الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - التجرد عن الميول والنزعات الفطرية
نشأ في صفوف المسلمين اتجاه يزعم أنّ الإخلاص لا يتحقق ولا يتم إلاّ إذا محا الإِنسان من نفسه النوازع التي خلقها الله فيه، بحيث يقضي عليها قضاء لا رجعة فيه، فلا تدعوه بعد ذلك إلى الدنيا، ولا تطالبه النفس بمتاع، وقد عرّف الجنيد التصوف قائلا: "التصوف تصفية القلب عن موافقة البرية، ومفارقة الأخلاق الطبيعية، وإخماد الصفات البشرية، ومجانبة الدواعي النفسية، ومنازلة الصفات الروحانية
…
" (1).
ويقول السهروردي: "لا بدّ للمريد من الخروج من المال والجاه، والخروج عن الخلق بقطع النظر عنهم"(2).
ويقول الغزالي: "إنما الوصول إلى الله بالتجرد عن علائق الدنيا، والإكباب بجملة همته على التفكير في الأمور الإلهية"(3).
وأصحاب هذا الاتجاه بذلوا جهودا هائلة في سبيل الوصول إلى مبتغاهم، ولكنها كانت جهودا في غير محلها، ولدلك أتعبتهم كثيرا، ولنضرب مثالا على الجهد المبذول من واقع أصحاب هذا الاتجاه، فقد مكث أبو يزيد أربعين سنة يجاهد كي يقطع نفسه عن علائق الدنيا الظاهرة والباطنة، فإلى أي شيء وصل؟ يقول: "كنت ثنتي عشرة سنة حدّاد نفسي، وخمس سنين كنت مرآة قلبي، وستّة أنظر فيما بينها، فإذا في وسطي زنار ظاهر، فعملت في قطعه ثنتي عشرة سنة، ثم نظرت فإذا
(1) الاتجاه الأخلاقي ص 44.
(2)
عوارف المعارف ص 533.
(3)
الاتجاه الأخلاقي ص 58.
في باطني زنار، فعملت في قطعه خمس سنين، انظر كيف أقطع، فكشف لي، فنظرت إلى الخلق، فرأيتهم موتى فكبرت عليهم أربع تكبيرات" (1).
إنّ هذا الجهد الذي بذله هذا السالك جهد مضن طويل، وما أظنّه فعل شيئًا، ذلك أن الإنسان مفطور على أن يطلب ما تقوم به حياته، من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا رام الإنسان أن يمحو هذه النوازع والغرائز والميول، فإنه يكون قد رام محالا، وسعى فيما لا يمكن تحقيقه. يقول الحارث المحاسبي في هذا:"فإنّما أمر العباد بمجاهدة أهوائهم، ولم يؤمروا ألّا يكون في النفس غريزة تدعوه إلى شهوة"(2).
ولو كلفنا بذلك لكان تكليفا بما لا يطاق، وقد قرَّر الشاطبي هذه البدهية حيث يقول:"الأوصاف التي طبع عليها الِإنسان كالشهوة إلى الطعام والشراب لا يطالب برفعها، ولا بإزالة ما غرز في الجبلة منها، فإنّه من تكليف ما لا يطاق، كما لا يطالب بتحسين ما قبح من خلقة جسمه، ولا تكميل ما نقص منها، فإنّ ذلك غير مقدور للِإنسان، ومثل هذا لا يقصد الشارع طلبا له، ولا نهيا عنه"(3).
وقد أدّى العمل على النحو الذي يقتضيه هذا الاتجاه إلى حدوث صراع نفسي في نفوس العاملين به، كانت له آثار سيئة، ذلك أنّهم يحاولون كبت نوازع الفطرة، ويطلبون محوها وإزالتها، وهذا أمر مستحيل، فدفعة الجسد قوّية عنيفة، وهي لا تفتأ تلح على الِإنسان، وتضغط عليه ليستجيب لها، فإذا وقع الِإنسان بين ضغط الغريزة الدائم الملحاح، وبين ما يعتقد أنَّه سمو وكمال، وهو محاربة هذه الميول وخنقها في أعماق النفوس، فالنتيجة الحتمية أن يدمّر الصراع الثائر بين الدوافع والكوابح نفس صاحبه، ويوهن قواه، ويشتت فكره، ويملأ القلب حيرة وقلقا.
ولقد سار في هذا السبيل أقوام من قبل فدمَّروا أنفسهم، فالبوذية ترى أن "سبيل
(1) الغنية 2/ 159.
