوى الغسل أو الوضوء:

- ‌إذا نوى المتطهر رفع الحدث:

- ‌إذا نوى المتطهر الطهارة لأمر لا يستباح إلا بها:

- ‌إذا نوى ما تستحب له الطهارة:

- ‌إذا نوى ما لا تشرع الطهارة له:

- ‌إذا نوى من عليه أحداث رفع أحدها:

- ‌النية للتيمم

- ‌صفة النيّة في العبادات الواجبة

- ‌صفة النيّة في الزكاة والحج والعمرة

- ‌صفة النية في الصوم

- ‌صفة النيّة في الصلاة

- ‌نية الجماعة

- ‌نيّة القضاء والأداء

- ‌نية الجمع

- ‌صفة النية في النوافل

- ‌الاستحضار التفصيلي لأركان الصلاة

- ‌قول أعجب وأغرب

- ‌الفصل الرابعشروط النِّيَّة ومبطلاتها

- ‌الشرط الأولأهلية من صدرت عنه النية

- ‌الوضوء والغسل والتيمم من الكافر

- ‌الزكاة من أهل الذمة

- ‌غسل الزوجة الكتابية

- ‌القربات التي أداها المسلم حال كفره

- ‌العبادة من غير المميز

- ‌حج الصغير الذي لا يميز

- ‌نيّة الصبي المميز

- ‌الشرط الثانيالجزم والتنجيز وعدم التردد والتعليق

- ‌الشك

- ‌الشك بسبب عدم علمه بأمور تتعلق بالمنوي

- ‌اختلطت ثياب طاهرة بنجسة

- ‌الشك في الصلاة التي فاتته

- ‌صيام يوم الشك

- ‌صيام الأسير

- ‌الشك في أصل النية

- ‌التردد في العبادة

- ‌تعليق النية على المشيئة أو على حصول شيء ما

- ‌الشرط الثالث‌‌استصحاب حكم النية

- ‌استصحاب حكم النية

- ‌رفض النية

- ‌رفض النية بعد تمام العبادة:

- ‌رفض نية العبادة في أثنائها

- ‌قلب النية وتغييرها

- ‌أقسام النيّة التي قلبت

- ‌الأول: نفل فرض إلى فرض:

- ‌الثاني: نقل فرض إلى نفل:

- ‌الثالث: نقل نفل إلى فرض:

- ‌الرابع: نقل نفل إلى نفل:

- ‌تغيير النيَّة

- ‌المنفرد يصبح إماما

- ‌الإمام يصبح مأموما

- ‌المأموم يصبح منفردا

- ‌المنفرد يتحوّل إلى مأموم

- ‌تغيير نية القصر إلى إتمام

- ‌اختلاف نيّة الإمام والمأموم

- ‌الأدلة النقلية

- ‌الاستدلال بالقياس:

- ‌الشرط الرابععدم التشريك في النيّة

- ‌الشرط الخامسأن تتعلق النية بمكتسب للناوي

- ‌الشرط السادسقصد العبادة دفعة واحدة

- ‌الشرط السابعمقارنة النيّة للمنوي

- ‌الشرط الثامنالعلم بصفات المنوي

- ‌الغلط في تعيين المنوي

- ‌الفَصل الخامسالنيَابة في النيَّة

- ‌تمهيد:

- ‌أدلّة الذين منعوا مطلقا

- ‌أولا: النصوص التي تدل بعمومها على منع النيابة:

- ‌ثانيا: النصوص المصرّحة بمنع النيابة في بعض العبادات:

- ‌ثالثا: قالوا جواز النيابة فى العبادات تنافي الغرض من تشريعها:

- ‌المجيزون مطلقا

- ‌موقفهم من حجج المانعين:

- ‌أدلّة المجيزين للنيابة مطلقا أو في حال دون حال:

- ‌موقف المانعين للنيابة في العبادات من هذه النصوص الدالة على الجواز ومناقشتهم:

- ‌موقف الدين أجازوا النيابة في بعض العبادات من حجج المجيزين مطلقا:

