المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - تعريف النية بالعزم والقصد: - مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين

[عمر سليمان الأشقر]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأولتحديدُ مَوضُوع البَحث

- ‌تعريف القصد

- ‌تعريف النيّة

- ‌الاشتقاق اللغوي:

- ‌النيَّة في الاصطلاح

- ‌1 - تعريف النية بالعزم والقصد:

- ‌2 - تعريف النية بأنَّها الإرادة:

- ‌3 - تعريف النيّة بالإِخلاص:

- ‌4 - تعريف النية بأنَّها عمل القلب ووجهته:

- ‌النيّة شرعًا

- ‌موقع النية من العلم والعمل

- ‌جنس النيّة في الموجودات

- ‌هل للإِنسان سلطان على نيّته وقصده

- ‌التكليف

- ‌مفهوم العبادة وحدودها

- ‌أصل العبادة ومبناها

- ‌العبادة في مصطلح الفقهاء

- ‌موضوع الرسالة

- ‌المبحث الثانيالأدلّة على أنّ المقاصدَ مُعتبرة في العبادات والتصرفات

- ‌أولاً: الأدلة القرآنية:

- ‌ثانيًا: الأحاديث النبوية:

- ‌ثالثا: القصد إلى الفعل أمر ضروري:

- ‌رابعًا: عدم اعتبار الشارع للأفعال التي وقعت من غير قصد:

- ‌خامسًا: النيّة سر العبودية وروحها:

- ‌سابعًا: تأثير النية فى الأعمال:

- ‌اعتراضات

- ‌المبحث الثالثفَضل المقَاصد وعظيم خَطرهَا

- ‌1 - يبلغ المرء بنيّته ما لا يبلغه بعمله:

- ‌2 - الخلود في الجنّة أو النّار بالنيّات:

- ‌3 - الأعمال البدنية قد تتوقف بخلاف النية:

- ‌4 - قاصد الفعل الخير يثاب وإن لم يصب المراد:

- ‌5 - اهتمام العلماء بأمر النيّات:

- ‌عَدْوه ربع العلم أو ثلثه أو نصفه:

- ‌هذا الحديث من جوامع الكلم:

- ‌البداءة به في المهمات:

- ‌6 - شرفت النيات بموجدها:

- ‌7 - العمل بغير نية كالجثة الهامدة التي لا روح فيها:

- ‌8 - النيّات تميز الأعمال:

- ‌9 - المحوِّل العجيب:

- ‌10 - النيّة عمل السر وعمل السر أفضل من عمل العلانية:

- ‌11 - تربية على اليقظة:

- ‌النية أفضل من العمل:

- ‌الباب الأولالنيات وما يتعلق بها من أحكام

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولمَحَلّ النِّية

- ‌مَحَلّ النِّيَّة

- ‌حكم التلفظ بالنية دون مواطأة القلب

- ‌مناقشة القفال:

- ‌مخالفة اللسان لما نواه في قلبه

- ‌الجهر بالنيّة

- ‌التلفظ بها همسًا

- ‌هل ينعقد العمل بالنيّة فحسب

- ‌القصد المجرد عن العمل

- ‌مراتب الإرادة

- ‌الإِرادة غير الجازمة

- ‌لم أثيب الهامّ بالحسنة ولم يُعاقب على الهم بالسيئة

- ‌الإِرادة الجازمة

- ‌الثاني: العزم على فعل من أفعال الجوارح:

- ‌أدلّة القائلين بالمؤاخذة

- ‌الفصل الثانيوَقت النّية

- ‌وقت النية في الطهارة

- ‌وقت النيّة في الصلاة

- ‌القول الأول: وجوب المقارنة تكبيرة الإحرام:

- ‌القول الثاني: جواز تقدّم النيّة على التكبير بزمن يسير:

- ‌القول الثالث: وجوب تقديم النية على التكبير:

- ‌تأخير النية

- ‌وقت نية الزكاة

- ‌وقت نيّة الصوم

- ‌تقديم النية في الصوم

- ‌تأخير النية في الصوم

- ‌1 - القضاء والكفارة:

- ‌2 - صوم رمضان:

- ‌الفريق الموجب للنية من الليل في صوم رمضان:

