المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يوجد بعد الزوال، فقد يبلغ الصبي، ويسلم الكافر، ويفيق المجنون، - مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين

[عمر سليمان الأشقر]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأولتحديدُ مَوضُوع البَحث

- ‌تعريف القصد

- ‌تعريف النيّة

- ‌الاشتقاق اللغوي:

- ‌النيَّة في الاصطلاح

- ‌1 - تعريف النية بالعزم والقصد:

- ‌2 - تعريف النية بأنَّها الإرادة:

- ‌3 - تعريف النيّة بالإِخلاص:

- ‌4 - تعريف النية بأنَّها عمل القلب ووجهته:

- ‌النيّة شرعًا

- ‌موقع النية من العلم والعمل

- ‌جنس النيّة في الموجودات

- ‌هل للإِنسان سلطان على نيّته وقصده

- ‌التكليف

- ‌مفهوم العبادة وحدودها

- ‌أصل العبادة ومبناها

- ‌العبادة في مصطلح الفقهاء

- ‌موضوع الرسالة

- ‌المبحث الثانيالأدلّة على أنّ المقاصدَ مُعتبرة في العبادات والتصرفات

- ‌أولاً: الأدلة القرآنية:

- ‌ثانيًا: الأحاديث النبوية:

- ‌ثالثا: القصد إلى الفعل أمر ضروري:

- ‌رابعًا: عدم اعتبار الشارع للأفعال التي وقعت من غير قصد:

- ‌خامسًا: النيّة سر العبودية وروحها:

- ‌سابعًا: تأثير النية فى الأعمال:

- ‌اعتراضات

- ‌المبحث الثالثفَضل المقَاصد وعظيم خَطرهَا

- ‌1 - يبلغ المرء بنيّته ما لا يبلغه بعمله:

- ‌2 - الخلود في الجنّة أو النّار بالنيّات:

- ‌3 - الأعمال البدنية قد تتوقف بخلاف النية:

- ‌4 - قاصد الفعل الخير يثاب وإن لم يصب المراد:

- ‌5 - اهتمام العلماء بأمر النيّات:

- ‌عَدْوه ربع العلم أو ثلثه أو نصفه:

- ‌هذا الحديث من جوامع الكلم:

- ‌البداءة به في المهمات:

- ‌6 - شرفت النيات بموجدها:

- ‌7 - العمل بغير نية كالجثة الهامدة التي لا روح فيها:

- ‌8 - النيّات تميز الأعمال:

- ‌9 - المحوِّل العجيب:

- ‌10 - النيّة عمل السر وعمل السر أفضل من عمل العلانية:

- ‌11 - تربية على اليقظة:

- ‌النية أفضل من العمل:

- ‌الباب الأولالنيات وما يتعلق بها من أحكام

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولمَحَلّ النِّية

- ‌مَحَلّ النِّيَّة

- ‌حكم التلفظ بالنية دون مواطأة القلب

- ‌مناقشة القفال:

- ‌مخالفة اللسان لما نواه في قلبه

- ‌الجهر بالنيّة

- ‌التلفظ بها همسًا

- ‌هل ينعقد العمل بالنيّة فحسب

- ‌القصد المجرد عن العمل

- ‌مراتب الإرادة

- ‌الإِرادة غير الجازمة

- ‌لم أثيب الهامّ بالحسنة ولم يُعاقب على الهم بالسيئة

- ‌الإِرادة الجازمة

- ‌الثاني: العزم على فعل من أفعال الجوارح:

- ‌أدلّة القائلين بالمؤاخذة

- ‌الفصل الثانيوَقت النّية

- ‌وقت النية في الطهارة

- ‌وقت النيّة في الصلاة

- ‌القول الأول: وجوب المقارنة تكبيرة الإحرام:

- ‌القول الثاني: جواز تقدّم النيّة على التكبير بزمن يسير:

- ‌القول الثالث: وجوب تقديم النية على التكبير:

- ‌تأخير النية

- ‌وقت نية الزكاة

- ‌وقت نيّة الصوم

- ‌تقديم النية في الصوم

- ‌تأخير النية في الصوم

- ‌1 - القضاء والكفارة:

- ‌2 - صوم رمضان:

- ‌الفريق الموجب للنية من الليل في صوم رمضان:

- ‌أدلتهم:

- ‌النيّة لكلّ يوم

- ‌حكم من ظهر له وجوب الصيام نهارا

- ‌الليل كله وقت للنية

- ‌3 - صوم النذر

- ‌4 - صوم النفل

- ‌المدى الذي يصح أن يحدث فيه النية من النهار:

- ‌شروط من أجاز صوم النفل بنية من النهار:

- ‌المقدار الذي يثاب عليه الناوي من النهار:

- ‌الفصل الثالثصفة النِّيَّة

- ‌تمهيد

- ‌صفة نيّة الطهارة

- ‌إذا نوى مطلق الطهارة:

- ‌إذا نوى الغسل أو الوضوء:

- ‌إذا نوى المتطهر رفع الحدث:

- ‌إذا نوى المتطهر الطهارة لأمر لا يستباح إلا بها:

- ‌إذا نوى ما تستحب له الطهارة:

- ‌إذا نوى ما لا تشرع الطهارة له:

- ‌إذا نوى من عليه أحداث رفع أحدها:

- ‌النية للتيمم

- ‌صفة النيّة في العبادات الواجبة

- ‌صفة النيّة في الزكاة والحج والعمرة

- ‌صفة النية في الصوم

- ‌صفة النيّة في الصلاة

- ‌نية الجماعة

- ‌نيّة القضاء والأداء

- ‌نية الجمع

- ‌صفة النية في النوافل

- ‌الاستحضار التفصيلي لأركان الصلاة

- ‌قول أعجب وأغرب

- ‌الفصل الرابعشروط النِّيَّة ومبطلاتها

- ‌الشرط الأولأهلية من صدرت عنه النية

- ‌الوضوء والغسل والتيمم من الكافر

- ‌الزكاة من أهل الذمة

- ‌غسل الزوجة الكتابية

- ‌القربات التي أداها المسلم حال كفره

- ‌العبادة من غير المميز

- ‌حج الصغير الذي لا يميز

- ‌نيّة الصبي المميز

- ‌الشرط الثانيالجزم والتنجيز وعدم التردد والتعليق

- ‌الشك

- ‌الشك بسبب عدم علمه بأمور تتعلق بالمنوي

- ‌اختلطت ثياب طاهرة بنجسة

- ‌الشك في الصلاة التي فاتته

- ‌صيام يوم الشك

- ‌صيام الأسير

- ‌الشك في أصل النية

- ‌التردد في العبادة

- ‌تعليق النية على المشيئة أو على حصول شيء ما

- ‌الشرط الثالث‌‌استصحاب حكم النية

- ‌استصحاب حكم النية

- ‌رفض النية

- ‌رفض النية بعد تمام العبادة:

- ‌رفض نية العبادة في أثنائها

- ‌قلب النية وتغييرها

- ‌أقسام النيّة التي قلبت

- ‌الأول: نفل فرض إلى فرض:

- ‌الثاني: نقل فرض إلى نفل:

- ‌الثالث: نقل نفل إلى فرض:

- ‌الرابع: نقل نفل إلى نفل:

- ‌تغيير النيَّة

- ‌المنفرد يصبح إماما

- ‌الإمام يصبح مأموما

- ‌المأموم يصبح منفردا

- ‌المنفرد يتحوّل إلى مأموم

- ‌تغيير نية القصر إلى إتمام

- ‌اختلاف نيّة الإمام والمأموم

- ‌الأدلة النقلية

- ‌الاستدلال بالقياس:

- ‌الشرط الرابععدم التشريك في النيّة

- ‌الشرط الخامسأن تتعلق النية بمكتسب للناوي

- ‌الشرط السادسقصد العبادة دفعة واحدة

- ‌الشرط السابعمقارنة النيّة للمنوي

- ‌الشرط الثامنالعلم بصفات المنوي

- ‌الغلط في تعيين المنوي

- ‌الفَصل الخامسالنيَابة في النيَّة

- ‌تمهيد:

