الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر"(1).
4 -
حديث أنس بن مالك (2) يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحا بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: "اللهمَّ أنت عبدي، وأنا ربّك، أخطأ من شدة الفرح" (3).
فلو كان هذا الواجد لناقته قاصدا لقولته هذه لكان كافرا كفرا مخرجا من الملة، ولكن لما سبق لسانه إلى خلاف ما بقصده لشدة فرحه لم يؤاخذه الله بقولته.
5 -
والناطق بكلمة الكفر مكرها، وقلبه مطمئن بالِإيمان، لا يؤاخذه الله:{إلاّ مَنْ أكْرهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ بِالإيَمانِ} (4). والنصوص في هذا كثيرة جدا، والأمر أوضح من أن نطيل في الاستدلال عليه.
خامسًا: النيّة سر العبودية وروحها:
وقد وضحنا هذه المسألة وبيناها في "فضل النّية"، فكيف يعتد بعبادة لا روح لها! يقول ابن حزم (5) في هذا "النية هي سر العبودية وروحها، ومحلها من العمل محل
(1) انظر تخريج الحديث السابق. ص 43.
(2)
هو أنس بن مالك بن النضر النجاري الخزرجي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه.
ولد في المدينة قبل الهجرة بعشر سنوات، وتوفي في البصرة عام (93 هـ).
(3)
رواه مسلم في صحيحه (انظر رياض الصالحين ص 13، 14).
(4)
سورة النحل/ 106.
(5)
هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلس (384 - 456 هـ)، فقيه ظاهري، انتسب إليه بالأندلس خلق كثير، سموا، بالحزمية، أسندت إليه الوزارة ثم زهد فيها، واتجه إلى التأليف، كان سليط اللسان، قوي الحجة، طورد وأقصي عن بلده، من كتبه (المحلى) في الفقه، (الإحكام في أصول الأحكام) في الأصول.
(لسان الميزان 4/ 198)، (طبقات الحفاظ ص 436)، (الأعلام 5/ 59).
الروح من الجسد، ومحال أن يعتبر في العبودية عمل لا روح له معه، بل هو بمنزلة الجسد الخراب" (1).
والحق الذي يشهد له الكتاب والسنة أن المأمور بالتكاليف الشرعة هو النفس الإنسانية، وما الجسد إلاّ آلة لها، فإذا كانت فاقدة للعمل الذي أمرت به -وهو الإخلاص والنية- كان العمل الذي يقوم به البدن ضربًا من العبث والضلال.
سادسًا: القصود تميّز العبادات عن العادات، كما تميز رتب العبادات:
فمن تمييزها العبادات عن العادات: (2)
1 -
الغسل: فإنه مردد بين ما يفعل قربة إلى الله، كالغسل من الأحداث، وما يفعل لأغراض العباد: من التبرد، والتنظيف، والاستحمام، والمداواة، وإزالة الأوضار والأقذار، فلماّ تردّد بين هذه المقاصد وجب تمييز ما يفعل لرب الأرباب، عما يفعل لأغراض العباد.
2 -
دفع الأموال مردّد بين أن يفعل هبة، أو هديّة، أو عطيّة، وبين أن يفعل قربة إلى الله، كالزكاة، والصدقات، والكفارات.
فلما تردّد بين هذه الأغراض وجب أن تميز نية ما يفعل لله عما يفعل لغير الله.
3 -
الإمساك عن المفطرات: تارة يفعل لغرض الإمساك عن المفطرات، وتارة يفعل قربة إلى رب الأرض والسموات، فوجب فيه النية، لتصرفه عن أغراض العباد إلى التقرب إلى المعبود.
4 -
حضور المساجد: قد يكون للراحات، أو الصلوات، والقربة بالحضور فيها زيارة للرب سبحانه وتعالى. لما تردد بين هذه الجهات وجب أن يميز الحضور في المسجد زيارة للرب سبحانه وتعالى عما يفعل لغير ذلك من الأغراض.
(1) إحكام الأحكام لابن حزم (2/ 706 - 707).
(2)
راجع في هذا الموضوع قواعد الأحكام (1/ 207)، والأشباه والنظائر للسيوطي (ص 12)، والذخيرة (1/ 236)، والحطاب على خليل (1/ 234).
5 -
الضحايا والهدايا: لما كان ذبح الذبائح في الغالب لغير الله، من ضيافة الضيفان، وتغذية الأبدان، ونادر أحواله أن يفعل تقربا إلى الملك الديان -شرطت فيه النية، تمييزا لذبح القربة عن الذبح للاقتيات والضيافات، لأن تطهير الحيوان بالذكاة كتطهير الأعضاء بالمياه من الأحداث، تارة يكون لله، وتارة يكون لغير الله، فالنية واجبة كي يتميز الذي لله عما عداه.
6 -
الحج: لما كانت أفعاله مردّدة بين العبادات والعادات وجب فيه النية تمييزا للعبادات عن العادات. فالعبادات لا تتميز عن العادات في الأمثلة التي ذكرناها إلا بالنية، لأن الصورة واحدة، فإذا عدمت النية كان العمل عاديا لا عباديا، والعادات لا يتقرب بها إلى بارىء البريات، وفاطر المخلوقات، فإذا عريَ العمل عن النية كان كالأكل والشرب والنوم البهيمي الحيواني، الذهب لا يكون عبادة بوجه، فضلا عن أن يؤمر به، ويرتب عليه الثواب والعقاب والمدح والذم، وما كان هذا سبيله لم يكن من المشروع المتقرب به إلى الرب تبارك وتعالى.
ومن تمييزها رتب العبادات: (1)
1 -
الصلاة: فالصلاة تنقسم إلى فرض ونفل. والنفل ينقسم إلى: راتب، وغير راتب.
والفرض ينقسم إلى منذور وغير منذور. وغير المنذور ينقسم إلى: ظهر وعصر، ومغرب وعشاء، وصبح، وإلى قضاء وأداء.
فيجب في النفل أن يميز الراتب عن غيره بالنية وكذلك تميز صلاة الاستسقاء عن صلاة العيد، وكذلك في الفرض تميز الظهر عن العصر، والمنذورة عن المفروضة بأصل الشرع.
2 -
وفي العبادة المالية تميز الصدقة الواجبة عن النافلة، والزكاة عن المنذورة والنافلة.
(1) المصادر السابقة.