- ‌أدلتهم:

- ‌النيّة لكلّ يوم

- ‌حكم من ظهر له وجوب الصيام نهارا

- ‌الليل كله وقت للنية

- ‌3 - صوم النذر

- ‌4 - صوم النفل

- ‌المدى الذي يصح أن يحدث فيه النية من النهار:

- ‌شروط من أجاز صوم النفل بنية من النهار:

- ‌المقدار الذي يثاب عليه الناوي من النهار:

- ‌الفصل الثالثصفة النِّيَّة

- ‌تمهيد

- ‌صفة نيّة الطهارة

- ‌إذا نوى مطلق الطهارة:

- ‌إذا نوى الغسل أو الوضوء:

- ‌إذا نوى المتطهر رفع الحدث:

- ‌إذا نوى المتطهر الطهارة لأمر لا يستباح إلا بها:

- ‌إذا نوى ما تستحب له الطهارة:

- ‌إذا نوى ما لا تشرع الطهارة له:

- ‌إذا نوى من عليه أحداث رفع أحدها:

- ‌النية للتيمم

- ‌صفة النيّة في العبادات الواجبة

- ‌صفة النيّة في الزكاة والحج والعمرة

- ‌صفة النية في الصوم

- ‌صفة النيّة في الصلاة

- ‌نية الجماعة

- ‌نيّة القضاء والأداء

- ‌نية الجمع

- ‌صفة النية في النوافل

- ‌الاستحضار التفصيلي لأركان الصلاة

- ‌قول أعجب وأغرب

- ‌الفصل الرابعشروط النِّيَّة ومبطلاتها

- ‌الشرط الأولأهلية من صدرت عنه النية

- ‌الوضوء والغسل والتيمم من الكافر

- ‌الزكاة من أهل الذمة

- ‌غسل الزوجة الكتابية

- ‌القربات التي أداها المسلم حال كفره

- ‌العبادة من غير المميز

- ‌حج الصغير الذي لا يميز

- ‌نيّة الصبي المميز

- ‌الشرط الثانيالجزم والتنجيز وعدم التردد والتعليق

- ‌الشك

- ‌الشك بسبب عدم علمه بأمور تتعلق بالمنوي

- ‌اختلطت ثياب طاهرة بنجسة

- ‌الشك في الصلاة التي فاتته

- ‌صيام يوم الشك

- ‌صيام الأسير

- ‌الشك في أصل النية

- ‌التردد في العبادة

- ‌تعليق النية على المشيئة أو على حصول شيء ما

- ‌الشرط الثالث‌‌استصحاب حكم النية

- ‌استصحاب حكم النية

- ‌رفض النية

- ‌رفض النية بعد تمام العبادة:

- ‌رفض نية العبادة في أثنائها

- ‌قلب النية وتغييرها

- ‌أقسام النيّة التي قلبت

- ‌الأول: نفل فرض إلى فرض:

- ‌الثاني: نقل فرض إلى نفل:

- ‌الثالث: نقل نفل إلى فرض:

- ‌الرابع: نقل نفل إلى نفل:

- ‌تغيير النيَّة

- ‌المنفرد يصبح إماما

- ‌الإمام يصبح مأموما

- ‌المأموم يصبح منفردا

- ‌المنفرد يتحوّل إلى مأموم

- ‌تغيير نية القصر إلى إتمام

- ‌اختلاف نيّة الإمام والمأموم

- ‌الأدلة النقلية

- ‌الاستدلال بالقياس:

- ‌الشرط الرابععدم التشريك في النيّة

- ‌الشرط الخامسأن تتعلق النية بمكتسب للناوي

- ‌الشرط السادسقصد العبادة دفعة واحدة

- ‌الشرط السابعمقارنة النيّة للمنوي

- ‌الشرط الثامنالعلم بصفات المنوي

- ‌الغلط في تعيين المنوي

- ‌الفَصل الخامسالنيَابة في النيَّة

- ‌تمهيد:

- ‌أدلّة الذين منعوا مطلقا

- ‌أولا: النصوص التي تدل بعمومها على منع النيابة:

- ‌ثانيا: النصوص المصرّحة بمنع النيابة في بعض العبادات:

- ‌ثالثا: قالوا جواز النيابة فى العبادات تنافي الغرض من تشريعها:

- ‌المجيزون مطلقا

- ‌موقفهم من حجج المانعين:

- ‌أدلّة المجيزين للنيابة مطلقا أو في حال دون حال:

- ‌موقف المانعين للنيابة في العبادات من هذه النصوص الدالة على الجواز ومناقشتهم:

- ‌موقف الدين أجازوا النيابة في بعض العبادات من حجج المجيزين مطلقا:

- ‌تحرير محلّ النزاع

- ‌أولا: عبادات لا مجال للنيابة فيها:

- ‌ثانيا: الذين لا تجوز النيابة عنهم:

- ‌الرأي الراجح:

- ‌إهداء ثواب العبادة للأموات

- ‌حجج المانعين:

- ‌حجج المجيزين:

- ‌النظر في هذه الأدلة:

- ‌مَا يفتَقِر إلى النِّيَّة وَمَا لَا يفتقِر إليَهَا

- ‌إزالة النجاسات

- ‌الأحداث التي تنقض الطهارة

- ‌النيّة في الوضوء والغسل

- ‌أدلة القائلين بعدم الوجوب

- ‌1 - أن الماء مطهر بطبعه:

- ‌2 - أن المعتبر في الوضوء لا يتوقف على النَّية:

- ‌3 - الوضوء يتحقق المقصود منه بنفس وقوعه:

- ‌4 - الوضوء وسيلة لغيره، والوسائل لا تلزمها النية:

- ‌5 - الوضوء شرط والشروط لا تحتاج إلى نيّة:

- ‌6 - إطلاق النصوص:

- ‌7 - دليل النية ظني الثبوت ظني الدلالة:

- ‌مناقشة الحجج التي أوردوها

- ‌أدلة الموجبين

- ‌أولا: الأحاديث المبينة فضل المتوضىء والمغتسل:

- ‌ثانيا: نصوص زعموا أنها توجب النية في الوضوء:

- ‌ثالثا: القياس:

- ‌النيّة في التيمم

- ‌النيّة في الصلاة

- ‌النيّة في الزكاة

- ‌إذا تصدَّق بجميع ماله ولم ينو الزكاة:

- ‌صوم رمضان

- ‌النيّة في الحجّ والعمرة

- ‌النية في الاعتكاف

- ‌النية في الكفارات

- ‌النيّة لأعمال القلب

- ‌النيّة في الأقوال

- ‌السنة في التروك

- ‌حكم النيّة في العبادات

- ‌(ركن، أم شرط)

- ‌الباب الثانيالإخلاص

- ‌تمهيد

- ‌أهمية الغاية وعظيم خطرها

- ‌لا غنى للبشرية عن الغاية التي يرسمها الإِسلام

- ‌الدواعي الطبعية والدواعي الشرعية

- ‌الفصل الأولالغاية التي تتوجَّه إليها مقاصدُ المكلّفين

- ‌الغاية الواحدة في مصطلح القرآن هي الإخلاص

- ‌شدة الإخلاص وصعوبته

- ‌لماذا كان الله هو المقصود دون سواه

- ‌1 - الغاية التي ليس وراءها غاية:

- ‌2 - هو المستحقُّ لأن يقصد ويعبد:

- ‌3 - السعادة في قصده، والشقاء في توجيه القلوب إلى سواه:

- ‌4 - لا سبيل إلى تحرر النفس الِإنسانية إلاّ بتوجهها إليه:

- ‌5 - عنى الله عن العباد وإحسانه إليهم:

- ‌حكم الإِخلاص في العبادات

- ‌الفصل الثانيمفهومات خاطئة للإخلاص

- ‌1 - الِإخلاص والتجرد عن الِإرادة

- ‌هل يمكن العمل بدون إرادة:

- ‌الفناء الحق:

- ‌2 - التجرد عن الميول والنزعات الفطرية

- ‌محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الاتجاه:

- ‌سرّ المسألة:

- ‌3 - قصد النعيم الأخروي

- ‌تنوّع المقاصد الخيّرة

- ‌الفصل الثّالِث المقاصد السَّيّئة

- ‌أولاً: اتباع الهوى

- ‌تعريف الهوى وبيان نتائجه وآثاره:

- ‌علاج الهوى

- ‌1 - تحويل الاتجاه:

- ‌2 - تقوية الإرادة:

- ‌3 - إحياء واعظ الله في قلوبنا:

- ‌4 - محاسبة العبد نفسه:

- ‌ثانيًا: الرياء

- ‌ومن النصوص القرآنية التي تتوعّد المرائين:

- ‌تعريف الرياء

- ‌الرياء لغة:

- ‌الرياء شرعًا:

- ‌الرياء والسمعة:

- ‌الرياء والعجب:

- ‌أسباب الرياء

- ‌الأمور التي يراءى بها

- ‌حكم العمل المراءى به

- ‌مناقشة ما احتج به أصحاب هذا المذهب:

- ‌شبهة وجوابها:

- ‌تحقيق القول في قصد المكلف المصالح التي أقر الشارع قصدها بالعبادة:

- ‌الغنيمة في الحرب والتجارة في الحج تنقصان الأجر

- ‌الرياء بأوصاف العبادة

- ‌خفاء الرياء وتلونه

- ‌مزلق خطر

- ‌ترك العمل خوف الرياء

- ‌1 - الاستعانة بالله على الإخلاص والتعوذ به من الرياء ومراقبته:

- ‌2 - معرفة الرياء والتحرز منه:

- ‌3 - النظر في عاقبة الرياء في الدنيا:

- ‌4 - النظر في عواقبه الأخروية:

- ‌5 - إخفاء العبادة وإسرارها:

- ‌علامات القائم بالإِخلاص

- ‌ثالثا: التعبد بقصد الاطلاع على العوالم المغيبة

- ‌اعتراضات

- ‌رابعا: الهروب من العبادة

- ‌الأمر الضابط لمقاصد المكلفين

- ‌الفصل الرابع تأثيرُ القَصْد في الأفعال

- ‌تأثير النيّة في المباحات

- ‌التوفيق بين الرأيين:

- ‌استحضار النية عند المباح:

- ‌تأثير النيّة في الأفعال المحرّمة

- ‌الفرقة الأولى:

- ‌الفرقة الثانية:

- ‌الفرقة الثالثة:

- ‌التقرب إلى الله بالعبادات المبتدعة

- ‌خاتمة القول

- ‌مُلحَقإيضاحات مهمة تتعلق بحديث "إنمّا الأعمال بالنيّات

- ‌تمهيد:

- ‌الألفاظ التي وردت بها روايات الحديث

- ‌سبب الحديث

- ‌إشكال يرد على الحديث باعتبار سببه

- ‌كتب السنة التي أخرجته

- ‌هل أخرجه مالك في الموطأ:

- ‌طرق الحديث

- ‌مخطط يوضح طرق الحديث في كتب السنة

- ‌إشكالات أوردت على الحديث

- ‌1 - تضعيف الحديث لكونه غريبًا:

- ‌2 - أنّه حديث شاذ:

- ‌3 - أن فيه انقطاعا:

- ‌4 - أنه ليس حديثا فردًا:

- ‌5 - أنه متواتر:

- ‌قائمة المراجع

الفصل: ‌1 - تعريف النية بالعزم والقصد:

‌النيَّة في الاصطلاح

‌1 - تعريف النية بالعزم والقصد:

ذهب جمع من العلماء إلى تعريف النيّة بمدلولها اللغوي، فمن هؤلاء النووي (1) رحمه الله، قال:"النيّة هي القصد إلى الشيء، والعزيمة على فعله، ومنه قول الجاهلية: نواك الله بحفظه، أي قصدك به"(2).

(1) هو يحيى بن شرف النووي الشافعي، ولد في قرية (نوا) من قرى حوران سنة (631 هـ)، وبها توفي عام (676 هـ). كان علامة بالفقه والحديث، تعلم في دمشق، وأقام بها زمنا طويلا، من كتبة (شرح صحيح مسلم)، و (المجموع شرح المهذب)، و (رياض الصالحين)، وهي كتب لا غنى للعالم وطالب العلم عنها.

(طبقات الحفاظ ص 510)، (شذرات الذهب 5/ 354)، (تذكرة الحفاظ 4/ 1470).