- ‌أدلّة الذين منعوا مطلقا

- ‌أولا: النصوص التي تدل بعمومها على منع النيابة:

- ‌ثانيا: النصوص المصرّحة بمنع النيابة في بعض العبادات:

- ‌ثالثا: قالوا جواز النيابة فى العبادات تنافي الغرض من تشريعها:

- ‌المجيزون مطلقا

- ‌موقفهم من حجج المانعين:

- ‌أدلّة المجيزين للنيابة مطلقا أو في حال دون حال:

- ‌موقف المانعين للنيابة في العبادات من هذه النصوص الدالة على الجواز ومناقشتهم:

- ‌موقف الدين أجازوا النيابة في بعض العبادات من حجج المجيزين مطلقا:

- ‌تحرير محلّ النزاع

- ‌أولا: عبادات لا مجال للنيابة فيها:

- ‌ثانيا: الذين لا تجوز النيابة عنهم:

- ‌الرأي الراجح:

- ‌إهداء ثواب العبادة للأموات

- ‌حجج المانعين:

- ‌حجج المجيزين:

- ‌النظر في هذه الأدلة:

- ‌مَا يفتَقِر إلى النِّيَّة وَمَا لَا يفتقِر إليَهَا

- ‌إزالة النجاسات

- ‌الأحداث التي تنقض الطهارة

- ‌النيّة في الوضوء والغسل

- ‌أدلة القائلين بعدم الوجوب

- ‌1 - أن الماء مطهر بطبعه:

- ‌2 - أن المعتبر في الوضوء لا يتوقف على النَّية:

- ‌3 - الوضوء يتحقق المقصود منه بنفس وقوعه:

- ‌4 - الوضوء وسيلة لغيره، والوسائل لا تلزمها النية:

- ‌5 - الوضوء شرط والشروط لا تحتاج إلى نيّة:

- ‌6 - إطلاق النصوص:

- ‌7 - دليل النية ظني الثبوت ظني الدلالة:

- ‌مناقشة الحجج التي أوردوها

- ‌أدلة الموجبين

- ‌أولا: الأحاديث المبينة فضل المتوضىء والمغتسل:

- ‌ثانيا: نصوص زعموا أنها توجب النية في الوضوء:

- ‌ثالثا: القياس:

- ‌النيّة في التيمم

- ‌النيّة في الصلاة

- ‌النيّة في الزكاة

- ‌إذا تصدَّق بجميع ماله ولم ينو الزكاة:

- ‌صوم رمضان

- ‌النيّة في الحجّ والعمرة

- ‌النية في الاعتكاف

- ‌النية في الكفارات

- ‌النيّة لأعمال القلب

- ‌النيّة في الأقوال

- ‌السنة في التروك

- ‌حكم النيّة في العبادات

- ‌(ركن، أم شرط)

- ‌الباب الثانيالإخلاص

- ‌تمهيد

- ‌أهمية الغاية وعظيم خطرها

- ‌لا غنى للبشرية عن الغاية التي يرسمها الإِسلام

- ‌الدواعي الطبعية والدواعي الشرعية

- ‌الفصل الأولالغاية التي تتوجَّه إليها مقاصدُ المكلّفين

- ‌الغاية الواحدة في مصطلح القرآن هي الإخلاص

- ‌شدة الإخلاص وصعوبته

- ‌لماذا كان الله هو المقصود دون سواه

- ‌1 - الغاية التي ليس وراءها غاية:

- ‌2 - هو المستحقُّ لأن يقصد ويعبد:

- ‌3 - السعادة في قصده، والشقاء في توجيه القلوب إلى سواه:

- ‌4 - لا سبيل إلى تحرر النفس الِإنسانية إلاّ بتوجهها إليه:

- ‌5 - عنى الله عن العباد وإحسانه إليهم:

- ‌حكم الإِخلاص في العبادات

- ‌الفصل الثانيمفهومات خاطئة للإخلاص

- ‌1 - الِإخلاص والتجرد عن الِإرادة

- ‌هل يمكن العمل بدون إرادة:

- ‌الفناء الحق:

- ‌2 - التجرد عن الميول والنزعات الفطرية

- ‌محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الاتجاه:

- ‌سرّ المسألة:

- ‌3 - قصد النعيم الأخروي

- ‌تنوّع المقاصد الخيّرة

- ‌الفصل الثّالِث المقاصد السَّيّئة

- ‌أولاً: اتباع الهوى

- ‌تعريف الهوى وبيان نتائجه وآثاره:

- ‌علاج الهوى

- ‌1 - تحويل الاتجاه:

- ‌2 - تقوية الإرادة:

- ‌3 - إحياء واعظ الله في قلوبنا:

- ‌4 - محاسبة العبد نفسه:

- ‌ثانيًا: الرياء

- ‌ومن النصوص القرآنية التي تتوعّد المرائين:

- ‌تعريف الرياء

- ‌الرياء لغة:

- ‌الرياء شرعًا:

- ‌الرياء والسمعة:

- ‌الرياء والعجب:

- ‌أسباب الرياء

- ‌الأمور التي يراءى بها

- ‌حكم العمل المراءى به

- ‌مناقشة ما احتج به أصحاب هذا المذهب:

- ‌شبهة وجوابها:

- ‌تحقيق القول في قصد المكلف المصالح التي أقر الشارع قصدها بالعبادة:

- ‌الغنيمة في الحرب والتجارة في الحج تنقصان الأجر

- ‌الرياء بأوصاف العبادة

- ‌خفاء الرياء وتلونه

- ‌مزلق خطر

- ‌ترك العمل خوف الرياء

- ‌1 - الاستعانة بالله على الإخلاص والتعوذ به من الرياء ومراقبته:

- ‌2 - معرفة الرياء والتحرز منه:

- ‌3 - النظر في عاقبة الرياء في الدنيا:

- ‌4 - النظر في عواقبه الأخروية:

- ‌5 - إخفاء العبادة وإسرارها:

- ‌علامات القائم بالإِخلاص

- ‌ثالثا: التعبد بقصد الاطلاع على العوالم المغيبة

- ‌اعتراضات

- ‌رابعا: الهروب من العبادة

- ‌الأمر الضابط لمقاصد المكلفين

- ‌الفصل الرابع تأثيرُ القَصْد في الأفعال

- ‌تأثير النيّة في المباحات

- ‌التوفيق بين الرأيين:

- ‌استحضار النية عند المباح:

- ‌تأثير النيّة في الأفعال المحرّمة

- ‌الفرقة الأولى:

- ‌الفرقة الثانية:

- ‌الفرقة الثالثة:

- ‌التقرب إلى الله بالعبادات المبتدعة

- ‌خاتمة القول

- ‌مُلحَقإيضاحات مهمة تتعلق بحديث "إنمّا الأعمال بالنيّات

- ‌تمهيد:

- ‌الألفاظ التي وردت بها روايات الحديث

- ‌سبب الحديث

- ‌إشكال يرد على الحديث باعتبار سببه

- ‌كتب السنة التي أخرجته

- ‌هل أخرجه مالك في الموطأ:

- ‌طرق الحديث

- ‌مخطط يوضح طرق الحديث في كتب السنة

- ‌إشكالات أوردت على الحديث

- ‌1 - تضعيف الحديث لكونه غريبًا:

- ‌2 - أنّه حديث شاذ:

- ‌3 - أن فيه انقطاعا:

- ‌4 - أنه ليس حديثا فردًا:

- ‌5 - أنه متواتر:

- ‌قائمة المراجع

الفصل: يوجد بعد الزوال، فقد يبلغ الصبي، ويسلم الكافر، ويفيق المجنون،

يوجد بعد الزوال، فقد يبلغ الصبي، ويسلم الكافر، ويفيق المجنون، ويصحو المغمى عليه، وهم لا يقولون بذلك.

