الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السيوطي (1)، وفعل مثله المناوي (2)، فقد عَدَّا مسائل الفقه التي للنيّة فيها مدخل فنافت على السبعين (3).
وقد قال النووي بحق: "لم يرد الشافعي -رحمه الله تعالى- أنحصار أبوابه في هذا العدد، فإنَّها أكثر من ذلك"(4).
وقال السيوطي في آخر قاعدة الأمور بمقاصدها: "اشتملت هذه القاعدة على عدة قواعد كما تبين ذلك مشروحا، وقد أتينا على عيون مسائلها، وإلا فمسائلها لا تحصى، وفروعها لا تستقصى"(5).
وبين ابن دقيق العيد (6) السبب في دخول حديث "إنَّما الأعمال" في مسائل كثيرة، فقال:"كل مسألة خلافية حصلت فيها نيّة فلك أن تستدلَّ بهذا على حصول المنوي، وكل مسألة خلافية لم تحصل فيها نية فلك أن تستدل بهذا على عدم حصول ما وقع فيه النزاع"(7).
البداءة به في المهمات:
ومن تعظيم العلماء لهذا الحديث أن رغبوا في البداءة به في خطب الدفاتر والمنابر، وفي مجالس الدروس والوعظ.
يقول أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: "لو صنفت كتابا بدأت في
(1) هو جلال الدين: عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين، إمام حافظ مؤرخ أديب له نحو (600) مصنف، نشأ في القاهرة يتيما، وتوفي بها (849 هـ 911 هـ). (مقدمة طبقات الحفاظ)، (شذرات الذهب 8/ 51).
(2)
هو محمد عند الرؤوف بن علي الحدادي ثم المناوي القاهري، من كبار العلماء بالدّين والفنون، له نحو ثمانين مصنفا، منها:(كنوز الحقائق) في الحديث، و (فيض القدير شرح الجامع الصغير). ولد سنة (952 هـ). وتوفي في القاهرة سنة (1032 هـ). (الأعلام 7/ 75).
(3)
فيض القدير (1/ 32) والأشباه والنظائر للسيوطي (ص 10).
(4)
العيني على البخاري (1/ 22).
(5)
الأشباه والنظائر (ص 49).
(6)
هو محمد بن علي بن وهب القشيري، من أكابر العلماء بالأصول، أصله من (منفلوط)، وولد في مدينة (ينبع)، سنة (625 هـ)، وتعلم في دمشق والإسكندرية والقاهرة، ولي قضاء الديار المصرية، وتوفي في القاهرة سنة (702 هـ). (شذرات الذهب 6/ 5)، (طبقات الحفاظ ص 513)، (الأعلام 7/ 173).
(7)
إحكام الأحكام مع حاشية الصنعاني (العدة)(1/ 76 - 77).
أول كلّ باب منه بحديث "إنما الأعمال"(1)، وأوصى رحمه الله بذلك، فقال:"مَنْ أراد أن يصنّف كتابا فليبدأ بهذا الحديث"(2).
وقد تناقل العلماء وصية هذا العالم الجليل مقرين لها، وآخذين بها، وداعين إخوانهم إلى تطبيقها والالتزام بها.
ومما يشهد لذلك أنَّ عمر بن الخطاب خطب بهذا الحديث على المنبر في المدينة (3)، وذكر المناوي: أن الخلفاء الأربعة خطوا به على المنابر (4)، فلما صلح أن يخطبوا به على المنابر، صلح أن يجعل في خطب الدفاتر.
وقد ذكر العيني (5) أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب بهذا الحديث بعد هجرته وقدومه المدينة، أما أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب به فيومىء إليه إحدى روايات الحديث سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا أيها الناس: "إنما الأعمال بالنية"(6)، ففي هذه إشارة إلى أنَّه كان حال الخطبة.
أما أنَّ الحديث كان عند قدومه المدينة فلا يوجد ما يدلّ عليه كما يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني (7).