(2)

مواهب الجليل (2/ 230) وفيض القدير (1/ 30)، وذكر النووي في (المجموع) أنَّ ابن الصلاح أنكر أنَّ العرب تقول: نواك الله بحفظه، وعلل قوله: بأنَّ القصد مخصوص بالحادث لا يضاف إلى الله تعالى (المجموع 1/ 367).

وهنا قضيتان: الأولى في ثبوت ذلك عن العرب، وهذا لا يجوز إنكاره؛ فإنَّ الثقات نقلوه عنها وأثبتوه، راجع أساس البلاغة للزمخشري، والمغني لابن قدامة (1/ 111)، وفيض القدير (2/ 230)، ومواهب الجليل، ولسان العرب، معاجم اللغة.

والثانية: ليس جواز إطلاق ذلك على الله تعالى، فهذه يتوجه إنكار الشيخ أبي عمرو لها، وحجته في هذا القاعدة التي ينص عليها علماء التوحيد أن الأسماء والصفات توقيفية، فلا يجوز أن نطلق على الله صفة أو اسما لم يرد في الكتاب والسنة، إلا أنَّ بعض العلماء يرى أن هذا ليس من باب الأسماء والصفات، بل هو من باب إضافة الأفعال، والعجيب أنَّ الشيخ أبا عمرو رحمه الله أجاز ذلك في شرحه على مسلم، فتناقض قوله، يقول النووي رحمه الله:"هذا الذي أنكره أبو عمرو غير منكر، وأبو عمرو ممن اعتمده، فإنَّه في القطعة التي اعتمدها من أول صحيح مسلم. وذكر نصّ قول الشيخ أبي عمرو هناك وهو "يقدم عل هذا أنَّ الأمر في إضافة الأفعال إلى الله تعالى واسع، لا يتوقف فيه على توقيف، كما يتوقف عليه في أسماء الله تعالى وصفاته، ولذلك توسع الناس في ذلك في خطبهم وغيرها"، (المجموع 1/ 367).

ص: 23

ومنهم القرافي (1) رحمه الله قال: "هي قصد الِإنسان بقلبه ما يريده بفعله"(2).

وقال الخطابي (3) رحمه الله: "النيَّة قصدك الشيء بقلبك، وتحري الطلب منك له، وقيل: عزيمة القلب"(4).

وتعريف النية بالقصد والعزم مذهب قوي يدلّ عليه أنّه مدلول الكلمة في لغة العرب، فالقصد والعزم على ذلك قسمان للنية، وقد خصَّ إمام الحرمين العزم بالفعل المستقبل، والقصد بالفعل الحاضر المتحقق، يقول في ذلك:"النية إن تعلقت بفعل مستقبل فهي عزم، وإن تعلقت بفعل حاضر سميت قصدا تحقيقيا"(5).

ويرى ابن قيم الجوزية (6) -رحمه الله تعالى- أنَّ النية هي القصد بعينه، إلاّ أنَّ بينها وبين القصد فرقين:

أحدهما: أنَّ القصد معلق بفعل الفاعل نفسه وبفعل غيره، والنية لا تتعلق إلاّ بفعل نفسه، فلا يتصور أن ينوي الرجل فعل غيره، ويتصور أن يقصده ويريده.

ومن هذه الزاوية يكون القصد أعمَّ من النيّة.

(1) هو أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي المصري المالكي، أخذ عن العز بن عبد السلام، وعن ابن الحاجب، له مؤلفات نافعة مثل (التنقيح في الأصول)، و (شرح المحصول)، و (الذخيرة) في الفقه. توفي في عام (684 هـ)، وكانت ولادته سنة (626 هـ).

(معجم المؤلفين 1/ 158).

(2)

الذخيرة (1/ 134)، مواهب الجيل (2/ 230).

(3)

هو حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي، فقيه محدّث، من نسل زيد بن الخطاب، له كتاب (معالم السنن)، و (غريب الحديث) - ولد في سنة (319 هـ)، وتوفي في (بست) من بلاد (كابل) سنة (388 هـ).

(طبقات الحفاظ ص 403)، (الأعلام 2/ 204).

