الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد اعترف بعض الذين قالوا بوجوب الاستحضار التفصيلي بصعوبة ذلك، فقد ذكر الشيخ عوض في حاشيته على شرح الإقناع لحل ألفاظ أبي الشجاع أن الاستحضار الحقيقي والاقتران الحقيقي متعذر، يقول هذا مع تسليمه بأن هذا المتعذر هو معتمد المذهب!!
ويرى الشيخ عوض أن الذي يقدر عليه البشر هو الاستحضار الإجمالي والمقارنة العرفية، ومع تقريره لهذا القول ورضاه به فإنه يراه قولا ضعيفا في مذهب الشافعية.
ومما يدلّ على بطلان هذا القول علاوة على ما تقدم أمور:
1 -
لم يقل أحد بوجوب الاستحضار التفصيلي في الصوم أو الحج مع أن الاستحضار التفصيلي فيهما أسهل من استحضاره في الصلاة.
2 -
لا يوجد دليل يدل على وجوب الاستحضار التفصيلي في الصلاة، والأدلة الموجبة للنية في الصلاة هي الأدلة التي توجب النية في كل عبادة كقوله صلى الله عليه وسلم:"إنّما الأعمال بالنيات"، وهذه الأدلة لا توجب الاستحضار التفصيلي في كلّ عبادة؛ وليس للصلاة دليل خاص يوجب الاستحضار التفصيلي فيها.
3 -
الآثار السيئة المترتبة على القيام بهذا الاستحضار، فهذا القول يوقع معتنقيه في الوسوسة المنهي عنها، إذ هي كما قيل: خلل في العقل، أو نقص في الدين، والشريعة لا تأمر بما يلزم منه الوسوسة المنهي عنها عادة.
قول أعجب وأغرب
وأعجب من القول الذي قال به بعض متأخري الشافعية قول القاضي أبي بكر من المالكية.
فالقاضي يقول: "يلزمه عند الِإحرام أن يذكر حدوث العالم وأدلته، وإثبات
الأعراض، واستحالة قدم الجواهر، وإبطال حوادث لا أول لها، وأدلة العلم بالصانع، وإثبات الصفات، وما يجب لله تعالى، وما يستحيل، وما يجوز، وأدلة المعجزة، وتصحيح الرسالة، ثم الطرق التي بها وصل التكليف إليه" (1)!!
وحكى صاحب القبس مذهب القاضي عن إمام الحرمين أيضا، وأنه كان يقول:"تذكار هذه الأمور يكفي فيه الزمن اليسير بخلاف تعلمها"(2).
وهذا القول أشدّ بطلانا من سابقه، ولا يحتاج أن ندلل على بطلانه، ورحم الله المازري حيث يقول:"أردت أن اتبع كلام القاضي عند إحرامي، فرأيت في منامي كأنّي أخوض في بحر من ظلام، فقلت: هذه والله الظلمة التي قالها القاضي أبو بكر"(3).
(1) الذخيرة (1/ 510).
(2)
المصدر السابق.
(3)
المصدر السابق.