(2)
الرعاية ص 208.
(3)
الموافقات 2/ 76.
السعادة لا يمكن تحققه إلاّ بمحاربة الأهواء والرغبات المادية، وترك اللذائذ ومتع الحياة" (1).
وقد نادى (زينون) مؤسس المدرسة الرواقية المشهورة باسم مدرسة أهل العزيمة والجلد، قبل الميلاد بثلاثة قرون، نادى الناس زاعما أنَّ "مبدأ الفضيلة هو التحرر من اللذائذ والآلام جميعا، وطالبهم بأن يكافحوا العاطفة الإنسانية، والوجدان الطبيعي، والبلوغ بهما من الجمود والتحجر إلى حد الجسارة على الانتحار"(2).
وفي فارس الكسروية ظهر (ماني) داعيا إلى حياة العزوبة، لحسم مادة الشرّ والفساد من العالم، وأعلن أن امتزاج النور بالظلمة شرّ يجب الخلاص منه، فحرّم النكاح استعجالا للفناء (3).
والديانة النصرانية تحوّلت بعد دين المسيح إلى قيود متزمتة، تتشدّد بها الكنيسة ورجال الدّين، حتى حولوها إلى رهبانية تنعزل عن الحياة، وتزعم أن العباد لا يحصلون على ملكوت السماء إلا إذا قهروا نوازع النفوس، وحجتهم في زعمهم هذا أنّ هذه النوازع دنس وقذارة ينبغي أن يتطهر منه الأتقياء الذين يخشون ربَّهم ويرجون لقاءه. وعدَّ علماء النصارى الاستجابة للغريزة الجنسية بالزواج رجسا، ودعوا إلى الانقطاع عن الشهوة المدمرة التي تنهك الجسد، وقد علمنا من حال الرهبان ما تقشعر لهوله الأبدان، فقد مكث أحدهم خمسين عاما لم يغتسل مرّة واحدةفي وآخر مكث في مغارة عشر سنوات لا يرى الشمس، وثالث كان يجلد جسده كل يوم حتى تقرح، أما انقطاعهم في الفيافي والقفار، وبعدهم عن الزواج، وتركهم الدنيا، فذلك أشهر من أن يذكر، وأوضح من أن يكتب فيه!!
فماذا كانت النتيجة لتجربة الأمم من قبلنا التي سلكت هذا السبيل؟ لقد ثارت الفطرة، وتمردت، فدفعت بهؤلاء الذين حاربوها إلى الاستجابة لها بالطرق
(1) الاتجاه الأخلاقي ص 58.
(2)
الدين لدراز ص 16.
(3)
ماذا خسر العالم ص 240.
الملتوية، لقد أصبحت الأديرة في العصور الماضية مباءة للفسق والفجور، وبدل أن يتعفف هؤلاء عن الدنيا، إذا بهم يطلبونها بكل سبيل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (1).
وما أخبار صكوك الغفران التي كان الرهبان يجنون منها أموالا طائلة منا ببعيد، ولقد أصجت الكنيسة في العصور الوسطى سيفا مسلولا على رقاب النصارى، فقد أذاقتهم الكنيسة الذلَّ أشكالا وألوانا، وقد كانت سلطتها تعادل أو تفوق سلطة الدولة، وباسم الدين الذي يزعمون أنه يبغض الدنيا، حازوا الدنيا.
هذا حال الذين زعموا أنهم يبغضون الدنيا وأن السبيل الذي يوصل إلى رضوان الله هو ترك الدنيا والهروب منها، أما أتباع هذه المذاهب من عوام الناس، فقد ثاروا على هذه التعاليم، ولم تقف ثورتهم عند حدّ الاعتدال، فقد تجاوزت كل الحدود، ففي فارس قام (مزدك) كردة فعل لتعاليم (ماني) المجحفة، ودعا إلى الإغراق في الشهوات، وأعلن شيوعية المال والنساء.
وحال النصارى اليوم لا يحتاج إلى بيان، فأوروبا وأمريكا اليوم ماخور يعجّ بالفساد، وسوق الرذيلة هي السوق الرائجة، وأصبحت العلامة المميزة لأهل تلك الديار هي السعي وراء الرذيلة واللذة العاجلة، وطأطأت الكنيسة من كبريائها، فأصبحت احتفالات الغناء والرقص التي تخجل منها الفضيلة، تقام في قاعات الكنائس، لأن هذا هو السبيل الذي يجلب الشباب إلى الكنيسة.