إلاّ أن السيوطي ذكر أنه وقع على رواية مصرحة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله عقب وصوله المدينة، أوردها الزبير بن بكار في أخبار المدينة (8).
(1) المجموع (1/ 28)، (العيني على البخاري (1/ 22) منتهى الآمال (5/ ب).
(2)
نقل هذا القول عنه البخاري والترمذي، انظر العدة (1/ 62)، وانظر المصادر السابقة.
(3)
رواه البخاري عن علقمة بن وقاص الليثي، قال سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول. فذكره.
(4)
فيض القدير (1/ 29)، ولكنه لم يذكر مصدرا معتمدا يصدق ما أورده، ويرد قوله أن المحدثين قد أجمعوا على أن الحديث لم يروه غير عمر بن الخطاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما وصل إلينا بطريق صحيح.
(5)
العيني على البخاري (1/ 17).
(6)
رواه البخاري في صحيحه في باب ترك الحيل.
(7)
فتح الباري (1/ 10).
(8)
الرواية التي أوردها الزبير بن بكار، وذكرها السيوطي غير صحيحة، لما سبق بيانه أن هذا الحديث لم يروه عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما وصل إلينا بإسناد صحيح إلا عمر بن الخطاب، وسيأتي تحقيق ذلك.
ومناسبة الخطبة لهذا الحديث أول قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة، كما يقول السيوطي:"أن الأحكام، وغالب العبادات إنّما شرعت بعد الهجرة، وكلُّها متوقفة على النيّة، والنيّة محلّها أول كلّ عمل، فبدأ صلى الله عليه وسلم ببيان النيّة للإشارة إلى وجوب تقديمها على كل عمل من الأعمال، وأنها أول الأركان"(1).
وممن عمل بوصية ابن مهدي الِإمام البخاري رحمه الله تعالى، فإنَّه بدأ جامعه الصحيح الذي هو أصح كتاب في الحديث، وهو أصح كتاب بعد كتاب الله - بحديث "إنما الأعمال بالنيات".
ومنهم تقي الدين عند الغني المقدسي الجماعيلي (2) في كتابه (عمدة الأحكام) وقد شرح هذا الكتاب ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام".
وابتدأ به السيوطي جامعه الصغير مع أنه ليس على وفق ترتيبه.
والنووي ابتدأ كتابه "المجموع" به، قال:"وإنما بدأت به تأسيا بأئمتنا ومتقدمي أسلافنا"(3).
وقام السيوطي بشرح هذا الحديث في كتاب كامل (4)
وألف في النيّات جماعة من العلماء (5).
(1) منتهى الآمال (5/ ب، 6/أ).
(2)
هو عبد الغني بن عبد الواحد، ولد بجماعيل قرب نابلس، سنة (541 هـ)، وانتقل إلى دمشق صغيرا، ونبغ في الحديث ورجاله، له (الكمال في أسماء الرجال)، و (عمدة الأحكام في كلام خير الأنام)، توفي بمصر سنة (600 هـ) راجع:(تذكرة الحفاظ 4/ 1372)، (شذرات الذهب 4/ 345)، و (طبقات الحفاظ ص 458).
(3)
المجموع (1/ 28).
(4)
الكتاب هو: منتهى الآمال شرح حديث: "إنما الأعمال"، وهو لا يزال مخطوطا حتى إعداد هذا البحث.
(5)
منهم القرافي له كتاب: "الأمنية في إدراك النية"، وللقرافي كلام طويل في كتابه الذخيرة في باب الوضوء، ومنهم ابن تيمية له كتاب في شرح حدث "إنما الأعمال"، ولأحد تلاميذ ابن حجر كتاب بعنوان الأجوبة الزكية عن تأخر العمل وتقدم النية، وممن شرح حديث "إنما الأعمال" إبراهيم الكوراني، ومحيي الدين محمد بن سليمان المتوفى 875 هـ، ومحمد عارف الدمشقي المتوفى في القرن الماضي، ولمحمد الطاهر بن عاشور كتاب مقاصد الشريعة.