(4)

(العيني على البخاري (1/ 3)، منتهى الآمال.

(5)

نهاية الإحكام (ص 7).

(6)

هو محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي، عالم فقيه أديب مجاهد مصلح، تتلمذ على ابن تيمية، وانتصر له، وسجن معه بدمشق، من مصنفاته -وهي كثيرة جدا- "إعلام الموقعين"، و"مدارج السالكين". ولد في سنة (691 هـ) وتوفي في سنة (751 هـ).

شذرات الذهب (8/ 434)، (الأعلام 1/ 189).

ص: 24

الثاني: أنَّ القصد لا يكون إلاّ بفعل مقدور يقصده الفاعل، وأمّا النيّة فينوي الإِنسان ما يقدر عليه وما يعجز عنه، ولهذا في حديث أبي كبشة الأنماري (1)، الذي رواه أحمد (2) في مسنده، والترمذي (3) في سننه، وغيرهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال "إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما، فهو يتقي في ماله ربَّه، ويصل رحمه، ويعلم لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل عند الله.

وعبد رزقه الله علما، ولم يرزقه مالا، فهو يقول: لو أنَّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، وأجرهما سواء.

وعبد رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علمًا، يخبط في ماله بغير علم، ولا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه فذلك بشر منزلة عند الله.

وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أنَّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيَّته، وهما في الوزن سواء" (4).

يقول ابن القيم معقبا على الحديث: "فالنيّة تتعلق بالمقدور عليه، والمعجوز عنه، بخلاف القصد والإِرادة، فإنهَّما لا يتعلقان بالمعجوز عنه لا من فعله ولا من فعل غيره"(5).

فالنيَّة بناء على هذا أعمّ من القصد.

(1) هو سعيد بن عمرو بن سعيد صحابي، نزل الشام، له أحاديث كثيرة في الصحاح والسنن.

راجع (الكاشف 3/ 370).

(2)

هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني أبو عبد الله، إمام المذهب الحنبلي، وأحد الأئمة الأربعة، له موقف مشهود في التصدي للذين قالوا بخلق القرآن، أصله من (مرو)، وولد بغداد سنة (164 هـ)، ورحل في طب العلم، وألّف، وصنف، من كتبه (المسند)، توفي في بغداد سنة (241 هـ).

(طبقات الحفاظ ص 186)، (خلاصة تذهيب الكمال 1/ 29)، (الكاشف 1/ 68).

(3)

هو محمد بن عيسى الترمذي، نسبة إلى (ترمذ) على نهر جيحون، من أئمة علماء الحديث، وكتابه (السنن) أحد الكتب الستة المعتمدة في الحديث، ولد في (ترمذ) سنة (209 هـ) وبها توفي سنة (279 هـ).

(تهذيب التهذيب 9/ 387)، (خلاصة تذهيب الكمال 2/ 447)، (طبقات الحفاظ 9/ 387).

(4)

بدائع الفرائد لابن القيم (3/ 189)، والحديث رواه أحمد (4/ 230 - 231)، والترمذي كتاب الزهد (17)، وقال حديث حسن صحيح، وابن ماجه (2/ 1413).

(5)

بدائع الفرائد (3/ 189).

ص: 25

وفريق آخر من العلماء لا يمانع في تعريف النية بالقصد والعزم إلاّ أنّه لا يرى أنَّ القصد والعزم قسمان للنيّة، بل قسيمان (1) لها، وتعريفها بهما من باب "التوسع في الاستعمال، فإنَّ النية والعزم والقصد متقاربة المعاني"(2).

وقد جعل القرافي النية والقصد والعزم والمشيئة

من أقسام الإرادة (3)، وممن قال بذلك النووي فهو يقول:"الِإرادة والنية والعزم متقاربة، فيقام بعضها مقام بعض مجازا"(4).

