الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل ينعقد العمل بالنيّة فحسب
؟
هل تكفي النية للتلبس بالعبادة أم لا بد من شيء آخر معها؟
العبادات ليست على درجة واحدة في هذا الموضوع، فمنها ما يجب فيه مع النية شيء آخر، ومنها ما يكفي فيه مجرد النيّة.
فالصلاة لا تكفي فيها النية المجردة، بل يجب التكبير، وخالف أبو بكر الأصم من الأحناف فقال:"يصح الشروع في الصلاة بمجرد النية دون التكبير"(1)، وهو قول فاسد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"(2).
وبقية العبادات لا يشترط لها قول، وخالف ابن حبيب من المالكية في الحجّ والعمرة، فقال لا بدَّ فيها "من النيّة قصدا باطنا، والإحرام فعلا ظاهرا، والتلبية نطقا مسموعا"(3)، فقد اشترط مع النية الفعل والتلبية، وأبو حنيفة اشترط مع النية فعلا من خصائص الِإحرام كالتلبية أو سوق الهدي (4).
والأئمة الثلاثة مالك والشافعيّ وأحمد لا يشترطون مع النيّة شيئًا، لا تلبية ولا غيره (5)، لأنه لا دليل على اشتراط شيء من ذلك، واحتجاجا بقوله صلى الله عليه وسلم:
(1) تحفة الفقهاء (1/ 217).
(2)
قال المجد ابن تيمية (نيل الأوطار 2/ 178): رواه الخمسة إلا النسائي، وقال الترمذي: هذا أصح شيء في هذا الباب.
(3)
أحكام القرآن لابن العربي (1/ 133).
(4)
أحكام القرآن (1/ 133)، (المغني 3/ 281)، بدائع الصنائع (2/ 161).
(5)
المغني لابن قدامة (3/ 281).
"إنّما الأعمال بالنيات"، يقول ابن المنذر (1) -وهو ممن يقول بقول الأئمة الثلاثة- معلّلا عدم وجوب شيء مع النية:"لأن الواجب النية، وعليها الاعتماد، واللفظ لا عبرة به، فلم يؤثر كما لا يؤثر اختلاف النيّة فيما يعتبر له اللفظ دون النية"(2).
وقد استدلَّ الاحناف بأدلة منها:
1 -
مجرد النيّة لا عبرة به لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "إنّ الله عفا لي عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل"(3).
2 -
الإحرام عقد على أداء عبادة تشتمل على أركان مختلفة كالصلاة، وكلّ ما كان كذلك فلا بدّ للشروع فيه من ذكر يقصد به التعظيم، سواء أكان تلبية أم غيرها، أو ما يقوم مقام الذكر كتقليد الهدي (4).
3 -
واحتجوا بما رواه السائب يزيد (5) الأنصاري عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "جاءني جبريل فقال: يا محمد، مُرْ أصحابك أن يرفعوا أصواتهم
بالتلبية" (6).
4 -
وقاسوا الحج على الهدي والأضحية، فهما لا يجبان بمجرد النيّة، فالنسك ينبغي أن يكون كذلك (7).
(1) هو محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، فقيه مجتهد، كان شيخ الحرم بمكة، له (تفسير القرآن)، و (اختلاف الحديث)، عاش ما بين (242 - 319 هـ). (طبقات الحفاظ ص 328)، (الأعلام 6/ 184).
(2)
المغني لابن قدامة (1/ 282).
(3)
تحفة الفقهاء (1/ 609)، والحديث سبق تخريجه.
(4)
شرح العناية (2/ 139).
(5)
هو السائب بن يزيد بن سعد الكندى، صحابي حج مع الرسول صلى الله عليه وسلم صغيرا، وهو آخر من توفي من الصحابة في المدينة (سنة 91 هـ). (تهذيب التهذيب 3/ 450)، (الكاشف 1/ 387).
(6)
رواه النسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ومالك وأبو داود وابن ماجه والدارمي (مشكاة المصابيح 2/ 12)، وقال محقق المشكاة إسناده صحيح.
(7)
المغني لابن قدامة (3/ 282).
وهذه الأدلة التي ساقوها لا تنهض على الاستدلال للمسألة:
أولا: لأن حديث "إن الله عفا لي عن أمتي
…
" استدلال في غير محله، فالمعفو عنه حديث النفس، والنيّة في الحج ليست حديث نفس، بل هي عزم مصمم، والعزم المصمم غير معفو عنه، كما سيأتي تحقيقه.
ثانيا: وعلى فرض أن النيَّة داخلة في الحديث، فالشرط ألَّا تتكلم أو تعمل، والحاجّ لا بد له من العمل من سفر، وترك لما حرم عليه فعله، فالناوي داخل في الحديث.
ثالثا: قولهم إن ما كان مثل الحج لا بد له من ذكر في أوله حتى يصح الشروع فيه، وقياسهم الحج على الصلاة، كل ذلك منقوض:
1 -
بإجازتهم عملاً من خصوصيات الإحرام، فإنه ينوب عندهم عن الذكر، وهذا لا يجوز في الصلاة.
2 -
بأن الصلاة في آخرها ذكر يخرج به المصلي من صلاته، فيلزمهم أن يقولوا مثل ذلك في الحجِّ، وإن جاز لهم أن يقيسوا الحج على الصلاة، فكيف يكون ردّهم على من قاس الحج على الصيام، والصيام لا ذكر في أوله ولا في آخره!
رابعا: خبر السائب بن يزيد ليس مرادا به الوجوب بل الاستحباب، فإنَّ منطوقه رفع الصوت، ولا خلاف في أنه غير واجب، فما هو من ضرورته أولى، ولو وجب النطق لما لزم كونه شرطا، فإن كثيرا من واجبات الحج غير مشترطة فيه (1).
خامسا: إننا نفرق بين الحج، والأضحية والهدي، إذ الحج عبادة بدنية، والأضحية والهدي إيجاب مال فأشبها النذر (2).
(1) المغني لابن قدامة (3/ 281).
(2)
المغني لابن قدامة (3/ 281).