الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول الزبير هذا: حدثني محمد بن الحسن، عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن، عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبيه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك فيها أصحابه، وتقدم رجل فتزوج امرأة كانت مهاجرة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال: يا أيها الناس: إنما الأعمال بالنية ثلاثا، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته في دنيا يطلبها إو امرأة يخطبها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، ثم رفع يديه فقال: "اللهم انقل عنا الوباء"، فلما أصبح قال: "أتيت هذه الليلة بالحمى، فإذا بعجوز سوداء مليئة في يدي الذي جاء بها، فقال: هذه الحمى، فما ترى فيها؟ فقلت: اجعلوها يجم" (1).
ويبقى النظر في صحة الرواية، فإن علماء الحديث مجمعون على أن حديث "إنما الأعمال بالنيّات" لم تصح روايته عن أحد من الصحابة إلاّ عن عمر بن الخطاب.
إشكال يرد على الحديث باعتبار سببه
في الحديث ذمٌّ لمن أراد بهجرته الدنيا، أو الرغبة في الزواج ولكن يقال: كيف تزوج أبو طلحة من أم سليم، وقد اشترطت عليه الإِسلام، فإن أسلم رضيت بإسلامه مهرا، يقول العيني:"فإن قيل ذكر أبو عمر في الاستيعاب في ترجمة أمّ سليم أن أبا طلحة الأنصاري خطبها مشركا، فلما علم أنّه لا سبيل له إليها إلاّ بالإسلام أسلم، وتزوجها وحسن إسلامه، وهكذا روى النسائي من حديث أنس رضي الله عنه فقال: "تزوج أبو طلحة، فخطبها، فقالت: إني قد أسلمت، فإن أسلمت نكحتك، فأسلم، فكان الإسلام صداق ما بينهما"، وقد بوَّب عليه النسائي: التزويج على الإسلام، وروى النسائي أيضا من حديثه قال: "خطب أبو
(1) منتهى الآمال 5/ب وقد أورد صاحب كنز العمال هذه الرواية بالإسناد نفسه 3/ 455.
طلحة أمَّ سليم. فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يردّ، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحلّ لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذاك مهري، ولا أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها، قال ثابت: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرا من أم سليم: الِإسلام، فدخل بها
…
الحديث، أخرجه ابن حبان في صحيحه من هذا الوجه، فظاهر هذا أن إسلامه كان ليتزوج بها، فكيف الجمع بينه وبين حديث الهجرة المذكور مع كون الإسلام أشرف الأعمال
…
؟ " (1).
قال ابن حجر في الحديث: "أخرجه النسائي بسند صحيح"(2).
وفي اعتقادي أنّنا لا نحتاج إلى تلك التأويلات التي أوردها شراح الحديث، ليوفقوا بين الحديثين، فإن ما قامت به أم سليم أمر لا غبار عليه، فإن ترغيب الكفار في الِإسلام أمر مشروع، وقد شرع الله إعطاء الزكاة لأقوام نتألف قلوبهم بها على الِإسلام، وقد أعطى الرسول -صلى الله عليه رسلم- غنائم حنين للطلقاء الذين كانوا بالأمس يعدون السلاح والرجال للفتك به، يتألفهم بها على الِإسلام.
أما أبو طلحة فلا ندري: هل كان الدافع الأول له على الإسلام هو رغبته في الزواج أو أنَّ هذا الطلب وافق رغبة لديه كانت تراوده؟ ولعل طلبها هذا جعله يتعرف على الإسلام فيوقن به ويسلم، ولكننا نعلم أنَّ أبا طلحة حسن إسلامه بعد ذلك، وأنّه كان من الصحابة الأخيار، فلا يضيره أن اشترطت عليه أم سليم الإسلام مهرا للزواج، وهل ضر حمزة بن عند المطلب أن كان بداية إسلامه حمية أخذته في مواجهته لأبي جهل عندما آذى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له حمزة: أتؤذيه وأنا على دينه، ما قالها إلا حمية، فلما استمع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلا عليه القرآن آمن إيمانا صادقا، لا يحتاج صدقه إلى دليل.
(1) العيني على البخاري 1/ 28 - 29.
(2)
فتح الباري 9/ 115.