ثم إن إجازة صوم هؤلاء من النهار بلا نية على القول به كما هو مذهب ابن حزم خاص بهم للضرورة (1)، وقد احتج لمذهبه هذا بحديث صيام عاشوراء حيث أمر من أكل بالإمساك، ومن لم يأكل بالصيام، أما الذين كانوا قادرين على النية من الليل فلم يفعلوا فلا حرج في إيجاب النيّة عليهم من الليل لإباحة النية في الليل بطوله، وقد تابع ابن حزم في مذهبه الشوكاني من المتأخرين (2).

إلاّ أن كثيرا من الفقهاء نازع في إيجاب النية على الكافر يسلم في نهار يوم الصيام، والصبي يبلغ أثناءه، لكونهما غير مُكَلَّفَيْنِ من أوله، فهم يرون أنَّ الصيام عليهما غير واجب، والحائض لها أن تنوي من الليل إذا علمت أن عادتها الطهر قبيل الفجر.

‌الفريق الموجب للنية من الليل في صوم رمضان:

وذهب مالك وأحمد وإسحق (3) والشافعي وداود وجماهير العلماء من السلف والخلف إلى أنه لا يصح صوم رمضان إلاّ بنيّة من الليل (4).

‌أدلتهم:

أولا: احتجوا بما رواه النسائي (5) من طريق أحمد بن أزهر عن عبد الرزاق عن

(1) المحلى (6/ 164 - 166).

(2)

نيل الأوطار (4/ 208).

(3)

هو إسحق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي المعروف بإسحق بن راهويه، عالم خراسان في عصره، وهو أحد كبار الحفاظ، أخذ عنه الإمام أحمد، والبخاري ومسلم والنسائي وغيرهم، ولد في سنة (161 هـ)، وتوفي سنة (238 هـ).

راجع. (خلاصة تذهيب الكمال1/ 69)، (طبقات الحفاظ ص 188)، (تهذيب التهذيب 1/ 216).

(4)

المجموع للنووي (6/ 337)، وراجع المغني لابن قدامة (3/ 91).

(5)

هو أحمد بن شعيب، أصله من (لسا) بخراسان، استوطن مصر، وهو صاحب كتاب السنن الصغرى، أحد الكتب الستة المعتمدة في الحديث، ولادته في سنة (215 هـ)، ووفاته في القدس أو مكة ت (303 هـ).

راجع: (تذكرة الحفاظ 4/ 699)، (خلاصة تذهيب الكمال 1/ 17)، (طبقات الحفاظ ص 303).

ص: 179

ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر (1) عن حفصة (2)، قالت؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له"(3).

وقد اعترض الأحناف على الحديث باعتراضات عدة:

1 -

أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة (4)، وهذا الذي ذكروه من ضعف الحديث قاله جماعة من الحفاظ، فضعفوا رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ورجحوا أن الحديث موقوف.

قال البخاري: هو خطأ، وهو حديث فيه اضطراب، والصحيح عن ابن عمر موقوف.

وقال الترمذي: الموقوف أصح.

وقال النسائي: الصواب عندي أنّه موقوف ولم يصح رفعه.

وجوابنا على ذلك من وجهين:

أ- أن جماعة من الحفاظ حكموا بصحته مرفوعا، منهم ابن خزيمة وابن حبان، وقال الحاكم (5) في الأربعين: صحيح على شرط الشيخين.

وقال في المستدرك: صحيح على شرط البخاري.

(1) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب، أسلم مع أبيه وهاجر، راوية مكثر من الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتهر بالحرص الشديد على اتباع السنة، والاجتهاد في العبادة، ولد قبل الهجرة بعشر سنوات وتوفي سنة (84 هـ).

راجع: (خلاصة تذهيب الكمال 2/ 81)، (الكاشف 2/ 112)، (طبقات الحفاظ ص 9).

(2)

هي أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب، لها في البخاري ومسلم (60) حديثا، ولدت قبل الهجرة بـ (18) سنة، وتوفيت سنة (45 هـ).

راجع: (تهذيب التهذيب 12/ 410)، (خلاصة تذهيب الكمال 3/ 378)، (الكاشف 3/ 468).

