الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لرؤية الّناس له، ونظرهم، فهذا أمر اختلف فيه العلماء من السلف الصالح، وقد حكى هذا الخلاف الإمام أحمد وابن جرير الطبري، ورجحا أن عمله لا يبطل بذلك، وأنه يجازى بنيته الأولى، وهو مروي عن الحسن البصري (1).
وممن قال بذلك السمرقندي، فهو يرى أن ما فعله من أجل ربّ الناس مقبول، وما فعله من أجل الناس مردود، وسئل العز بن عبد السلام عمن صلى وطول صلاته من أجل الناس، فقال: أرجو ألا يحبط عمله (2).
ونقل ابن نجيم عن بعض الأحناف أنه يرى: أنَّ من افتتح الصلاة خالصا لله تعالى، ثم دخل في قلبه الرياء، فهو على ما افتتح (3).
وممن قرر هذه المسألة على هذا النحو ابن القيم (4).
إلا أنه ينبغي أن يكون واضحا أن ثواب هذا العامل على هذا النحو غير تام، بل فيه نقصان بسب ريائه، ولا يبعد أن يكون على خطر عظيم (5).
خفاء الرياء وتلونه
لقد كان المحاسبي رحمه الله بعيد النظر عندما قرر (6) أن النفس الإنسانية تطلب لذتها دائما، وإن شهوة النفس خفية كامنة كمون النار في العود، فإذا منع
(1) تيسير العزيز الحميد ص 467.
(2)
شرح الأربعين النووية ص 10.
(3)
الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 39.
(4)
إعلام الموقعين 2/ 161.
(5)
أما عكس هذه المسألة وهو أن يكون الباعث الأول لغير الله، ثم يعرض له قلب النية لله، فهذا لا يحتسب له بما مضى من العمل، ويحتسب له من حين قلب نيته، ثم إن كانت العبادة لا يصح آخرها إلا بصحة أولها وجبت الإعادة كالصلاة، إلا لم تجب كمن أحرم لغير الله، ثم قلب نيته لله الوقوف والطواف، (إعلام الموقعين 2/ 161)، هذا ما قرره ابن القيم، إلاّ أن بعض العلماء يرى أن الصلاة لا تنعقد أصلا، وآخرون يرون في مثل الصلاة أنه يلغى كل شيء صلاه إلا التحريم، وآخرون قالوا: يصح لأن النظر إلى الخواتيم كما لو ابتدأنا بالإخلاص وصحبه الرياء من بعده، قال الغزالي: والقولان الأخيران خارجان عن قياس الفقه (انظر سبل السلام 4/ 187).
(6)
الرعاية ص 121.
المسلم نفسه شهوتها بإلزامها بالعبادة والطاعة حاولت أن تجد لذتها بسبيل آخر وهو التزين بالطاعة لتنال حمد الناس.
ولشدة ميل النفس إلى حمد النّاس وثنائهم فإن قصد الرياء يتلون في قلب الإِنسان، حتى يكاد يتوهم أنه مخلص، وهو في الحقيقة يرائي في عمله، وقد عدِّد الغزالي رحمه الله درجات الرياء من حيث الخفاء والجلاء، ورتبها ترتيبا تصاعديا (1).
وأول هذه المراتب وأجلاها أن يحسّن العبد من صلاته وعمله الصالح لما يرى من نظر الناس اليه، حتى ينظروا إليه بعين الوقار، ولا يزدرونه، فتخشع جوارحه لذلك، وتسكن أطرافه، وهذا هو الرياء الظاهر، وهو لا يخفى على المبتدئين.
والدرجة الثانية: أن يكون العبد قد علم الرياء الظاهر، فيأتيه الشيطان من زاوية أخرى يخدعه، كأن يدعوه إلى إحسان الصلاة، وإطالتها، لأنه مقتدى به متبوع، ولذا ينبغي أن يحسن صلاته كي ينال أجر الذين ينتفعون ويقتدون به، وهذا في بعض الأحيان خدعة كي تنال النفس لذتها وتصل إلى مطلوبها، وما هذا التعليل إلا إمرار للباطل في صورة الحق كيلا يرفضه الإنسان.
الدرجة الثالثة: إذا تنبه المسلم إلى أن هذا الذي ذكر في الدرجة الثانية رياء، فإنَّ الشيطان قد يدعوه إلى الخشوع في السر وإطالة الصلاة، حتى لا تكون عبادته في السر غيرها في العلانية.
والدرجة الرابعة: وهي أخفاها، وهي تحدث ممن خبر المراتب الثلاثة السابقة، فعند ذلك لا يستطيع أن يأتيه الشيطان منها، ولذا فإن الشيطان يدعوه إلى الخشوع في الصلاة -مثلا- عندما يكون بين الناس، ويقول له تفكر في عظمة الله، واستح أن ينظر إلى قلبك وهو غافل عنه، وعند ذلك يخشع القلب، وإنما كان هذا من الرياء الخفي، لأن هذا العابد لا يخشع مثل هذا الخشوع لو صلى وحده بعيدا
(1) إحياء علوم الدين 4/ 382.