الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: الرياء
جاءت نصوص الكتاب والسنة ترهبنا ترهيبا عظيما من أن نقصد بالعبادة -التي شرعها الله لنتقرب بها إليه- العباد، وعدَّ ذلك من عظائم الذنوب، بل عده شركا، وذلك لأنّ هذا المرائي لم يقصد الله وحده دون سواه بعمله، والإخلاص يقتضي أن يريد العابد الله لا شريك له.
والمرائي جعل العبادات مطيّة لتحصيل أغراضه، فقد استعمل العبادة فيما لم تشرع لأجله، وهذا تلاعب بالشريعة ووضع للأمور في غير مواضعها.
ومن النصوص القرآنية التي تتوعّد المرائين:
1 -
قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (1). فقد تهدّد الله هذا الصنف المرائي بصلاته بالويل وهو الهلاك.
2 -
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (2). فالمتصدق الذي يمنّ بصدقته على المتصدق عليه أو يؤذيه عمله باطل، مثله مثل الذي ينفق رياء.
3 -
وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} (3). فالذي يريد بعمله ثواب الدنيا يعطاه إذا شاء الله
(1) سورة الماعون / 4 - 7.
(2)
سورة البقرة / 264.
(3)
سورة هود /15.
تعالى (1)، ومصيره في الآخرة العذاب الشديد، لأنه جرد قصده إلى الدنيا، فالآية -كما يقول القرطبي- عامة في كلّ من ينوي بعمله غير الله، كان معه أصل إيمانه أو لم يكن، وهذا قول مجاهد، وميمون بن مهران (2)، وإليه ذهب معاوية (3).
أما الأحاديث النبوية فهي كثيرة منها:
1 -
روى أبو هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول النّاس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به، فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، حتى ألقي في النّار.
ورجل تعلم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرّفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وعلّمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنّك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت، ليقال قارىء، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه، حتى أُلقي في النّار.
ورجل وسّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرّفه نعمه، فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنّك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار (4) ". فهؤلاء الثلاثة الذين أجهدوا أنفسهم في الطاعات والعبادات لم تنفعهم طاعتهم وعبادتهم، لأنهم لم يبغوا بها وجه الله
(1) هذه الآية مطلقة وآية الإسراء مقيدة لها: {منْ كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} .
(2)
هو ميمون بن مهران الرقي فقيه من القضاة، وكان عالم الجزيرة الفراتية وسيدها، استعمله عمر بن عبد العزيز على قضائها وخراجها، ثقة في الحديث، كثير العبادة، ولادته سنة (37 هـ)، ووفاته سنة (117 هـ).
راجع: (شذرات الذهب 1/ 154)، (الكاشف 3/ 193). (طبقات الحفاظ ص 39).
(3)
تفسير القرطبي (9/ 15).
(4)
رواه مسلم في صحيحه (انظر شرح النووي على مسلم 13/ 50) وعزاه ابن الأثير إلى مسلم والترمذي والنسائي، (انظر جامع الأصول 5/ 281).
تعالى، بل صارت عذابا، لأنَّهم قصدوا بها العباد لا ربَّ العباد، وفي هذا دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته (1).
2 -
عن أبي موسى الأشعري قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل حمية، ويقاتل رياء، أيَّ ذلك في سبيل الله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"، رواه مسلم في صحيحه.
وفي رواية في صحيح مسلم أيضا، قال السائل: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال:"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"(2).
فقد صرّح الرسول صلى الله عليه وسلم بأن المقاتل لا يكون مقاتلا في سبيل الله إلاّ إذا كان هدفه إعلاء كلمة الله، أما الذي يقاتل لغير ذلك فلا يعدّ مقاتلا في سبيل الله.
3 -
عن أسامة بن زيد (3) رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار، يقولون: يا فلان، مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف، ولا آتيه، وأنهى عن المنكر، وآتيه"(4).
(1) انظر شرح النووي على مسلم (13/ 51).
(2)
رواه الجماعة (انظر نيل الأوطار 7/ 226).
وقوله في الحديث: للذكر، أي ليذكره الناس بالشجاعة.
والحمية: هي الأنفة والغيرة والمحاماة عن العشرة.
(3)
هو أسامة بن زيد بن حارثة صحابي جليل، ولد بمكة في السنة السابعة قبل الهجرة، كان حبيبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أثيرا عنده، أمره الرسول صلى الله عليه وسلم، في آخر حياته، وأسامة دون العشرين، توفي بالمدينة (54 هـ).
راجع: تهذيب التهذيب (1/ 208)، خلاصة تذهيب الكمال (1/ 66)، (الكاشف 1/ 104).
(4)
رواه البخاري ومسلم (جامع الأصول 5/ 287)، وقوله في الحديث فتندلق، الاندلاق: الخروج، ومنه اندلق السيف عن قرابه، وأقتاب بطنه، الأقتاب جمع قتب: وهي الأمعاء.