وقد رفض الكرماني (5) رحمه الله تعريف النية بالعزم، فقد نقل في شرحه لصحيح البخاري تعريف الِإمام النووي للنية:"والنية هي القصد وعزيمة االقلب"، ثم قال:"أقول ليس هو عزيمة للقلب"، وحجته ما قرره المتكلمون من أنَّ "القصد إلى الفعل هو ما نجده في أنفسنا حال الإيجاد، والعزم قد يتقدم عليه، ويقبل الشدَّة والضعف، بخلاف القصد"(6). والذي دعا الكرماني إلى رفض تعريف النية بالعزم أمران كما هو واضح من كلامه:

الأول: أنَّ النيَّة يجب أن تقارن الفعل، ولا يجوز أن تتقدم عليه، والعزم قد يكون مقارنا، وقد يتقدم على الفعل.

الثاني: أنَّ عزيمة القلب قدر زائد على أصل القصد.

(1) هناك فرق بين قسمان وقسيمان، فالمراد بقسمان: أن العزم والقصد جزآن للنية، أما المراد بكونهما قسمين أي أن القصد والعزم والنية أقسام لكلمة أعم منها هي الإرادة.

(2)

نهاية الأحكام للسيوطي نقلا عن القرافي في (الأمنية)(14/ أ).

(3)

منتهى الآمال (14/ أ).

(4)

المجموع (1/ 367).

(5)

هو محمد بن يوسف بن علي الكرماني، أصله من كرمان، واشتهر بغداد، وأقام بمكة، له الكوكب الدراري شرح صحيح البخاري)، و (شرح مختصر ابن الحاجب)، ولد سنة (717 هـ) توفي بغداد سنة (786 هـ).

(معجم المؤلفين 12/ 129)، (بغيه الوعاة 1/ 279).

(6)

الكرماني على البخاري (1/ 18)، ونقله عن العيني (1/ 23)، وانظر منتهى الآمال (13/ أ، ب).

ص: 26

وما ذهب إليه من أنَّ النية يجب أن تقارن الفعل، ولا يجوز أن تتقدمه، ليس له دليل عليه، فالعرب تطلق النيَّة على الفعل الحاضر المتحقق، كما تطلقها على الفعل المراد إتيانه مستقبلا، وقد سقنا فيما مضى قول إمام الحرمين (1) الذي يجعل النية شاملة للأمرين، وممن ذهب هذا المذهب الزركشي (2) في قواعده، فقد عدّ النيَّة مطلق القصد، يقول:"النية ربط القصد بمقصود معين، والمشهور أنَّها مطلق القصد إلى الفعل"(3).

ولعل الذي حدا بالكرماني إلى القول بأن النية لا بد أن تكون مقترنة بالفعل ولا يجوز تقدّمها هو ما تقرر لديه من وجوب مقارنة النيّة لأول العبادة، وهذه مسألة ليست اتفاقية كما سيأتي تحقيقها (4)، فغاية ما يمكن أن يقال: إنَّ اشتراط اقتران النية بالفعل اصطلاح خاص لطائفة من العلماء، وليس لهم أن يلزموا غيرهم بقولهم هذا. ويردُّ ما فرق به ثانيًا من أنَّ العزم يقبل القوة والضعف، فهو أمر زائد على أصل النية- أن مدلول العزم والنيّة في اللغة متقارب، وقد نبَّه إلى ذلك العيني رحمه الله، فقد نقل تعقيب الكرماني على النووي، وخطأه في رفضه تفسير النيّة بالعزم، ثم قال:"العزم هو إرادة الفعل والقطع عليه، والمراد من النيّة هنا هذا المعنى، فلذلك فسَّر النووي القصد الذي هو النيّة بالعزم فافهم".

(1) هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي، ولد قرب نيسابور سنة (419 هـ)، ورحل إلى بغداد فمكة والمدينة، وعاد إلى نيسابور ليدرس في المدرسة النظامية حيث كان يحضر درسه أكابر العلماء، وتوفي في نيسابور سنة (478 هـ)، له مصنفات كثيرة.

(شذرات الذهب 3/ 358)، (الأعلام 4/ 306).

(2)

هو محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي، فقيه شافعي، عالم بالأصول، تركي الأصل، مصري المولد والوفاة (745 - 794 هـ)، له كتاب القواعد المسمى (بالمنثور)، وكتاب:(إعلام المساجد بأحكام المساجد)، (الأعلام 6/ 286).

(3)

منتهى الآمال (13/ ب).

(4)

انظر الباب الأول: فصل "وقت النيّة". ص: 163.

ص: 27