- ‌تحرير محلّ النزاع

- ‌أولا: عبادات لا مجال للنيابة فيها:

- ‌ثانيا: الذين لا تجوز النيابة عنهم:

- ‌الرأي الراجح:

- ‌إهداء ثواب العبادة للأموات

- ‌حجج المانعين:

- ‌حجج المجيزين:

- ‌النظر في هذه الأدلة:

- ‌مَا يفتَقِر إلى النِّيَّة وَمَا لَا يفتقِر إليَهَا

- ‌إزالة النجاسات

- ‌الأحداث التي تنقض الطهارة

- ‌النيّة في الوضوء والغسل

- ‌أدلة القائلين بعدم الوجوب

- ‌1 - أن الماء مطهر بطبعه:

- ‌2 - أن المعتبر في الوضوء لا يتوقف على النَّية:

- ‌3 - الوضوء يتحقق المقصود منه بنفس وقوعه:

- ‌4 - الوضوء وسيلة لغيره، والوسائل لا تلزمها النية:

- ‌5 - الوضوء شرط والشروط لا تحتاج إلى نيّة:

- ‌6 - إطلاق النصوص:

- ‌7 - دليل النية ظني الثبوت ظني الدلالة:

- ‌مناقشة الحجج التي أوردوها

- ‌أدلة الموجبين

- ‌أولا: الأحاديث المبينة فضل المتوضىء والمغتسل:

- ‌ثانيا: نصوص زعموا أنها توجب النية في الوضوء:

- ‌ثالثا: القياس:

- ‌النيّة في التيمم

- ‌النيّة في الصلاة

- ‌النيّة في الزكاة

- ‌إذا تصدَّق بجميع ماله ولم ينو الزكاة:

- ‌صوم رمضان

- ‌النيّة في الحجّ والعمرة

- ‌النية في الاعتكاف

- ‌النية في الكفارات

- ‌النيّة لأعمال القلب

- ‌النيّة في الأقوال

- ‌السنة في التروك

- ‌حكم النيّة في العبادات

- ‌(ركن، أم شرط)

- ‌الباب الثانيالإخلاص

- ‌تمهيد

- ‌أهمية الغاية وعظيم خطرها

- ‌لا غنى للبشرية عن الغاية التي يرسمها الإِسلام

- ‌الدواعي الطبعية والدواعي الشرعية

- ‌الفصل الأولالغاية التي تتوجَّه إليها مقاصدُ المكلّفين

- ‌الغاية الواحدة في مصطلح القرآن هي الإخلاص

- ‌شدة الإخلاص وصعوبته

- ‌لماذا كان الله هو المقصود دون سواه

- ‌1 - الغاية التي ليس وراءها غاية:

- ‌2 - هو المستحقُّ لأن يقصد ويعبد:

- ‌3 - السعادة في قصده، والشقاء في توجيه القلوب إلى سواه:

- ‌4 - لا سبيل إلى تحرر النفس الِإنسانية إلاّ بتوجهها إليه:

- ‌5 - عنى الله عن العباد وإحسانه إليهم:

- ‌حكم الإِخلاص في العبادات

- ‌الفصل الثانيمفهومات خاطئة للإخلاص

- ‌1 - الِإخلاص والتجرد عن الِإرادة

- ‌هل يمكن العمل بدون إرادة:

- ‌الفناء الحق:

- ‌2 - التجرد عن الميول والنزعات الفطرية

- ‌محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الاتجاه:

- ‌سرّ المسألة:

- ‌3 - قصد النعيم الأخروي

- ‌تنوّع المقاصد الخيّرة

- ‌الفصل الثّالِث المقاصد السَّيّئة

- ‌أولاً: اتباع الهوى

- ‌تعريف الهوى وبيان نتائجه وآثاره:

- ‌علاج الهوى

- ‌1 - تحويل الاتجاه:

- ‌2 - تقوية الإرادة:

- ‌3 - إحياء واعظ الله في قلوبنا:

- ‌4 - محاسبة العبد نفسه:

- ‌ثانيًا: الرياء

- ‌ومن النصوص القرآنية التي تتوعّد المرائين:

- ‌تعريف الرياء

- ‌الرياء لغة:

- ‌الرياء شرعًا:

- ‌الرياء والسمعة:

- ‌الرياء والعجب:

- ‌أسباب الرياء

- ‌الأمور التي يراءى بها

- ‌حكم العمل المراءى به

- ‌مناقشة ما احتج به أصحاب هذا المذهب:

- ‌شبهة وجوابها:

- ‌تحقيق القول في قصد المكلف المصالح التي أقر الشارع قصدها بالعبادة:

- ‌الغنيمة في الحرب والتجارة في الحج تنقصان الأجر

- ‌الرياء بأوصاف العبادة

- ‌خفاء الرياء وتلونه

- ‌مزلق خطر

- ‌ترك العمل خوف الرياء

- ‌1 - الاستعانة بالله على الإخلاص والتعوذ به من الرياء ومراقبته:

- ‌2 - معرفة الرياء والتحرز منه:

- ‌3 - النظر في عاقبة الرياء في الدنيا:

- ‌4 - النظر في عواقبه الأخروية:

- ‌5 - إخفاء العبادة وإسرارها:

- ‌علامات القائم بالإِخلاص

- ‌ثالثا: التعبد بقصد الاطلاع على العوالم المغيبة

- ‌اعتراضات

- ‌رابعا: الهروب من العبادة

- ‌الأمر الضابط لمقاصد المكلفين

- ‌الفصل الرابع تأثيرُ القَصْد في الأفعال

- ‌تأثير النيّة في المباحات

- ‌التوفيق بين الرأيين:

- ‌استحضار النية عند المباح:

- ‌تأثير النيّة في الأفعال المحرّمة

- ‌الفرقة الأولى:

- ‌الفرقة الثانية:

- ‌الفرقة الثالثة:

- ‌التقرب إلى الله بالعبادات المبتدعة

- ‌خاتمة القول

- ‌مُلحَقإيضاحات مهمة تتعلق بحديث "إنمّا الأعمال بالنيّات

- ‌تمهيد:

- ‌الألفاظ التي وردت بها روايات الحديث

- ‌سبب الحديث

- ‌إشكال يرد على الحديث باعتبار سببه

- ‌كتب السنة التي أخرجته

- ‌هل أخرجه مالك في الموطأ:

- ‌طرق الحديث

- ‌مخطط يوضح طرق الحديث في كتب السنة

- ‌إشكالات أوردت على الحديث

- ‌1 - تضعيف الحديث لكونه غريبًا:

- ‌2 - أنّه حديث شاذ:

- ‌3 - أن فيه انقطاعا:

- ‌4 - أنه ليس حديثا فردًا:

- ‌5 - أنه متواتر:

- ‌قائمة المراجع

الفصل: ‌2 - صوم رمضان:

قال النووي: "ولا نعلم أحدا خالف في ذلك"(1).

‌2 - صوم رمضان:

القائلون بجواز صومه بنيّة من النهار:

ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه إلى أنَّ صوم رمضان يتأدى بنية من بعد غروب الشمس إلى منتصف النهار (2).

وخالف زفر (3) من الأحناف في المريض والمسافر إذ صاما رمضان، قال: لا بد لهما من تبييت النيّة من الليل، لأنه في حقهما كالقضاء، لعدم تعينه عليهما، ولم يرتض الأحناف منه ذلك، لأنَّ صوم رمضان متعين بنفسه على الكل، غير أنه جاز لهما تأخيره تخفيفا للرخصة، فإذا صاما وتركا الترخيص التحقا بالمقيم الصحيح (4).

وقد استدل الأحناف بأدلة كثيرة نجملها فيما يأتي:

1 -

احتجوا بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعث رجلا ينادي في النّاس يوم عاشوراء:

"أنَّ من أكل فليتم، أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل"(5).

ولا يتم لهم الاستدلال بالحديث إلَّا على القول بأن صوم عاشوراء كان واجبا، وقد نازع في ذلك بعض مخالفيهم.