(1) سورة التوبة / 34.
ولقد أخطأ بعض المسلمين (1) عندما ساروا على درب أولئك الذين فشلوا في تجربتهم، وأضاعوا أعمارهم في غير ما فائدة، أخطأوا عندما لم يعتبروا من التاريخ، ولم يستفيدوا من دروسه، وأخطأوا ثانيا عندما ظنوا أنَّ الإسلام أمرهم بهذا وحثهم عليه.
الإسلام لم يأتنا لننبذ الحياة وراء ظهورنا، ولنطمس الميول التي تدعونا إلى نيل محبوباتها التي خلقها الله، إنما جاء ليوضح لنا المنهج الذي نسلكه في نيلنا لهذه التي لا تقوم حياتنا إلا بها، ودعانا لاتباع السبيل الذي يحبُّه ويريده لنا، إنه لا يريدنا في مسيرتنا إليه أن نتجرد من نوازعنا ونحرم ما خلقه لنا:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (2)، وكيف تحرم وقد خلقت من أَجلنا؟ {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (3). فتناول هذه المحبوبات والمشتهيات من حيث يريد الله هو في ذاته محبوب مرض لله، وهو معين على طاعة الله، فالإطعام من الحلال للنفس ولمن يعوله الإِنسان صدقة،
(1) أحد الأسباب الرئيسية التي وجهت هؤلاء هذه الوجهة أنهم أخطأوا في فهم النصوص الذامّة للدنيا، فظنوا أنَّ المراد هجران الدنيا والبعد عنها وتركها كليّا، وقد سهل علينا فهم هذه المسألة ذلك الصحابي الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب، ومما قاله:"إن مما أخاف عليكم منْ بعدى ما يفتح عليكم من زهرَة الدنيَا وزينتها، فقال ذلك الرجل: "يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فقيل للرجل: ما شأنك تكلم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك؟ فرأينا أنه ينزل عليه. قال فمسح عنه الرحضاء، فقال:"أين السائل -وكأنه حَمده- فقال: إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم، إلا آكلة الخضراء، أكلت حتَّى إذا امتدت خاصرتاها، استقبلت عين الشمس، فثلطت، وبالت، ورتعتْ. وإن هذا المالَ حلوة خضرة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل -أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وإنه من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدًا عليه يوم القيامة".
رواه البخاري في صحيحه (انظر فتح الباري 3/ 327)(الربيع: الينبوع أو الجدول المتدفق). فالرسول صلى الله عليه وسلم، يقرر أن الخير الذي جعله الله لعباده لا يأتي بالشر بذاته، ولكن الشر يأتي من الطريقة التي يتناول الإنسان بها المال، وضرب لذلك مثلا بالنبات الذي ينبت على مياه الجداول والعيون، فإنه خير جاء من خير، ولكن البهائم قد تتناول منه، وتأكل بلا توقف، حتى يمتلىء بطنها، وينتفخ، ولا تستطيع له تصريفا، فيقتلها شربها، ويودي بحياتها، وأما البهائم التي تأكل أطيب العشب، وتأكل بمقدار لا يضرّ بها، وتصبر حتى تستطيع أن تصرف ما أكلته، ثم تعود من جديد، فإن العشب لا يكون إلا خيرا لها. وجامع المال من غير حله، والمنفق وقته وتدبيره في هذا، يجمع ولا يعطي، ويكدس المال في ليله ونهاره، مثله كمثل الحيوان الذي يقتله طعامه، أما الذي يأخذه من حلّه ويعطي حقه، وينفق على من يستحق، فهذا يعود عليه المال بالخير في الدنيا والآخرة.
(2)
سورة الأعراف/ 32.
(3)
سورة الأعراف/ 32.
ففي الحديث الصحيح: "مَا أَطْعَمْتَ زَوْجَتَك فَهُوَ لَكَ صَدَقَة، وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَة، وَمَا أَطْعَمْتَ خَادِمَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهوَ لَكَ صدَقَة"(1).
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: (2)"إنكَ لَنْ تنْفِقَ نَفَقَةً تبْتَغِي بِها وَجْهَ الله إِلَاّ أُجرْتَ عَلَيهَا، حتى ما تَجْعَلُ في فِي امْرَأَتِكَ"(3).
وقد مدح الله الذين ينفقونَ أموالهم ابتغاء مرضاة الله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرًا وَعَلَانِيَةً، فَلَهُمْ أَجْرُهمْ عندَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْف عَلَيْهمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (4).
