الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد طال تطلابه للملك، حتى قضى نحبه في طلبه:
بَكَى صَاحِبِي لَمَّا رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ
…
وَأَيْقَنَ أَنَّا لَاحِقَانِ بِقيْصَرَا
فَقُلْتُ لَهُ لَا تَبْكِ عَيْنُكَ إنما
…
نُحَاوِلُ مُلْكًَا أَوْ نَمْوتَ فَنُعْذَرَا
لقد ضيّع حياته أولا في المتع والشهوات، وقضى شطر عمره الثاني في طلب الملك الضائع، وانتهت حياته، ولم يحصّل مطلوبه، ومات كما مات المتنبي (1) من بعده، طلبا الملك والِإمارة، فأعياهما الطلب.
أما همة المسلم فلا تقف إلاّ أن تصل إلى الغاية التي لا غاية وراءها، والمطلوب الذي لا مطلوب بعده. قيل لأحد الصالحين: فلان بعيد الهمّة، قال: إذن لا يرضى بما دون الجنة، وفي عيون الأخبار أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، جاءه دكين الراجز، فقال له عمر: يا دكين، إنَّ لي نفسًا توّاقة، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلمّا نلتها تاقت إلى الخلافة، فلمّا نلتها تاقت إلى الجنة (2).
2 - هو المستحقُّ لأن يقصد ويعبد:
والله وحده المستحقّ لأن يقصد دون سواه، لأنّه المعبود الذي يتصف بصفات الجلال والكمال، فهو الكامل في ذاته وصفاته، وهو المنعم المتفضل بيده النفع والضر، والخفض والرفع، والعطاء والمنع والنصر والخذلان، والعزُّ والإذلال:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (3).
(1) هو أحمد بن الحسين الجعفي الكوفي الشاعر الحكيم، قال الشعر صبيا ومدح به الحكام، وسعى إلى الإمارة فلم يحصل شيئًا، مات قتيلاً في الطريق إلى بغداد، حياته (303 - 354 هـ).
راجع: (وفيات الأعيان 1/ 120)، (لسان الميزان 1/ 159)، و (الأعلام 1/ 110) ..
(2)
عيون الأخبار (1/ 231).
(3)
سورة آل عمران / 26 - 27.
فهو وحده المطلوب المقصود، لأنَّه الخالق الهادي المطعم المسقي، الذي يشفي من الأمراض، والذي يغفر الذنوب والخطايا:{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (1).
فمنه المبتدأ وإليه المنتهى، له الحمد في الأولى والآخرة، لا ربَّ غيره، ولا معبود سواه:{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} (2).
فمن كانت هذه صفاته، وتلك أفعاله- فإنه الذي يستحق العبادة دون سواه، وهو الذي ينبغي أن يكون المقصد والمعاذ والملاذ.
والتوجه إليه وقصده بالعبادة حقه الخالص الذي لا يشركه فيه أحد، فعن معاذ ابن جبل، قال:"كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار، فقال لي: "يا معاذ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ الله عَلَى الْعبَاد، وَمَا حَقُّ الْعِباد عَلَى الله؟ " فقلت: الله ورسوله أعلم.
قال: "حَقُّ الله عَلَى الْعِبَاد أَنْ يَعْبُدوهُ، وَلَا تشْرِكوا بِه شَيْئًا، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى الله أَلا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يشْرك بِهِ شَيْئًَا .. "(3).
فهو الذي يستحقُّ العبادة خوفا ورجاء، ورغبة ورهبة، وتوكّلا واعتمادا، وصلاة وصياما، وزكاة وحجّا، ونذرا ودعاء
…
هو المستحق لذلك لذاته -سبحانه - ولو لم يخلق جنّة ولا نارا، ولم يضع ثوابا ولا عقابا، كما جاء في الأثر: "لوْ لَمْ أخْلُقْ جَنَّة وَلَا نَارًا أَمَا كُنْتُ أَهْلاً أنْ
(1) سورة الشعراء/ 78 - 82.
(2)
سورة النجم/ 42 - 51.
(3)
متفق عليه (مشكاة المصابيح 1/ 14).