قال النووي: "وأجابوا عن استدلال أبي حنيفة بأنَّ صوم عاشوراء كان تطوعا

(1) المجموع (6/ 337).

(2)

فتح القدير لابن الهمام (2/ 48)، تحفة الفقهاء (1/ 534)، المغني (ص 3/ 91)، الإفصاح (1/ 157)، حاشية ابن عابدين (2/ 92) بدائع الصنائع (2/ 85).

(3)

هو زفر بن الهذيل من تميم، فقيه كبير من أصحاب أبي حنيفة، أصله من أصبهان، أقام بالبصرة، وولي قضاءها، وتوفي بها سنة (158 هـ). (شذرات الذهب 1/ 243)، (العبر 1/ 229).

(4)

فتح القدير (2/ 48).

(5)

رواه البخاري فتح الباري (4/ 140).

ص: 171

شديد التأكيد، ولم يكن واجبا، وهذا صحيح مذهب الشافعية" (1).

واستدلّوا على أنَّ صومه لم يكن واجبا بحديث معاوية بن أبي سفيان (2) الذي خطب به على منبر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر" (3).

فقوله صلى الله عليه وسلم: "ولم يكتب عليكم صيامه"، وقوله:"من شاء فليصم، ومن شاء فليفطر"، ظاهر الدلالة في أنَّه لم يكن واجبا قط، بل هو نصّ في ذلك.

ومما يؤكد هذا أنه لم يصح أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم أمر من كان أكل بقضائه.

والتحقيق أنَّ صوم عاشوراء كان واجب الصوم، وأن وجوبه نسخ عندما فرض الله صوم رمضان، والذي يدلّ على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء، فلما فرض رمضان كان من شاء صام، ومن شاء أفطر"(4). وفي الحديث الآخر قالت عائشة: "فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلمّا فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء ترك صيامه"(5).

قال ابن حجر في فتح الباري: "ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبا لثبوت الأمر بصومه، ثمَّ تأكد الأمر بذلك، ثم زيادة التأكيد بالنداء العام، ثم زيادته

(1) المجموع (6/ 337).

(2)

هو معاوية بن أبي سفيان القرشي الأموي، مؤسس الدولة الأموية بالشام، وأحد دهاة العرب، كان فصيحا حليما وقورا، عمل كاتبا للوحي بعد إسلامه، ولد سنة (20) قبل الهجرة بمكة، وتوفي في سنة (60 هـ).

(تهذيب التهذيب 10/ 202)، (خلاصة تذهيب الكمال 3/ 39)، (الكاشف 3/ 157).

(3)

صحيح البخاري (69 كتاب الصوم)، فتح الباري (4/ 244).

(4)

صحيح البخاري (69 كتاب الصوم)، فتح الباري (4/ 244).

(5)

صحيح البخاري (69 كتاب الصوم)، فتح الباري (4/ 244).

ص: 172

بأمر من أكل بالإمساك، ثمّ زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال، وبقول ابن مسعود الثابت في صحيح مسلم:"لما فرض رمضان ترك عاشوراء، مع العلم بأنه ما ترك استحبابه، بل هو باق، فدلّ على أن المتروك وجوبه"(1).

وقد ضعف ابن حجر قول من قال: "المتروك تأكد استحبابه، والباقي مطلق استحبابه"، وقال:"لا يخفى ضعف هذا القول، بل تأكد استحبابه باق، ولا سيما مع استمرار الاهتمام به حتى عام وفاته صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر"، ولترغيبه في صومه، وأنَّه يكفر سنة، وأي تأكيد أبلغ من هذا؟ (2).

والجمع بين حديث معاوية الذي يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ الله لم يكتب علينا صيام يوم عاشوراء وحديثي عائشة وابن مسعود الدالّين على أنَّه كان واجبا ثم نسخ، أنَّ صوم عاشوراء ليس مما أوجبه الله تعالى بقوله:{كُتِبَ عَلَيْكمُ الصيَام كمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (3).