قال ابن كثير في هذه الآية: "هذا مدح منه تعالى للمنفقين في سبيله ابتغاء مرضاته في جميع الأوقات من ليل أو نهار، والأحوال من سر وجهر، حتى أنَّ النفقة على الأهل تدخل في ذلك"(5). وساق حديث سعد بن أبي وقاص، وحديث الِإمام أحمد الذي أورده في مسنده:"إِنَّ الْمُسلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً يَحْتَسبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً"، وهو في الصحيحين (6).
وقد عدّ الرسول صلى الله عليه وسلم إتيان المسلم شهوته صدقة، ففي الحديث:"أَوَ لَيْس قَدْ جَعَلَ الله لَكمْ مَا تَصَدقُونَ بهِ؟ إِنّ بِكُلِّ تَسْبيْحَةٍ صَدَقَةً، وَكُل تَكْبِيْرَةٍ صدَقَة، وَكلّ تَحْميدَةٍ صدَقَة، وَكُلّ تَهْلِيلَةٍ صدَقَة، وَأَمْرٌ باَلمعروف صدَقَة، وَنَهْيٌ عَنِ الْمنْكَرِ صدقَة، وفَي بُضْعِ أَحَدكُمْ صَدَقَة".
قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟
(1) رواه أحمد في مسنده (4/ 131، 4/ 132)، والبخاري في الأدب المفرد (ص 30).
(2)
هو سعد بن أبي وقاص، من بني زهرة من قريش، أحد السابقين إلى الإسلام، وهو فاتح العراق، وأحد الستة الذين عينهم عمر للخلافة، ولد قبل الهجرة بـ 23 عاما، توفي سنة (55 هـ).
(3)
البخاري في صحيحه (انظر فتح الباري)، (1/ 37، 1/ 136، 3/ 164).
(4)
سورة البقرة / 274.
(5)
تفسير ابن كثير 1/ 578.
(6)
المصدر السابق.
قال: "أَرَأَيْتمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَام أَلَيْسَ يَكُونُ عَلَيهِ وزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الحَلَالَ لَهُ أَجْر"(1).
إنّ الذي يرفضه الإسلام أن يسعى العبد لنيل حظه من الدنيا بهواه من غير الطريق الذي ارتضاه الشارع، كالذي ينال شهوته بالزنى أو اللواط، وكالذي يروي ظمأه بالخمر، وكالذي يملأ بطنه بلحم الخنزير والميتة.
ويرفض الإسلام أن تشغل الدنيا العبد عن طاعة الله، وأن تصبح ميدانا للصراع والتنافس، بحيث تثور الأحقاد، ويصبح همّ الناس التكالب على الدنيا، والتصارع على متاعها.
أما ما يصيب العبد من نسيان للآخرة حال ملابسته للدنيا فذلك أمر لا يمكن أن يتخلص منه الإنسان، وقد عانى من هذه ألحال حنظلة الأسيدي (2) أحد كتاب الوحي، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكّرنا الجنّة والنّار، حتى كأنا رأي عين، فقمت إلى أهلي وولدي، فضحكت، ولعبت، فذكرت الذي كنا فيه، فخرجت، فلقيت أبا بكر، فقلت: نافقتُ يا أبا بكر، فقال: وما ذاك؟ قلت: نكون عند النبيّ صلى الله عليه وسلم يذكرنا الجنة والنّاركأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عده عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا.
فقال أبو بكر: إنا لنفعل ذلك. فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال:"يَا حَنْظَلَةُ لَوْ كنتم عندَ أَهْليكُمْ كَمَا تَكونونَ عِنْدِي لَصَافحتكمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرشِكُمْ، وَفِي الطَّرِيقِ، يَا حَنْظَلَة سَاعَة وَسَاعَة"(3).
(1) رواه مسلم في صحيحه وابن ماجه في سننه (انظر الترغيب والترهيب 3/ 236)، وعزاه في صحيح الجامع (2/ 356)، إلى أحمد في مسنده بالإضافة إلي مسلم وابن ماجه.
(2)
هو حنظلة بن الربيع بن صيفي، وكان أحد كتاب الوحي، شهد القادسية، واعتزل الفتنة، توفي سنة (45 هـ).
راجع: (تهذيب التهذيب 3/ 60)، (والكاشف 1/ 260).
(3)
رواه مسلم والترمذي (جامع الأصول 1/ 220)، وعزاه في كنز العمال (1/ 355)، إلى أبي نعيم والطبراني.