(3)

سنن النسائي (4/ 196).

(4)

فتح القدير لابن الهمام (2/ 46).

(5)

هو محمد بن عبد الله بن حمدويه الضبي النيسابوري من أكابر حفاظ الحديث، أخذ عن نحو ألفي شيخ، صنف كتبا كثيرة منها:(تاريخ نيسابور)، (المستدرك على الصحيحين)، وتوفي سنة (405 هـ).

راجع: (تذكرة الحفاظ 3/ 1039)، (شذرات الذهب 3/ 176)، (طبقات الحفاظ ص 409).

ص: 180

وقال البيهقي رواته ثقات إلا أنّه روي موقوفا (1).

والسبب الذي من أجله ضعّفه لا يعتبر سببا قويا قويا لتضعيف الحديث، فكونه روي موقوفا، وروي مرفوعا، ليس سببا موجبا لتضعيفه، خاصة وأن الذي رفعه ثقة ثبت، بل إن روايته مرفوعا وموقوفا تعتبر سببا موجبا لقوة الحديث.

يقول ابن حزم بعد أن ساق رواية النسائي: "وهذا إسناد صحيح، ولا يضر إسناد ابن جريج له، أن وقفه معمر (2)، ومالك، وعبيد الله، ويونس، وابن عيينة (3)، فابن جريج (4) لا يتأخر عن أحد من هؤلاء في الثقة والحفظ". ثم قال: "والزهري (5) واسع الدراية، فمرة يرويه عن سالم عن أبيه، ومرة عن حمزة عن أبيه، وكلاهما ثقة.

وابن عمر كذلك مرة رواه مسندا، ومرة روي أن حفصة أفتت به، ومرة أفتى به هو".

ثم يقول: "وكل هذا قوة للخبر"(6).

(1) انظر تحقيق ابن حجر للحديث في (تلخيص الحبير 2/ 188)، فمنه نقلنا، والحديث رواه غير النسائي: أبو داود والترمذي وابن ماجه، أقول: وقد وهم ابن رشد إذ عزاه في بداية المجتهد (1/ 301) إلى البخاري.

(2)

هو معمر بن راشد بن أبي عمرو الأزدي، فقيه حافظ للحديث، ولد في البصرة (95 هـ)، وسكن اليمن، وتوفي بها (153 هـ).

راجع: (خلاصة تذهيب الكمال 3/ 47)، (طبقات الحفاظ ص 82)، (الكاشف 3/ 164).

(3)

هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران: ميمون الهلالي أبو محمد الكوفي الأعور، أحد أئمة الإسلام، قال الشافعي: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز، توفي بمكة سنة (198 هـ).

راجع: (خلاصة تذهيب الكمال 1/ 397)، (طبقات الحفاظ ص 113)، (الكاشف 1/ 379).

(4)

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، ففيه الحرم الكي، وإمام أهل الحجاز بن عصره، رومي الأصل، ولد وتوفي بمكة (80 - 150 هـ).

راجع: (خلاصة تذهيب الكمال 2/ 178)، (الكاشف 2/ 210)، (طبقات الحفاظ ص 74).

(5)

هو محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب، من بني زهرة كلاب من قريش، أول من دون الحديث، وأحد كبار الحفاظ والفقهاء، تابعي من أهل المدينة، عاش ما بين (58 - 124 هـ).

راجع: (خلاصة تذهيب الكمال 2/ 457)، (الكاشف 3/ 96)، (طبقات الحفاظ ص 42).

(6)

المحلى (6/ 162).

ص: 181

وقال الخطابي: "أسنده عبد الله بن أبي بكر (1)، والزيادة من الثقة مقبولة"(2).

ب- وعلى التسليم لهم بضعف الحديث: فإنه قد روي موقوفا عن ثلاثة من الصحابة بأسانيد صحيحة، والصحابة الذين يروى موقوفا عليهم هم: ابن عمر، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهم جميعا (3).

وهؤلاء لا يعرف لهم مخالف من الصحابة أصلا، والأحناف يستعظمون مخالفة الصحابي الذي لم يعرف له مخالف.

