الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الصحيح أنَّ تغيير هذه النية لا يضرَّ، وأن صلاته صحيحة، بل يجب عليه أن يتم الصلاة إذا غير نية السفر، ونوى الإقامة في مكانه، أو نوى الرجوع إلى بلده، والمسافة قصيرة لا يباح فيها القصر، وعلى هذا الشافعي وأحمد، وحجتهم أن القصر رخصة، فإذا أسقط نيَّة الترخص صحَّت الصلاة بنيتها، ولزم الإتمام، ولأنَّ الإتمام الأصل، وإنَّما أبيح بشرط، فإذا زال الشرط عاد الأصل إلى حاله.
وما ذهب إليه مالك رحمه الله من أنَّه لا يجوز له الإتمام، لأنه نوى عددا، فإن زاد عليه حصلت الزيادة بغير نيَّة، يرده أن النية لم تتغير، وإنَّما الذي تغير السبب الذي يجعل الصلاة المقصورة تامة، وهذا التغيير قد عهدنا من الشارع أنَّه لا يعتد بمثله كما سبق في صحة تغيير نية المنفرد إلى الإمامة، والمأموم إلى منفرد (1).
اختلاف نيّة الإمام والمأموم
مما يلحق بالمسألة السابقة اختلاف نية الإمام والمأموم، هل هذا الاختلاف يبطل الصلاة؟.
لا خلاف بين العلماء في أن هذا لا أثر له كلية إذا اقتدى المتنفل بالمفترض (2)، وقد جاءت نصوص كثيرة تدل على هذا، منها الحديث الذي سبق ذكره "من يتصدق على هذا"، فقام أحد الصحابة فصلى خلف ذلك الذي فاتته الجماعة" (3).
وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أبا ذر (4) إذا أدرك الأمراء الذين يؤخّرون
(1) راجع في هذه المسألة المغني (2/ 266)، قواعد الأحكام (1/ 216).
(2)
المغني (2/ 262)، المحلى (4/ 230).
(3)
رواه أبو داود والترمذي، وحسنة، وابن خزيمة، وصحّحه، وابن حبان والحاكم.
(4)
هو جندب ابن جنادة في سفيان من بني غفار، من السابقين إلى الإسلام، يضرب به المثل في الصدق، كان شديدا على الأغنياء، يلومهم ويقرعهم لعدم بذلهم الأموال للمحتاجين، توفي بالربذة، قرب المدينة عام (32 هـ).
راجع: (الإصابة 4/ 63)، (خلاصة تذهيب الكمال 3/ 215)، (الكاشف3/ 333)، (طبقات الحفاظ ص 6)، الأعلام (2/ 137).
الصلاة عن وقتها، بأن يصلّي الصلاة لوقتها، فإن أدرك الصلاة معهم فيصلي، فإنها نافلة له (1).
إنما الاختلاف بين العلماء في صلاة المفترض خلف التنفل، فقد منع من ذلك مالك وأبو حنيفة، وحجتهم فيما ذهبوا إليه النصوص الآمرة بمتابعة الِإمام، والناهية عن الاختلاف عليه، كحديث أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إنّما جعل الِإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبَّر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلَّى جالسا فصلّوا جلوسا أجمعون"(2)، فقد استدلّوا بقوله:"إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه" على وجوب موافقة الِإمام في نية الصلاة التي يصليها، وعلى منع الاختلاف في النيّات.
وذهب الإمام الشافعي إلى جواز اقتداء المفترض بالمتنفل، لأن حديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به" لا يتناول النية، لأن ظاهره إنما هو في الأفعال الظاهرة، يدل على هذا الأدلّة الكثيرة التي جاءت مجيزة اقتداء المفترض بالمتنفل، وعلى احتمال أن حديث:"إنما جعل الإمام ليؤتم به" شامل للنيات كما يشمل الأفعال الظاهرة، فإنَّنا نخص منه النيات بتلك الأدلة التي جاءت مجيزة لاقتداء المفترض بالمتنفل (3).
والإمام أحمد رحمه الله وطائفة من أصحابه يجيزون اقتداء المفترض بالمتنفل للحاجة، كما في صلاة الخوف، وكما لو كان المفترض غير قارىء، كما
(1) أخرجه مسلم، انظر شرح النووي على مسلم (5/ 147).
(2)
عزاه الحافظ في تلخيص الحبير (2/ 38)، إلى البخاري ومسلم في زمن أغرب الاستدلال استدلال المالكية على منع صلاة المفترض خلف المتنفل بقوله تعالى:{لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} (سورة الحشر / 14)، ووجه الاستدلال أن هؤلاء المذمومون في الآية مجمعون على الصورة في الأفعال ومختلفون في النيات، ولو كان هذا الاستدلال صحيحا لامتنع صلاة المتنفل خلف المفترض بهذه الآية، ولم يمنعوها. (أحكام القرآن لابن العربي).
(3)
بداية المجتهد (1/ 123)، وراجع السيل الجرّار (1/ 352).