أو يقال: "لم يكتب عليكم صيامه"، أي لم يكتب عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان.

ومما يؤكد أنَّه كان واجبا أن رواة الوجوب هم من الصحابة المتقدمين الذين شهدوا أمره بصوم عاشوراء والنداء بصومه في السنة الأولى، أو أوائل العام الثاني من الهجرة، ومعاوية الذي روى عدم الوجوب من مسلمة الفتح فلم يشهد ما شهد أولئك (4).

وإذ حققنا أن صوم عاشوراء كان واجبا فهل يتم للأحناف الاستدلال بالحديث على جواز صيام رمضان بنيّة من النهار؟

(1) فتح الباري (4/ 247).

(2)

المصدر السابق.

(3)

سورة البقرة (183).

(4)

راجع فتح الباري: (4/ 247).

ص: 173

قال منازعوهم: لا؛ لأنَّ الحديث منسوخ، فلا يصحّ الاستدلال به. إلاّ أن الأحناف قالوا: لا يلزم من كون الحديث منسوخا أن تنسخ كلَّ الأحكام التي تتعلق به، فالحديث دل على شيئين: أحدهما: وجوب صوم عاشوراء، والثاني: أنَّ الصوم الواجب في يوم بعينه يصحُّ بنية من نهار، والمنسوخ الأول: ولا يلزم من نسخه نسخ الثاني (1).

ومع ذلك فإنني أرى أنَّ الحديث لا تقوم به حجة، لأن المتنازع فيه في صوم الفرض المقدور هل يجوز أن ينويه من النهار بلا عذر؟ أما الذي دلَّ عليه الحديث فهو صحة صوم من لم يعلم وجوب الصوم عليه من الليل، كالذي لم يبلغه أن اليوم أول رمضان إلاّ بعد أن أصبح، وقد احتج ابن حزم بالحديث على صحة صوم من لم يعلم وجوب الصوم إلا بعد طلوع الفجر كما سيأتي.

وقد أجاب النووي بجواب آخر حيث يقول: "وعلى فرض وجوبه فكان في ابتداء فرض عليهم من حين بلغهم، ولم يخاطبوا بما قبله، كأهل قباء في استقبال الكعبة، فإن استقبالها بلغهم في أثناء الصلاة، فاستداروا وهم فيها من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة، وأجزأتهم صلاتهم حيث لم يبلغهم الحكم إلاّ حينئذ، وإن كان الحكم باستقبال القبلة قد سبق في حق غيرهم قبل هذا"(2).

2 -

استدل صاحب الهداية من الأحناف بقوله صلى الله عليه وسلم بعدما شهد الأعرابي برؤية الهلال: "إلاّ من أكل فلا يأكل بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم"(3).

وقد اختلط على المؤلف حديث الأعرابي هذا بحديث سلمة بن الأكوع (4) في صوم عاشوراء، إذ هذا اللفظ الذي ذكره صاحب الهداية لم يذكر في حديث

(1) حاشية السندي على النسائي (4/ 193).

(2)

المجموع (6/ 337).

(3)

الهداية (2/ 43).

(4)

سلمة بن عمرو بن سنان الأكوع صحابي، كان شجاعا راميا عداء، يسبق الخيل، من الذين بايعوا تحت الشجرة، له في الصحيحين (77) حديثا، توفي بالمدينة سنة (47 هـ).

راجع: (تهذيب التهذيب 4/ 150)، (خلاصة تذهيب الكمال (1/ 404)، (الكاشف 1/ 385).

ص: 174

الأعرابي، وحديث الأعرابي أخرجه أصحاب السنن وابن خزيمة (1)، وابن حبان (2)، والدارقطني، والبيهقي، والحاكم، عن ابن عباس أنَّ أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"إني رأيت الهلال، فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟ " قال: نعم قال: "أتشهد أن محمدا رسول الله؟ " قال نعم. قال:"فأذّن في الناس يا بلال أن يصوموا غدا" (3).