فإن قالوا: حديث عاشوراء يدل على جواز الصوم بنية من النهار، وهو أصح من هذا الحديث كما قاله ابن الهمام (4)، فالجواب أن حديث عاشوراء لا يدل على مدعاهم كما سبق بيانه.

2 -

أنَّه من الآحاد، فلا يصلح ناسخا للكتاب (5).

وكون الزيادة على النص القرآني تعتبر نسخا لا يسلم لهم، كما بحثناه من قبل.

3 -

أنهم حملوه على صوم القضاء والنذر:

وهذا تأويل بعيد كما يقول الآمدي: وإنما كان هذا التأويل بعيدا، لأن الصوم في الحديث نكرة، وقد دخل عليه حرف النفي، فكان ظاهره العموم في كل صوم، ثم المتبادر إلى الفهم من لفظ الصوم إنمَّا هو الصوم الأصلي المتخاطب في اللغات: وهو الفرض والتطوع، دون ما وجوبه بعارض، ووقوعه نادر، وهو القضاء والنذر.

(1) هو عبد الله بن أبي بكر الصديق صحابي من العقلاء. الشجعان السابقين إلى الإسلام، كان له دور هام في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، توفي سنة (11 هـ).

راجع: (الأعلام 4/ 234).

(2)

تلخيص الحبير (2/ 188).

(3)

راجع سنن النسائي، والمحلي (6/ 161)، وتلخيص الحبير (2/ 188).

(4)

فيض القدير (2/ 47).

(5)

بدائع الصنائع (2/ 86).

ص: 182

وقد أصاب الآمدي في ردّه عليهم عندما بين أنّ ترك ما هو قوي في العموم، وإخراج الأصل الغالب من النص، وإرادة العارض البعيد النادر- إلغاز في القول.

وقرّب هذا بمثال ضربه، فالسيد إذا قال لعبده:"من دخل داري من أقاربي فأكرمه"، ثم قال: إنّما أردت قرابة السبب دون النسب، أو ذوات الأرحام البعيدة، دون العصبات القريبة، كان قوله منكرا مستبعدًا" (1).

4 -

وقالوا ليس معناه كما ذكرتم، بل إنَّ المراد بقوله:"لا صيام لمن لم يبيت الصيام"، أي لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل بأن نوى الصيام من وقت النية (2).

وهذا تأويل غريب للحديث، يبطله أدنى تأمل في نصّ الحديث، فقوله:"لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" نص في أنّ مراد الرسول -صلى الله عليه ولمسلم- النيّة من الليل، لقوله:"يبيت" والتبييت فعل الأمر في البيات وهو الليل.

ومما يوضح هذا الأمر رواية ابن عمر الموقوفة عليه "لا يصوم إلاّ من أجمع الصيام قبل الفجر"، وقالت عائشة مثل ذلك.

وقالت حفصة: "لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر". فنص الحديث المرفوع، والأحاديث الموقوفة صريحة في إيجاب إيقاع النيَّة في الليل، وهذا التأويل الذي ذكروه لا وجه له، بل هو تمحل من قائله لنصرة المذهب، وهذا لا يجوز لهم.

5 -

قالوا أيضا: الحديث محمول على نفي الفضيلة أو الكمال، كقوله:"لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"(3).

وجوابا أن هذا الحديث ضعيف (4)، ولو ثبت لما صحت صلاة لجار المسجد

(1) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (3/ 83).

(2)

الهداية (2/ 46)، والعناية (2/ 46).

(3)

بدائع الصانع (2/ 86)، الهداية (2/ 46).

(4)

قال الحافظ السخاوي في حديث (لا صلاة لجار المسجد): رواه الدارقطني والحاكم والطبراني فيما أملاه، ومن طريقة الديلي .. ، وابن حبان في الضعفاء، وأسانيدها ضعيفة، وليس له -كما قال شيخنا- إسناد ثابت، وقد قال ابن حزم: هذا حديث ضعيف (المقاصد الحسنة ص 467).

ص: 183