المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم العمل المراءى به - مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين

[عمر سليمان الأشقر]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأولتحديدُ مَوضُوع البَحث

- ‌تعريف القصد

- ‌تعريف النيّة

- ‌الاشتقاق اللغوي:

- ‌النيَّة في الاصطلاح

- ‌1 - تعريف النية بالعزم والقصد:

- ‌2 - تعريف النية بأنَّها الإرادة:

- ‌3 - تعريف النيّة بالإِخلاص:

- ‌4 - تعريف النية بأنَّها عمل القلب ووجهته:

- ‌النيّة شرعًا

- ‌موقع النية من العلم والعمل

- ‌جنس النيّة في الموجودات

- ‌هل للإِنسان سلطان على نيّته وقصده

- ‌التكليف

- ‌مفهوم العبادة وحدودها

- ‌أصل العبادة ومبناها

- ‌العبادة في مصطلح الفقهاء

- ‌موضوع الرسالة

- ‌المبحث الثانيالأدلّة على أنّ المقاصدَ مُعتبرة في العبادات والتصرفات

- ‌أولاً: الأدلة القرآنية:

- ‌ثانيًا: الأحاديث النبوية:

- ‌ثالثا: القصد إلى الفعل أمر ضروري:

- ‌رابعًا: عدم اعتبار الشارع للأفعال التي وقعت من غير قصد:

- ‌خامسًا: النيّة سر العبودية وروحها:

- ‌سابعًا: تأثير النية فى الأعمال:

- ‌اعتراضات

- ‌المبحث الثالثفَضل المقَاصد وعظيم خَطرهَا

- ‌1 - يبلغ المرء بنيّته ما لا يبلغه بعمله:

- ‌2 - الخلود في الجنّة أو النّار بالنيّات:

- ‌3 - الأعمال البدنية قد تتوقف بخلاف النية:

- ‌4 - قاصد الفعل الخير يثاب وإن لم يصب المراد:

- ‌5 - اهتمام العلماء بأمر النيّات:

- ‌عَدْوه ربع العلم أو ثلثه أو نصفه:

- ‌هذا الحديث من جوامع الكلم:

- ‌البداءة به في المهمات:

- ‌6 - شرفت النيات بموجدها:

- ‌7 - العمل بغير نية كالجثة الهامدة التي لا روح فيها:

- ‌8 - النيّات تميز الأعمال:

- ‌9 - المحوِّل العجيب:

- ‌10 - النيّة عمل السر وعمل السر أفضل من عمل العلانية:

- ‌11 - تربية على اليقظة:

- ‌النية أفضل من العمل:

- ‌الباب الأولالنيات وما يتعلق بها من أحكام

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولمَحَلّ النِّية

- ‌مَحَلّ النِّيَّة

- ‌حكم التلفظ بالنية دون مواطأة القلب

- ‌مناقشة القفال:

- ‌مخالفة اللسان لما نواه في قلبه

- ‌الجهر بالنيّة

- ‌التلفظ بها همسًا

- ‌هل ينعقد العمل بالنيّة فحسب

- ‌القصد المجرد عن العمل

- ‌مراتب الإرادة

- ‌الإِرادة غير الجازمة

- ‌لم أثيب الهامّ بالحسنة ولم يُعاقب على الهم بالسيئة

- ‌الإِرادة الجازمة

- ‌الثاني: العزم على فعل من أفعال الجوارح:

- ‌أدلّة القائلين بالمؤاخذة

- ‌الفصل الثانيوَقت النّية

- ‌وقت النية في الطهارة

- ‌وقت النيّة في الصلاة

- ‌القول الأول: وجوب المقارنة تكبيرة الإحرام:

- ‌القول الثاني: جواز تقدّم النيّة على التكبير بزمن يسير:

- ‌القول الثالث: وجوب تقديم النية على التكبير:

- ‌تأخير النية

- ‌وقت نية الزكاة

- ‌وقت نيّة الصوم

- ‌تقديم النية في الصوم

- ‌تأخير النية في الصوم

- ‌1 - القضاء والكفارة:

- ‌2 - صوم رمضان:

- ‌الفريق الموجب للنية من الليل في صوم رمضان:

- ‌أدلتهم:

- ‌النيّة لكلّ يوم

- ‌حكم من ظهر له وجوب الصيام نهارا

- ‌الليل كله وقت للنية

- ‌3 - صوم النذر

- ‌4 - صوم النفل

- ‌المدى الذي يصح أن يحدث فيه النية من النهار:

- ‌شروط من أجاز صوم النفل بنية من النهار:

- ‌المقدار الذي يثاب عليه الناوي من النهار:

- ‌الفصل الثالثصفة النِّيَّة

- ‌تمهيد

- ‌صفة نيّة الطهارة

- ‌إذا نوى مطلق الطهارة:

- ‌إذا نوى الغسل أو الوضوء:

- ‌إذا نوى المتطهر رفع الحدث:

- ‌إذا نوى المتطهر الطهارة لأمر لا يستباح إلا بها:

- ‌إذا نوى ما تستحب له الطهارة:

- ‌إذا نوى ما لا تشرع الطهارة له:

- ‌إذا نوى من عليه أحداث رفع أحدها:

- ‌النية للتيمم

- ‌صفة النيّة في العبادات الواجبة

- ‌صفة النيّة في الزكاة والحج والعمرة

- ‌صفة النية في الصوم

- ‌صفة النيّة في الصلاة

- ‌نية الجماعة

- ‌نيّة القضاء والأداء

- ‌نية الجمع

- ‌صفة النية في النوافل

- ‌الاستحضار التفصيلي لأركان الصلاة

- ‌قول أعجب وأغرب

- ‌الفصل الرابعشروط النِّيَّة ومبطلاتها

- ‌الشرط الأولأهلية من صدرت عنه النية

- ‌الوضوء والغسل والتيمم من الكافر

- ‌الزكاة من أهل الذمة

- ‌غسل الزوجة الكتابية

- ‌القربات التي أداها المسلم حال كفره

- ‌العبادة من غير المميز

- ‌حج الصغير الذي لا يميز

- ‌نيّة الصبي المميز

- ‌الشرط الثانيالجزم والتنجيز وعدم التردد والتعليق

- ‌الشك

- ‌الشك بسبب عدم علمه بأمور تتعلق بالمنوي

- ‌اختلطت ثياب طاهرة بنجسة

- ‌الشك في الصلاة التي فاتته

- ‌صيام يوم الشك

- ‌صيام الأسير

- ‌الشك في أصل النية

- ‌التردد في العبادة

- ‌تعليق النية على المشيئة أو على حصول شيء ما

- ‌الشرط الثالث‌‌استصحاب حكم النية

- ‌استصحاب حكم النية

- ‌رفض النية

- ‌رفض النية بعد تمام العبادة:

- ‌رفض نية العبادة في أثنائها

- ‌قلب النية وتغييرها

- ‌أقسام النيّة التي قلبت

- ‌الأول: نفل فرض إلى فرض:

- ‌الثاني: نقل فرض إلى نفل:

- ‌الثالث: نقل نفل إلى فرض:

- ‌الرابع: نقل نفل إلى نفل:

- ‌تغيير النيَّة

- ‌المنفرد يصبح إماما

- ‌الإمام يصبح مأموما

- ‌المأموم يصبح منفردا

- ‌المنفرد يتحوّل إلى مأموم

- ‌تغيير نية القصر إلى إتمام

- ‌اختلاف نيّة الإمام والمأموم

- ‌الأدلة النقلية

- ‌الاستدلال بالقياس:

- ‌الشرط الرابععدم التشريك في النيّة

- ‌الشرط الخامسأن تتعلق النية بمكتسب للناوي

- ‌الشرط السادسقصد العبادة دفعة واحدة

- ‌الشرط السابعمقارنة النيّة للمنوي

- ‌الشرط الثامنالعلم بصفات المنوي

- ‌الغلط في تعيين المنوي

- ‌الفَصل الخامسالنيَابة في النيَّة

- ‌تمهيد:

- ‌أدلّة الذين منعوا مطلقا

- ‌أولا: النصوص التي تدل بعمومها على منع النيابة:

- ‌ثانيا: النصوص المصرّحة بمنع النيابة في بعض العبادات:

- ‌ثالثا: قالوا جواز النيابة فى العبادات تنافي الغرض من تشريعها:

- ‌المجيزون مطلقا

- ‌موقفهم من حجج المانعين:

- ‌أدلّة المجيزين للنيابة مطلقا أو في حال دون حال:

- ‌موقف المانعين للنيابة في العبادات من هذه النصوص الدالة على الجواز ومناقشتهم:

- ‌موقف الدين أجازوا النيابة في بعض العبادات من حجج المجيزين مطلقا:

- ‌تحرير محلّ النزاع

- ‌أولا: عبادات لا مجال للنيابة فيها:

- ‌ثانيا: الذين لا تجوز النيابة عنهم:

- ‌الرأي الراجح:

- ‌إهداء ثواب العبادة للأموات

- ‌حجج المانعين:

- ‌حجج المجيزين:

- ‌النظر في هذه الأدلة:

- ‌مَا يفتَقِر إلى النِّيَّة وَمَا لَا يفتقِر إليَهَا

- ‌إزالة النجاسات

- ‌الأحداث التي تنقض الطهارة

- ‌النيّة في الوضوء والغسل

- ‌أدلة القائلين بعدم الوجوب

- ‌1 - أن الماء مطهر بطبعه:

- ‌2 - أن المعتبر في الوضوء لا يتوقف على النَّية:

- ‌3 - الوضوء يتحقق المقصود منه بنفس وقوعه:

- ‌4 - الوضوء وسيلة لغيره، والوسائل لا تلزمها النية:

- ‌5 - الوضوء شرط والشروط لا تحتاج إلى نيّة:

- ‌6 - إطلاق النصوص:

- ‌7 - دليل النية ظني الثبوت ظني الدلالة:

- ‌مناقشة الحجج التي أوردوها

- ‌أدلة الموجبين

- ‌أولا: الأحاديث المبينة فضل المتوضىء والمغتسل:

- ‌ثانيا: نصوص زعموا أنها توجب النية في الوضوء:

- ‌ثالثا: القياس:

- ‌النيّة في التيمم

- ‌النيّة في الصلاة

- ‌النيّة في الزكاة

- ‌إذا تصدَّق بجميع ماله ولم ينو الزكاة:

- ‌صوم رمضان

- ‌النيّة في الحجّ والعمرة

- ‌النية في الاعتكاف

- ‌النية في الكفارات

- ‌النيّة لأعمال القلب

- ‌النيّة في الأقوال

- ‌السنة في التروك

- ‌حكم النيّة في العبادات

- ‌(ركن، أم شرط)

- ‌الباب الثانيالإخلاص

- ‌تمهيد

- ‌أهمية الغاية وعظيم خطرها

- ‌لا غنى للبشرية عن الغاية التي يرسمها الإِسلام

- ‌الدواعي الطبعية والدواعي الشرعية

- ‌الفصل الأولالغاية التي تتوجَّه إليها مقاصدُ المكلّفين

- ‌الغاية الواحدة في مصطلح القرآن هي الإخلاص

- ‌شدة الإخلاص وصعوبته

- ‌لماذا كان الله هو المقصود دون سواه

- ‌1 - الغاية التي ليس وراءها غاية:

- ‌2 - هو المستحقُّ لأن يقصد ويعبد:

- ‌3 - السعادة في قصده، والشقاء في توجيه القلوب إلى سواه:

- ‌4 - لا سبيل إلى تحرر النفس الِإنسانية إلاّ بتوجهها إليه:

- ‌5 - عنى الله عن العباد وإحسانه إليهم:

- ‌حكم الإِخلاص في العبادات

- ‌الفصل الثانيمفهومات خاطئة للإخلاص

- ‌1 - الِإخلاص والتجرد عن الِإرادة

- ‌هل يمكن العمل بدون إرادة:

- ‌الفناء الحق:

- ‌2 - التجرد عن الميول والنزعات الفطرية

- ‌محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الاتجاه:

- ‌سرّ المسألة:

- ‌3 - قصد النعيم الأخروي

- ‌تنوّع المقاصد الخيّرة

- ‌الفصل الثّالِث المقاصد السَّيّئة

- ‌أولاً: اتباع الهوى

- ‌تعريف الهوى وبيان نتائجه وآثاره:

- ‌علاج الهوى

- ‌1 - تحويل الاتجاه:

- ‌2 - تقوية الإرادة:

- ‌3 - إحياء واعظ الله في قلوبنا:

- ‌4 - محاسبة العبد نفسه:

- ‌ثانيًا: الرياء

- ‌ومن النصوص القرآنية التي تتوعّد المرائين:

- ‌تعريف الرياء

- ‌الرياء لغة:

- ‌الرياء شرعًا:

- ‌الرياء والسمعة:

- ‌الرياء والعجب:

- ‌أسباب الرياء

- ‌الأمور التي يراءى بها

- ‌حكم العمل المراءى به

- ‌مناقشة ما احتج به أصحاب هذا المذهب:

- ‌شبهة وجوابها:

- ‌تحقيق القول في قصد المكلف المصالح التي أقر الشارع قصدها بالعبادة:

- ‌الغنيمة في الحرب والتجارة في الحج تنقصان الأجر

- ‌الرياء بأوصاف العبادة

- ‌خفاء الرياء وتلونه

- ‌مزلق خطر

- ‌ترك العمل خوف الرياء

- ‌1 - الاستعانة بالله على الإخلاص والتعوذ به من الرياء ومراقبته:

- ‌2 - معرفة الرياء والتحرز منه:

- ‌3 - النظر في عاقبة الرياء في الدنيا:

- ‌4 - النظر في عواقبه الأخروية:

- ‌5 - إخفاء العبادة وإسرارها:

- ‌علامات القائم بالإِخلاص

- ‌ثالثا: التعبد بقصد الاطلاع على العوالم المغيبة

- ‌اعتراضات

- ‌رابعا: الهروب من العبادة

- ‌الأمر الضابط لمقاصد المكلفين

- ‌الفصل الرابع تأثيرُ القَصْد في الأفعال

- ‌تأثير النيّة في المباحات

- ‌التوفيق بين الرأيين:

- ‌استحضار النية عند المباح:

- ‌تأثير النيّة في الأفعال المحرّمة

- ‌الفرقة الأولى:

- ‌الفرقة الثانية:

- ‌الفرقة الثالثة:

- ‌التقرب إلى الله بالعبادات المبتدعة

- ‌خاتمة القول

- ‌مُلحَقإيضاحات مهمة تتعلق بحديث "إنمّا الأعمال بالنيّات

- ‌تمهيد:

- ‌الألفاظ التي وردت بها روايات الحديث

- ‌سبب الحديث

- ‌إشكال يرد على الحديث باعتبار سببه

- ‌كتب السنة التي أخرجته

- ‌هل أخرجه مالك في الموطأ:

- ‌طرق الحديث

- ‌مخطط يوضح طرق الحديث في كتب السنة

- ‌إشكالات أوردت على الحديث

- ‌1 - تضعيف الحديث لكونه غريبًا:

- ‌2 - أنّه حديث شاذ:

- ‌3 - أن فيه انقطاعا:

- ‌4 - أنه ليس حديثا فردًا:

- ‌5 - أنه متواتر:

- ‌قائمة المراجع

الفصل: ‌حكم العمل المراءى به

التسخط على أهل الدنيا، وإظهار الوعظ، والتأسف على ما يفوت من الخير والطاعة.

وقد يرائي بعمله؛ كأن يطوّل الصلاة، ويزيد في الركوع والاعتدال منه أو السجود، وقد يرائي بالصوم أو بالغزو أو بالحج أو بطول الصمت وبذل المال.

وقد يرائي بصحبة العلماء بأن يحرص على أن يسير مع العالم أو العابد، ليقال: إنه صاحبه، ومن أهل ودّه، فيعظَّم بذلك.