فرؤية الأعرابي وإخباره للرسول صلى الله عليه وسلم كانت ليلا، والأمر بصومه كان في الليل، كما هو واضح من قوله:"أن يصوموا غدا"، وقد استغرب ابن الهمام ما ذكره صاحب الهداية (4).

3 -

واحتجوا بقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (5).

فقد أباح للمؤمنين الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر، وأمر بالصيام عنها بعد طلوع الفجر: متأخرا عنه؛ لأن كلمة "ثم" للتعقيب مع التراخي، فكان هذا أمرا بالصوم متراخيا عن أول النهار، والأمر بالصوم أمر بالنية، إذ لا صحة للصوم شرعا بدون النية، فكان أمرا بالصوم بنيّة متأخرة عن أول

(1) هو محمد بن إسحق بن خزيمة السلمي، إمام نيسابور في عصره، ولد وتوفي بنيسابور (223 - 311 هـ)، وكان فقيها مجتهدا عالما بالحديث، تزيد مؤلفاته على (140) مؤلفا.

راجع: (طبقات الحفاظ ص 310)(شذرات الذهب 2/ 262)(الأعلام 6/ 253).

(2)

هو محمد بن حبان التميمي أبو حاتم البستي، مؤرخ محدث، من مؤلفاته (المسند الجامع الصحيح) المعروف بصحيح ابن حبان، وفاته في سنة (354 هـ).

راجع: (شذرات الذهب 3/ 6)، (طبقات الحفاظ ص 374)، (الأعلام 6/ 306).

(3)

تلخيص الحبير (2/ 187).

(4)

فتح القدير (2/ 43).

(5)

سورة البقرة (187).

ص: 175

النهار، ومن أتى به فقد أتى بالمأمور به، فيخرج عن العهدة، وفيه دلالة على أنَّ الإمساك في أول النَّهار يقع صوما وجدت فيه النيَّة أو لم توجد، لأنَّ إتمام الشيء يقتضي سابقية وجود بعض منه، ولأنَّه صام في وقت متعين شرعا لصوم رمضان لوجود ركن الصوم مع شرائطه.

هكذا احتج صاحب بدائع الصنائع بالآية الكريمة (1).

ونحن نخالفه في عدّة أمور:

الأول: نخالفه في أن "الأمر بالصوم أمر بالنيّة"، وتعليله لذلك بأنّه "لا صحة للصوم شرعا بدون النيّة".

ذلك أنّ وجوب النية في الصوم غير مأخوذ من مجرد الأمر بالصوم، بل من أدلّة أخرى منفصلة، كقوله تعالى:{وَمَا أمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2).

وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الأعمال بالنيّات"(3)، وبناء على ذلك فليس الأمر بالصوم أمرا بالنية.

ثانيا: إذا تقرّر الأمر السابق بطل ما بناه عليه من أن الشارع أمر بالصوم بنية متأخرة عن أول النهار، ولو كان قوله هذا حقّا لكان الأفضل أن نأتي بالنية بعد طلوع الفجر، وهذا لم يقل به أحد، حتى ولا الأحناف الذين يجيزون النية من النهار.

ثالثا: أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن هذه الآية كما بيّن غيرها من الآيات بقوله: "لا صوم لمن لم يبيّت الصيام من الليل"، فوجب أن نأخذ ببيانه.

رابعا: ونخالفه في أنّ الإمساك في أول النهار يقع صوما وجدت فيه النية أم لم توجد، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيّات"، وهذا لم ينو فكيف يقع صوما ولم توجد منه نيّة، ويلزم بناء على قوله: أن من أصبح ناويا الإفطار في رمضان أن يكون صائما إذا لم يأكل أو يشرب أو يجامع.

(1) بدائع الصنائع (2/ 86).

(2)

سورة البينة (5).

(3)

انظر ملحق الكتاب.

ص: 176

وتعليله بأنه صام في وقت متعين شرعا يلزم منه أن من صلى ركعتين في آخر وقت الصبح بحيث لم يبق من الوقت إلا ما يكفي لصلاة الفرض، ولم ينو بهما فرض الوقت أن تجزيا عن صلاة الفريضة، لأن الوقت أصبح متعينا لصلاة الصبح، ولا يصحُّ منه غيرهما، وهم لا يقولون بذلك.

