الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أم أربعا، فإنَّ الشارع أمره أن يبني على اليقين، فيصلي حتى يأتي بالعدد المقطوع به، وهذا الذي فاتته الصلاة التي لا يدري عينها، إذا صلى ركعتين فإنه يشك في أنَّ الصلاة التي فاتته أكثر من ذلك، فيأتي بثالثة، ولما كان غير متأكد من أنه جاء بالعدد المتيقن فإنَّه يأتي بالرابعة، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا المتشكك بسجدتي سهو، فكذا يفعل هذا. والذي جعل ابن حزم يذهب هذا المذهب أن الله قد فرض على هذا الرجل صلاة واحدة، فإيجاب خمس صلوات عليه تكليف له بما لم يأمر الله به.
وابن حزم هنا لم يخلص هذا المصلي من الشك، واليقين لا يتأتى من هذا الشاك أبدا، فجزم النية لم يحصل، ثم إنه أجاز فعل صورة غير معهودة الشارع في الصلوات المفروضة، وما قال به الأئمة الأربعة هو الراجح، وهو ممكن ولا حرج في فعله.
صيام يوم الشك
نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أمته عن صيام اليوم أو اليومين السابقين لشهر رمضان "لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلاّ أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم"(1). ولعلَّ الحكمة من وراء هذا النهي خشية الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤدي هذا الصيام المتقدم بالأمة إلى الزيادة في رمضان كما فعل النصارى من قبل.
ولكن إذا فعل ذلك بأن صام شخص اليوم السابق على رمضان، فإن كان صوما قد اعتاده كأن يوافق الِإثنين أو الخميس وهو قد اعتاد صيامهما فلا بأس في ذلك كما هو نصّ الحديث، وإلّا فقد خالف نهي الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي حال المخالفة هذه، هل يصح صومه إذا قصد بالصيام صوم رمضان إن كان غدا من رمضان؟
(1) صحيح البخاري فتح الباري (4/ 137).
الجواب أنه لا يجزيه؛ لأنَّه شاك غير متيقن، والأصل عدم رمضان وبقاء شعبان، وبهذا قال الشافعي رحمه الله كما في رواية الربيع عنه (1)، وهو مذهب الحنابلة (2).
وقد حمل أصحاب الشافعي قول الشافعي: "أنّه إذا أصبح الرجل يوم الشك من رمضان، وقد بيت الصوم من الليل على أنه من رمضان، أنَّ هذه نيَّة كاملة له، تؤدي عنه ذلك اليوم إن كان من شهر رمضان"(3) - حملوه على أنَّ الشافعي أراد بذلك إذا صام جازما معتقدا أنّ غدا من رمضان، وذلك لوجود قرائن تدل على ذلك، كأن يخبره من يثق به من امرأة أو صبي أو عبد ممن لا يقبل الحاكم شهادته، أما إذا صام بدون مستند ولا قرينة فصومه غير صحيح، فإن قيل لو جزم بذلك من غير مستند ولا قرينة، قالوا: ذلك مستحيل، إذ كيف يجزم الإِنسان من غير دليل، فالمرء لا يجزم إلا إذا حصل لديه اعتقاد (4).
وقد قال بعدم الإجزاء: حماد وربيعة وابن أبي ليلى وابن المنذر، وممن قال بالِإجزاء الثوري والأوزاعي بحجة أنه أجمع النية من الليل (5).
والأحناف يقولون: إن كان تردده في أصل النية أي أن يصوم يوم غد "يوم الشك" إن كان من رمضان، ولا يصوم إن لم يكن منه، لم يصح صومه، فإن كان التردد في كونه يصومه فرضا أو تطوعا صحّ، لأنَّ التردد هنا في الوصف لا في الأصل (6).
فإن قيل كيف صححتم صوم يوم الثلاثين من رمضان مع احتمال كونه من شوال؟ فالجواب (7) أنَّ الصوم هنا استند إلى أصل وهو بقاء الصوم ما لم ير الهلال،
(1) الأم (7/ 133).
(2)
الإنصاف (3/ 295).
(3)
الأم (7/ 133).
(4)
المجموع (6/ 311، 329).
(5)
المغني (3/ 94).
(6)
الهداية (2/ 56)، الأشباه والنظائر (ص 52).
(7)
المغني لابن قدامة (3/ 94).