‌حكم العمل المراءى به

هل كل عمل خالطه قصد الرياء يعدُّ باطلا؟

لم تتفق نظرة العلماء في هذا الموضوع، فالصنعاني ينظر إلى القصد هل تمحض للرياء أم صاحبه قصد الثواب، وفي الحالة الثانية هل كانت إرادة الثواب أرجح أو أضعف أو مساوية (1)؟

وهو بذلك يضع أمامنا أربع صور لا يعطيها حكما واحدا، والصورة الأولى لا أظن أحدا من العلماء خالف في الحكم عليها بالبطلان، وهي الحالة التي لا يقصد فيها العابد الثواب، إنما قصده كله أن ينال منزلة ومحمدة عند الناس.

وقد سمّى ابن رجب (2) هذا النوع من الرياء بالرياء المحض، وهذا يقع من

المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} (3).

ويرى ابن رجب أن هذا النوع من الرياء لا يكاد يقع من مؤمن بالله واليوم الآخر

(1) سبل السلام 4/ 185.

(2)

هو عبد الرحمن بن شهاب الدين: أحمد بن رجب السلامي البغدادي، ثم الدمشقي من العلماء الأفذاذ الذين حفظوا الحديث، وقاموا عليه له (شرح جامع الترمذي)، و (جامع العلوم والحكم)، (والقواعد الفقهية). ولادته في 736 هـ، ووفاته (795 هـ).

راجع: (شذرات الذهب 6/ 339)، (طبقات الحفاظ ص 536)، (الأعلام 4/ 67).

(3)

سورة النساء / 142.

ص: 443

في فرض الصلاة والصوم، وأنّه قد يقع في الصدقة الواجبة أو الحج أو غيرهما من الأعمال الظاهرة أو التي يتعدى نفعها، فإنّ الإخلاص فيها عزيز.

ويقول ابن رجب في هذا: "العلل على هذا النحو لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحقُّ المقت من الله والعقوبة"(1).

وقد سمّى الحارث المحاسبي هذا النوع من الرياء: الرياء الأعظم والأشد، وقد قال فيه:"الوجه الذي هو أشدّ الرياء وأعظمه: إرادة العبد العباد بطاعة الله عز وجل، لا يريد الله عز وجل بذلك"(2).

وقال الغزالي في هذا النوع: "أما الذي لم يرد به إلا الرياء فهو عليه قطعا، وهو سبب المقت والغضب"(3).

أما الصور الثلاثة الأخرى فيكون قصد الرياء مصحوبا بقصد الثواب، وإنما كانت الصور ثلاثة لأن إرادة الثواب قد تكون أرجح، وقد يكون قصد الرياء أرجح، وقد يتساويان.

والصنعاني هنا يتابع الغزالي في النظر إلى قدر قوة الباعث (4)"فإن كان الباعث الديني مساويا الباعث النفسي تقاوما وتساقطا، وصار العمل لا له ولا عليه. وإن كان باعث الرياء أغلب وأقوى فهو ليس بنافع، وهو مع ذلك مضر ومفض للعقاب؛ نعم العقاب الذي فيه أخف من عقاب العمل الذي تجرد للرياء، ولم يمتزج به شائبة التقرب. وإن كان قصد التقرب أغلب بالِإضافة إلى الباعث الآخر فله ثواب بقدر ما فضل من قوة الباعث الديني".

والغزالي يرى أن هذا من العدل الذي تقتضيه قاعدة الثواب التي نصَّ الله عليها

(1) الدين الخالص 2/ 382.

(2)

الرعاية ص 135.

(3)

إحياء علوم الدين.

(4)

راجع إحياء علوم الدين (4/ 384 - 385)، وكل ما نقلناه عنه هنا من هذا الوضع.

ص: 444

في غير آية: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (1)، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} (2)، فقصد الخير لا يضيع عند الله:"فإن غلب قصد الرياء حبط منه القدر الذي يساويه، وبقيت زيادة، وإن كان مغلوبا سقط بسببه شيء من عقوبة القصد الفاسدة".

والغزالي يقوي مذهبه ويستدل عليه بالمعقول وبالنصوص.

