الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالقائلون بأن الزكاة غير واجبة على اليتيم والمجنون، وغير مجزية من المُكْرَه نظروا إلى أنّ إخراجها هو واجب مناط بصاحبها، ولم ينظروا إلى أنَّ هذا الواجب مناط بولي الصبيّ والمجنون، ومناط بالحاكم في حال امتناع صاحب المال عن أداء الزكاة.
إذا تصدَّق بجميع ماله ولم ينو الزكاة:
مذهب الشافعية أنَّ من تصدق بجميع ماله ولم ينو الزكاة، لا تسقط عنه الزكاة، كما لوكان عليه فرض فصلَّى مائة صلاة نافلة لا يجزيه بلا خلاف (1).
واعترف الأحناف بأنّ الأصل عدم إجزاء هذه الصدقة عن الزكاة، لأنَّ الزكاة عبادة مفروضة مقصودة فلا بدَّ لها من نيّة، ولكنهم قالوا بالإجزاء في هذه الحالة استحسانا، وعلّلوا هذا الاستحسان بقولهم:"إنّ النيّة وجدت دلالة، لأنّ الظاهر أن من عليه زكاة لا يتصدق بجميع ماله، ويغفل عن الزكاة"(2).
وعلّل بعضهم بتعليل آخر، فقال:"الواجب عليه جزء منه، فكان متعيّنا فيه، فلا حاجة إلى التعيين"(3).
ونحن نرجح مذهب الأحناف، فالرجل هنا جاد بماله كله في سبيل الله، فأعطى ما وجب عليه وزيادة، فلا نطالبه لشيء دفع أكثر منه، ويمكن أن يستأنس في هذا الموضوع بما رواه أبو هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة، فقيل: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد، وعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَمَا يَنْقِم ابْنُ جَمِيل إلا أَنه كانَ فَقيرًا فأغناهُ اللُه، وأَما خَالِد فَإِنكُمْ تظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدْ احْتبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعتدَه فِي سَبيل
(1) الروضة للنووي (2/ 210)، المجموع (6/ 191).
(2)
بدائع الصنائع (2/ 40).
(3)
الهداية (2/ 492).
الله تَعالى، وأَمّا العباسُ فَهِيَ عَليَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا" ثم قال:"يَا عُمَرُ أَمَا شَعَرْتَ أَن عم الرجُل صِنْو أَبِيهِ"(1).
فقد اعتذر الرسول صلى الله عليه وسلم عن خالد بن الوليد بأنه احتبس أدرعه وأعتده في سبيل الله، ولم يسأله صلى الله عليه وسلم مكتفيا بدلالة الحال، إذ لو وجبت عليه زكاة لأعطاها، ولم يشحّ بها، لأنّه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعا، فكيف يشح بواجب عليه!
وهذا الرجل الذي يتصدق بجميع ماله في وجوه الخيرات، عمله أظهر من عمل خالد الذي تصدّق بجزء من ماله فحسب: الدروع والعتاد.
(1) رواه مسلم وأحمد وأخرجه البخاري، وليس فيه ذكر عمر، ولا ما قيل له في العباس (مشكاة المصابيح 2/ 560).