الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفة النية في الصوم
أما الصوم فلا يتأدى بمجرد نية الفعل، بل لا بد من أن ينوي صوم رمضان، والسبب في هذا أنَّ الصوم منه التطوع ومنه الواجب، والواجب قد يكون عن رمضان أو كفارة أو نذر، ولا يتميز رمضان عما سواه إلاّ بقصده قصدا واضحا بحيث لا يختلط بغيره.
وهذا مذهب الِإمام مالك والشافعي، وأحمد في أظهر روايتيه، بل إنَّ هؤلاء الأئمة الأعلام قالوا بوجوب نيّة الفرضية في الصوم، وممن قال بذلك إسحق وداود الظاهري، وإن كان الأرجح في مذهب الشافعية والحنابلة عدم اشتراطها.
وخالف الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- وجميع أصحابه، فقالوا: يتأدى صوم شهر رمضان بنية مطلقة من المقيم الصحيح، بل ويتأدى عندهم بنيّة النفل، ونيّة القضاء والكفارة، وحجّة أبي حنيفة عدم قابلية المحل؛ لأن شهر رمضان متعين لصوم الفرض لمن شهده صحيحا غير مريض، واحتجوا بقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (1). والصحيح المقيم شهد الشهر وصامه، فيخرج من العهدة.
وقد أوردنا فيما سبق اعتراض الشافعي رحمه الله أن الواجب الموسع قد يتضيق كما لو أخر صلاة الظهر إلى آخر وقتها بحيث لم يبق من الوقت إلا ما يكفي صلاة الفرض، فيلزم الأحناف بناء على ذلك القول بأن الفريضة هنا تتأدى بنية النافلة، إلا أن الأحناف يفرقون بين ما تضيق بحكم شرعي أصلي كرمضان، وبين
(1) سورة البقرة / 185.
ما تضيق بفعل الإنسان، كما في تأخير الصلاة إلى آخر وقتها، وكما في نذر يوم بعينه، فالأول يتأدى ولو نوى به شيئًا آخر، والثاني: لا يتأدى إلاّ بقصده بعينه.
وأقوى ما يردّ به على هؤلاء قوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما لكلِّ امرىء ما نوى"، وهذا لم ينو الفرض أو رمضان، فلا يحصل له؛ وقد تناقض الأحناف هنا، فقد قالوا في الحجّ: إنّه لا يتأدى بنيّة النفل إذا كان عليه حجّة الفريضة، وإذا نوى من عليه حجّة الإسلام عن غيره فإنه يقع عن المحجوج عنه، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم:"وإنما لكلِّ امرىء ما نوى"، ولكنهم لم يسيروا على النسق نفسه في الصيام مما جعل مخالفيهم يرمونهم بالتناقض، إلاّ أنَّ الأحناف رفضوا ذلك، وقالوا: شهر رمضان متعين للصوم لمن شهده صحيحا، بخلاف وقت الحج فإنّه لم يتمحض للحجّ. ولكن أين الدليل على أنَّ ما تعين وقته للعبادة بحيث يصبح ظرفا لها لا يحتاج إلى تعيينه، ويصحّ أداؤه بنية النفل؟! وما الذي أخرج هذه الصورة من الحدث "إنما الأعمال بالنيات"؟!
أما استدلالهم بالآية فلا حجة فيه، فالآية تأمر بالصوم الشرعي، والصوم الشرعي لا بدَّ له من النية التي تحدده وتميزه، وإلاّ لم يكن صياما، وفي الحدث (1)"لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل"(2).
(1) رواه ابن عمر بهذا اللفظ "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" رواه الخمسة (انظر نيل الأوطار 4/ 219).
(2)
راجع في صفة نيّة الصيام ما يأتي:
الأم (2/ 18)، مختصر المزني (1/ 15)، المجموع (6/ 186)، (6/ 328)، (6/ 338، 346)، (3/ 345 - 346) بدائع الفوائد (3/ 93)، المغنى (3/ 94 - 95) التوضيح (19، 95) حاشية ابن عابدين (1/ 308)، بدائع الفوائد (2/ 83)، الإفصاح لابن هبيرة (1/ 156)، فتح القدير (2/ 49)، إرشاد الساري (1/ 53)، العيني على البخاري (1/ 33).