الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعندما استدلّ مخالفوهم بحديث: "إنَّما الأعمال بالنيات" وما في معناه على تقييد الآيات، لم يرتض الأحناف ذلك، لأنَّه نسخ عندهم، والسنّة الآحادية لا تنسخ الكتاب، يقول السرخسي:"ولنا آية الوضوء، ففيها تنصيص على الغسل والمسح، وذلك يتحقق بدون النيّة، فاشتراط النيّة يكون زيادة على النص، إذ ليس في اللفظ المنصوص عليه ما يدلّ على النيّة، والزيادة لا تثبت بخبر الواحد ولا بالقياس"(1)، وممن ذهب هذا المذهب الجصاص (2).
7 - دليل النية ظني الثبوت ظني الدلالة:
وقالوا: إنّ دليل النية -وهو حديث "إنَّما الأعمال"- ظني الثبوت ظني الدلالة، وما كان كذلك فلا يثبت به إلا السنّة والاستحباب.
يقول صاحب كشف الأسرار: "الأدلّة السمعية أنواع أربعة:
قطعيّ الثبوت والدلالة كالنصوص المتواترة.
وقطعي الثبوت، ظني الدلالة، كالآيات المؤولة.
وظنّي الثبوت، قطعي الدلالة، كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي.
وظنّي الثبوت والدلالة، كأخبار الآحاد التي مفهومها ظني" (3).
ثم بين أنه بالأول يثبت الفرض.
وبالثاني والثالث يثبت الوجوب.
وبالرابع تثبت السنة والاستحباب، ليكون الحكم بقدر دليله" (4).
(1) المبسوط (1/ 72، 73).
(2)
الفصول (2/ 470 - 471).
(3)
كشف الأسرار (1/ 83)، وراجع: البحر الرائق (1/ 291).
(4)
كشف الأسرار (1/ 83).
ثم قرّر أن قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيّات" من القسم الرابع، لأنَّ معناه:"إما ثواب الأعمال، أو اعتبار الأعمال، فيكون مشترك الدلالة"(1).
وإذا كان الأمر كذلك فلا بدّ من دليل آخر يعيّن المراد، وقد بيّن الجصاص عدم صلاحية الحديث للاستدلال به على العموم فقال:"تعلق النيّة بالفعل على وجهين مختلفين: أَحدهما إثْبات فضيلة العمل، والآخر إثبات حكمه حتى إذا فقدت لم يكن له حكم أصلا، ومتى تعلقت به على وجه الفضيلة لم يؤثر عدمها في الحكم نحو غسل الثوب والبدن من النجاسة وغسل الجنابة والوضوء، متى نوى بذلك طهارة الصلاة كانت نية مثبتة له فضيلة، وكان مستحقا بها عليه الثواب، وفقدهما لا يضره في إثبات الحكم". ثم مثل للعبادات التي إذا تعلقت بها على جهة ثبوت الحكم كالصلاة والصوم، ثم قال:"فلمّا كان تعلّق النيّة بالفعل على هذين الوجهين، ولم يكن بأحد الوجهين أولى منها بالآخر، ولم بجز أن يراد به الوجهان جميعا مع ذلك، لاستحالة تعلقه بها على الوجهين جميعا في حال واحدة احتيج فيه إلى دلالة من غير اللفظ المراد به، ولم يكن من ادعى في قوله: "الأعمال بالنيات" إثبات حكم الأعمال بأولى ممن ادّعى فضيلة العمل"(2)، ثم قرّر أنه لا يصحّ الاحتجاج فيه بظاهر اللفظ حتى تقوم دلالة على المراد.
(1) كشف الأسرار (1/ 83).
(2)
الفصول (2/ 477 - 478).