الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن القيم: وهذا الشرك في العبادة يبطل ثواب العمل، وقد يعاقب عليه إذا كانت العمل واجبا، فإنّه ينزل منزلة من لم يعمله، فيعاقب على ترك الأمر، فإن الله سبحانه إنما أمر بعبادته خالصة، قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (1)، فمن لم يخلص لله في عبادته لم يفعل ما أمر به، بل الذي أتى به شيء غير مأمور به، فلا يصح ولا يقبل منه
…
" (2).
شبهة وجوابها:
ولعل من أكثر ما يستوقف الناظر في الحجج التي أوردها الغزالي أن الحاج القاصد للتجارة صحيح حجّه بالنصّ القرآني، وبالِإجماع على ذلك، والغازي الذي ينال الغنيمة ويتطلع إليها لا يخرجه ذلك عن الِإخلاص، ولا يبطل عمله، وإن كان قد ينقص ثوابه وأجره.
فالغزالي هنا يرى أن هذا تشريك في الِإرادة، وليس بمبطل العمل، وقد غاب عن الغزالي أنَّ هذا التشريك ليس شركًا، ولا يدخل في الرياء. فهذا الذي قصد التجارة في الحج لم يقصد أن يرائي بعمله هذا، وعمله ليس شركًا، إنما قصد أن يحج، وأن يتاجر، وقد أباح الله له هذا القصد.
ولم أر من فرق تفريقًا دقيقًا بين الرياء والتشريك في العبادة غير القرافي -رحمه الله تعالى- فقد بيّن هذه المسألة وجلاها، فقال:"الفرق الثاني والعشرون والمائة بين قاعدة الرياء في العبادة وبين قاعدة التشريك فيها: اعلم أنَّ الرياء شرك وتشريك مع الله تعالى في طاعته، وهو موجب للمعصية والإثم والبطلان في تلك العبادة، كما نصَّ عليه المحاسبي وغيره، ويعضده ما في الحديث الصحيح، أخرج مسلم وغيره أنَّ الله تعالى يقول: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل
(1) سورة البينة/ 5.
(2)
الداء والدواء ص 191.
عملاً أشرك فيه غيري تركته له أو تركته لشريكي" (1) فهذا ظاهر في عدم الاعتداد عند الله تعالى بذلك العمل.
وكذلك قوله تعالى: {وَمَا أُمروا إلا لِيَعْبُدُوا الله مخْلِصِين له الدينَ} (2)، يدل على أن غير المخلص لله تعالى غير مأمور به، وما هو غير مأمور به لا يجزىء عن المأمور به، فلا يعتد بهذه العبادة وهو المطلوب".
ثم قال: "وتحقيق هذه القاعدة وسرها وضابطها أن يعمل للعمل المأمور به المتقرب به إلى الله تعالى، ويقصد به وجه الله تعالى، وأن يعظمه الناس أو بعضهم، فيصل إليه نفعهم أو يندفع به ضررهم، فهذا هو قاعدة أحد مسمى الرياء، والقسم الآخر أن يعمل العمل لا يريد به وجه الله النية، بل الناس فقط، ويسمى هذا القسم رياء الإخلاص، والأول رياء الشرك".
وبين أن أغراض الرياء ثلاثة: التعظيم، وجلب المصالح، ودفع المضار الدنيوية، والأخيران يتفرعان على الأول، فإنه إذا عظم انجلبت إليه المصالح، واندفعت عنه المفاسد.
ثم قال: "هذا الغرض الكلي في الحقيقة، وأما مطلق التشريك كمن يجاهد لتحصيل طاعة الله بالجهاد، وليحصل له المال من الغنيمة، فهذا لا يضره، ولا يحرم عليه بالإجماع، لأن الله جعل له هذا في العبادة، ففرق بين جهاده ليقول الناس: هذا شجاع أو ليعظمه الإمام فيكثر عطاؤه من بيت المال، هذا ونحوه رياء حرام، وبين أن يجاهد لتحصيل السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو مع أنه قد شرك، ولا يقال لهذا رياء بسبب أن الرياء أن يعمل ليراه غير الله من خلقه والرؤية لا تصح إلاّ من الخلق، فمن لا يرى ولا يبصر لا يقال في العمل بالنسبة إليه رياء، والمال المأخوذ في الغنيمة ونحوه لا يقال إنّه يرى ويبصر، فلا يصدق على هذه الأغراض لفظ الرياء لعدم الرؤية فيها.
(1) سبق تخريجه قريبا.
(2)
سورة البينة / 5.