الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النيّة في الزكاة
الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي وإن كانت حقّا ماليا إلا أنها حق خالص لله تعالى، وعبادة محضة لا تصح إلاّ بالنية، وقد نقل عن جماهير العلماء القول بإيجاب النيّة فيها، ومن هؤلاء الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم: أبو حنيفة ومالك والشافعيّ وأحمد، ونقل عن داود وأبي ثور (1).
وشذَّ الأوزاعي فلم يقل بالوجوب، وصحح إخراجها بلا نيّة (2).
وقد جانب الشيخ محمد أبو زهرة الصواب -رحمه الله تعالى- عندما نسب إلى جماهير العلماء القول بعدم وجوب النية في الزكاة، قال في كتاب الأصول:"وقال جمهور الفقهاء: إنّ الزكاة لا يحتاج أداؤها إلى النيّة، لأنّها مؤنة المال، ولذا تجب في مال الصغير، والمجنون، والمعتوه، وقد سقط عنهم التكليف"(3).
والسبب الذي أوقعه في هذا الخطأ أنه رأى جماهير العلماء يقولون بأن الزكاة تجب في مال الصغير والمجنون والمعتوه، فظن أنَّ جماهير العلماء يقولون بعدم وجوب النية في الزكاة، وليس الأمر كما قال.
ويبدو أن الأوزاعي نظر إلى أن الزكاة عبادة مالية فقاسها على إعادة الدين، وردّ العارية والمغصوب، فإن هذه لا تحتاج إلى نيّة، والجواب أن الزكاة عبادة محضة، وكونها عبادة كذلك ثابت بالنصوص ولا خلاف فيه، وما كان كذلك وجبت فيه
(1) المجموع (6/ 184).
(2)
المصدر السابق.
(3)
أصول الفقه (ص 324).
النية، أمّا الديون وما أشبههما فإنّها وإن كان فيها حقّ لله تعالى، إلا أنّها ليست عبادة، يدلك على ذلك أنَّ الديون والغصوبات تسقط بإسقاط صاحبها، فالمغلب فيها حقّه، بخلاف الزكاة.
وههنا مسألتان لهما علاقة بهذا البحث:
الأولى: المسألة التي سبقت الإشارة إليها، وهي قول من يقول بإيجاب الزكاة في مال الصبيّ والمجنون والمعتوه، فكيف تجب في مالهم مع أنّ النية لا تصحّ منهم (1)؟
الثانية: أنّ الفقهاء قرّروا أنّ الممتنع من أداء الزكاة يكره على أدائها، وتجزىء عنه، فكيف يكون ذلك والنية شرط في صحة الزكاة؟
فالجواب: أنّ الزكاة فرض لازم أوجب الله على صاحب المال القيام بذلك، فإن امتنع صاحب المال من أداء الزكاة، أو كان غير مستطيعه لسفه أو جنون أو صغر، فواجب الدولة إجبار الممتنع، وواجب الولي إخراجها عن من ولي أمره، ويجزىء ذلك عن المخرج عنهم، لأنّ إخراج الزكاة أمر لازم لا بدّ من تحققه.
(1) الصحيح أن الزكاة واجبة في مال الصبي والمجنون والسفيه، وبذلك قال الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد. وقال به جمع من الصحابة والتابعين ورجحه ابن تيمية، راجع المجموع للنووي (5/ 299)، ومجموع الفتاوى (25/ 17)، والأم (2/ 24)، وهذا القول ترجّحه أحاديث وآثار عن الصحابة، كحديث "ابتغوا في مال اليتامى، لا تأكلها الزكاة"، وهذا الحديث صحيح مرسل كما بيّنه الشافعي، وتعضده الروايات الأخرى عند الترمذي وغيره، وإن كان في سندها ضعف، وهو مروي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب موقوفا عليه. راجع المجموع للنووي (5/ 297)، وتلخيص الحبير (1/ 158)، والأم (2/ 24).
وذهب سعيد بن جبير، والحسن البصري، والنخعي، وسعيد بن المسيب، إلى أن النية لا تجب فى مال هؤلاء بحجة أنه لا يصلي أحد عن أحد، ولا يزكّي أحد عن أحد (المجموع 5/ 299)، واحتجوا بما رواه البيهقي عن ابن مسعود من أن ولي اليتيم يحصي المال ويقدر الزكاة ويخبر اليتيم حين يدفع إليه المال وهو بالخيار في الزكاة وعدمها، وهذه رواية ضعيفة، ضعفها الشافعي وغيره، المجموع (5/ 297)، واستدلوا بأدلّة أخرى ساقها النووي في المجموع.
وذهب فريق ثالث إلى أن الوليّ يحصي مقدار الزكاة الواجبة في مال اليتيم، فإذا بلغ سنّ الرشد أخبره بذلك، وعليه أن يؤديها بنفسه.
وفريق رابع يرى وجوب الزكاة في صدقة الفطر والعشر فيما أخرجته الأرض، ولا يوجبونها فيما عدا ذلك، وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه. بداية المجتهد (1/ 250).