4 -

واحتجوا بالقياس: ولهم في القياس طريقان:

الأول: قياس الفرض على النفل (1)، فالنفل صح فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينويه من النهار. وقال منازعوهم: هذا قياس لا يصح، لأننا عهدنا من الشارع أنه يخفف في النوافل ما لا يخفف في الفرائض.

ففي الصلاة مثلا سامح الشارع في ترك القيام في صلاة التطوع، وترك استقبال القبلة فيه في السفر تكثيرا له بخلاف الفرض (2).

ثم نقول لهم: صح الحديث في أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يحدث الصوم بنية من النهار في النوافل، وصح أن أكثر من صحابي قال:"لا صيام لمن لم يبيت الصوم من الليل" أو نحو هذا، وهذا له حكم المرفوع، لأنه لا يقال بالرأي بل الذي نرجحه صحته مرفوعا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله، كما سيأتي بيانه (3). فلمّا صح هذا وهذا كان الواجب ألّا نضرب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضه ببعض، بل علينا أن نوفق بن الأحاديث، وهذا ما فعلناه عندما حملنا حديث إحداثه النية من النهار على صوم النفل، بل هو صريح في ذلك، وحملنا حديث "لا صوم لمن لم يبيت الصيام من الليل" على صيام الفرض.

الثاني: قياس النّية المتأخرة على المتقدمة من أول الغروب والجامع بينهما

(1) فتح القدير (2/ 48).

(2)

المغني لابن قدامة (3/ 92).

(3)

انظر ص 179.

ص: 177

"التيسير ودفع الحرج"(1).

قالوا: "الأصل أنَّ النيّة لا يصح اعتبارها إلا بالمقارنة، أو مقدمة مع عدم اعتراض ما ينافي المنوي بعدها قبل الشروع فيه، فإنه يقطع اعتبارها على ما قدمنا في شروط الصلاة"(2).

ولم يجب فيما نحن فيه، لا المقارنة وهو ظاهر، فإنه لو نوى بعد الغروب أجزأه، ولا عدم تخلل المنافي لجواز الصوم بنيَّة يتخلل بينها وبينه الأكل والشرب والجماع مع انتفاء حضورها بعد ذلك إلى انقضاء يوم الصوم (3). أخذ يبين الحرج الذي سينشأ من عدم إجازة النية من النهار:"فكثير من النّاس يقع في الحرج لو لم تجز من النهار، كالذي نسيها ليلا، وفي حائض طهرت قبل الفجر ولم تعلم إلا بعده، وهو كثير جدا، فإنّ عادتهن وضع الكرسف عشاء، ثم النوم، ثم رفعه بعد الفجر، وكثير ممن يفعل كذا تصبح فترى الطهر، وهو محكوم بثبوته قبل الفجر، ولذا نلزمها بصلاة العشاء: وفي صبي بلغ بعده، ومسافر أقام، وكافر أسلم"(4).

ثم قال: "فيجب القول بصحتها نهارا، وتوهم أن مقتضاه قصر الجواز على هؤلاء، أن هؤلاء لا يكثرون كثرة غيرهم بعيد عن النظر

" (5).

فهو بذلك يثبت أن "المعنى الذي لأجله صحت النية المتقدمة لذلك التيسير ودفع الحرج موجود في النية المتأخرة

" (6).

والِإجابة على ذلك أن القول بهذا يلزمهم القول بإجازة الصوم بنيّة من النهار قبل الزوال وبعده، لا كما يقولون بأن النية بعد الزوال لا تصح، وذلك لأنَّ الحرج قد

(1) فتح القدير (2/ 48).

(2)

المصدر السابق.

(3)

المصدر السابق.

(4)

فتح القدير (2/ 48)، بتصرف يسير.

(5)

المصدر السابق.

(6)

المصدر السابق.

ص: 178