الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النيّة في التيمم
مذهب الشافعي رحمه الله في التيمم كمذهبه في الوضوء، أن النية واجبة فيه، فهو يقول بصريح العبارة:"لا يجوز التيمم بغير نية"(1).
وهذا مذهب عامة أهل العلم: ربيعة، ومالك، والليث، وأبي عبيد، وأبي ثور، وابن المنذر (2)، بل نجد بعض الذين قالوا بعدم وجوب النية في الوضوء والغسل، وافقوا الجمهور هنا، فأوجبوا النيّة في التيمم كأبي حنيفة وصاحبيه: أبي يوسف ومحمد (3).
ولقد وهم ابن هبيرة عندما قال: "اجمعوا على أنّ النية شرط في صحة التيمم"(4).
وقال مثل قوله السمرقنديّ من الأحناف: "والنيّة فرض التيمم بالإجماع"(5)، ولعل سبب وهمهما كثرة القائلين بإيجاب النية هنا، وممن خالف فلم يوجب النيّة في التيمم: زفر من الأحناف (6)، والأوزاعي (7).
ومذهب زفر هنا منسجم مع مذهبه في الوضوء، فلم يتناقض كما تناقض الذين أوجبوا النية في التيمم دون الوضوء، كالإمام أبي حنيفة وصاحبه، وقد بين شارح
(1) مختصر المزني (1/ 4).
(2)
المغني لابن قدامة (1/ 251).
(3)
بدائع الصنائع (1/ 52).
(4)
الإفصاح (1/ 66).
(5)
تحفة الفقهاء (1/ 13).
(6)
بدائع الصنائع (1/ 52).
(7)
فتح الباري (1/ 14)، العيني على البخاري (1/ 34).
العناية من الأحناف (1) أن التيمم خَلَف عن الوضوء، لأن الخَلَف هو ما لا يجوز الإتيان به إلاّ عند عذر وجد في الأصل، والتيمم ينطبق عليه هذا تماما، والخلَف لا يخالف الأصل في وصفه الذي هو الصحة، وبما أنَّ الوضوء على مذهب أبي حنيفة صحيح دون النية، ينبغي أن يصحّ التيمم دون النية، وإلّا كان الخَلَف مخالفا للأصل في وصفه، وهو لا يجوز لخروجه عن الخليفة في هذه الحال.
وقد حاول بعض الأحناف أن يوجه هذا التناقض مدعيا أن التيمم هو القصد لفظا ومعنى، والقصد هو النية، وقد أمرنا بالتيمّم والأمر للوجوب، لذا تشترط النيّة للتيمم بخلاف الوضوء، فإنَّ الأمر ورد بالغسل والمسح، ولا دلالة لهما على النية (2).
وهذا الاستدلال غير مقبول بحال كما يقرّر شارح العناية، لأنَّ القصد الذي يدلّ عليه التيمم غير القصد الذي هو النيّة الشرعية، فالقصد الذي يدل عليه التيمم هو قصد استعمال التراب، أما النية في التيمم فهي أن ينوي الطهارة أو رفع الحدث أو الجنابة أو استباحة الصلاة، وهذا غير ذاك لا محالة، فلا يلزم من كون أحدهما مأمورا به أن يكون الآخر شرطا" (3).
وقد استدل لزفر والأوزاعي القائلين بعدم إيجاب النيّة في التيمم -بأن التيمم متميز بصورته، وما كان كذلك فلا تجب النيّة له، وهذا صحيح من جانب، ولكن إذا نظرنا إلى التيمم من جانب آخر فإنّنا ملزمون بإيجاب النية فيه، فهو وإن كان متميّزا بصورته إلاّ أنه خارج عن نمط العبادات، فإنها كلها تعظيم وإجلال، وليس في مسّ التراب ومسحه على الوجه تعظيم، بل هو كما يقول القرافي والعز بن عبد السلام (4): شبه العبث واللّعب، فاحتاج إلى النية، ليخرجه من حيز اللعب إلى حيّز التقرب.
(1) شرح العناية على الهداية (1/ 89).
(2)
شرح العناية (1/ 89)، وراجع الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 20.
(3)
شرح العناية (1/ 89)، أحكام القرآن (1/ 447 - 448).
(4)
الذخيرة (1/ 239)، وقواعد الأحكام (1/ 212)، ومراد العز بقوله شبه العبث أي جنس هذا الفعل.