فهو يقول في توضيح مذهبه: "وكشف الغطاء عن هذا أن الأعمال تأثيرها في القلوب بتأكيد صفاتها، فداعية الرياء من المهلكات، وإنما غذاء هذا المهلك وقوته في العمل على وفقه، وداعية الخير من المنجيات، وإنما قوتها بالعمل على وفقها، فإذا اجتمعت الصفتان في القلب فهما متضادتان، فإذا عمل على وفق مقتضى الرياء فقد قوّى تلك الصفة، وإذا كان العمل على وفق مقتضى التقرب فقد قوى تلك الصفة، وأحدهما مهلك والآخر منج، فإن كان تقوية هذا بقدر تقوية الآخر فقد تقاوما".

وقد مثل لهذا بالأمور المحسوسة، فالمستضر بالحرارة إذا تناول ما يضرّه، ثم تناول من المبردات ما يقاوم قدر قوته فيكون بعد تناولهما كأنه لم يتناولهما، وإن كان أحدهما غالبا لم يخل الغالب عن أثره. فكما لا يضيع مثقال ذرة من الطعام والشراب والأدوية، ولا ينفك عن أثر في الجسد بحكم سنة الله تعالى- فكذلك لا يضيع مثقال ذرة من الخير والشر، ولا ينفك عن تأثير في إنارة القلب أو تسويده، وفي تقريبه من الله أو إبعاده، فإذا جاء بما يقربه شبرا مع ما يبعده شبرا فقد عاد إلى ما كان، فلم يكن له ولا عليه، وإن كان الفعل مما يقربه شبرين والآخر يبعده شبرا واحدا فضل لا محالة شبر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أتْبِع السيئَةَ الحسَنةَ تمْحُهَا"(3) فإذا كان الرياء المحض يمحوه الإخلاص المحض عقبه، فإذا

(1) سورة الزلزلة/ 7، 8.

(2)

سورة النساء / 40.

(3)

رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ حسن صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (جامع العلوم ص 147).

ص: 445

اجتمعا جميعا فلا بد وأن يتدافعا بالضرورة".

وقد استدل بالإجماع المنعقد على صحة الحج ممن قصد التجارة في حجه مع أن حجه قد امتزج به حظ من حظوظ النفس.

وكذلك الغزاة الذين يقصدون نيل الأسلاب والغنائم هم من المجاهدين في سبيل الله، ولا يخرجهم ذلك عن كونهم مجاهدين، وإنما كان الأمر كذلك لأنَّ "الباعث الأصلي والمزعج القوي هو إعلاء كلمة الله، وإنما الرغبة في الغنيمة على سبيل التبعية، فلا يحبط به الثواب، نعم لا يساوي ثوابه ثواب من لا يلتفت قلبه إلى الغنيمة أصلا، فإن هذا الالتفات نقصان لا محالة".

والغزالي لم تخف عليه النصوص التي تدلّ على أن العمل المشوب بالرياء باطل، كقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (1)، وحديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النّار يوم القيامة، والأحاديث التي يعدّ الرسول صلى الله عليه وسلم الرياء فيها شركا، والتي يقول الله فيها يوم القيامة للمرائي: خذ عملك ممن عملت، والحديث الذي يحصر الرسول صلى الله عليه وسلم فيه الجهاد فمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.

أقول لم تخف هذه النصوص عن الغزالي، ولم تغلب عن باله، فهو يذكرها، ثمّ يعقب عليها قائلا:"هذه الأحاديث لا تناقض ما ذكرناه، بل المراد منها من لم يرد إلا الدنيا، كقوله: "من هاجر يبتغي شيئًا من الدنيا، وكان ذلك هو الأغلب على همه

، وأما لفظ الشركة حيث ورد فلا مطلق للتساوي، وقد بينا أنه إذا تساوى القصدان تقاوما، ولم يكن له ولا عليه، فلا ينبغي أن يرجى عليه ثواب، ثم إن الإنسان عند الشركة في خطر أبدا، فإنَّه لا يدري أي الأمرين أغلب على قصده، فربما يكون عليه وبالا

".

هذا خلاصة مذهب الذين اتجهوا للنظر في قوة الدافع.

(1) سورة الكهف /110.

ص: 446